لكن عندما أنظر إلى جدي -أعطاه الله الصحة والعافية- أرى أنه لا يرغب في مغادرة الحفل الآن يتكلم عن المستقبل وكأنه شاب في مقتبل العمر، وعندما نتحدث عن الموت يقول: "محدش عارف مين هيموت قبل مين؟!". معه حق الموت لا يختار الأكبر سناً، لكن لله حكمة في الوقت الذي ينتهي فيه عمر كل إنسان.
أتذكر جيداً منذ سنتين أيقظني أخي من النوم ولم يمهِّد لي ما سيقوله، أعذره كان متوتراً ولم يستوعب الأمر بعد ولا يعرف كيف ينقل لي الخبر، بل قاله كقنبلة انفجرت في قلبي:
"عبدالمعطي مات".
وأنا أحاول أن أستوعب ما سمعته، فهم أخي ما توصلت له فقال: "لا مش عبد المعطي جدك، عبدالمعطي ابن عمك".
لم أنسَ ما شعرت به، كانت لحظات شعرت أنني كبرت فيها سنوات، جدي الذي تخطى التسعين من عمره حي يُرزق، وابن عمي الذي لم يتخطَّ الخامسة والعشروي غادر الحفل مبكراً بسكتة قلبية مفاجئة، لله حكمة في ذلك حتى وإن لم ندركها.
فقدنا مَن كان أكثرنا تفاؤلاً وأكثرنا رغبةً في الحياة، أكثر مَن يعرف كيف يجعلنا نضحك من قلبنا، كيف يحول الحزن إلى فرح بنكاته، أنظر حولي أجد الكثير من الكبار استطاعوا تخطِّي الأمر، أما نحن الشباب الذي كان أخاً وصديقاً لنا بداخل كل منا ألم لم نستطِع أن نتخطاه، نسترجع كيف كنا نتجمع ونسهر وكيف كان يجعلنا نبكي من الضحك، وأن العيد لا يكتمل إلا به، أصبحنا ننظر إلى الحياة على أنها يمكن أن تنتهي في لحظة، فلا داعي للقطيعة أو مشاكل الإرث التي في أغلب العائلات، كلنا ضيوف على هذه الأرض، أو كلنا مدعوون لحفل سنغادره عاجلاً أو آجلا.
عبدالمعطي رحمة الله عليه
عندما أجلس مع جدي، أحاول أن أستمدَّ منه بعضاً من الرغبة في الحياة، أود أن أعرف مع كل ما عاناه في حياته كيف حافظ على ابتسامته وحبه للحياة، هل حقاً على هذه الأرض ما يستحق الحياة؟!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.