تأتي مرحلة ما من العمر سوف تأخذك الحياة نحو الروتين والعادية والرتابة، مثلك مثل الكثيرين من الناس غيرك ممن كان الشغف يدفع بهم نحو النجاح، نحو العِلم نحو التميز نحو مساعدة الآخرين، والحب والعطاء والإصرار، والصحبة التي تجتمع على كل شيء لكنها تخلوا من المصالح عكس ما تقودك الحياة نحوهُ بعد حين فتجد أن كل من حولك لا يشاركونك شيء سوى مصالح مشتركة تجمع بينكم، وتفرقكم عند أول مُفترق لطرقها.
هنا بدوري أدعوكَ عزيزي القارئ لأن تتمرد معي على كل ذلك، أو تتوقف عن قراءة السطور التالية إن كنت لا تجرُؤ على مواجهة ما هو جديد وتشعر بالاكتفاء بما أنت عليه الأن.. ولأني شخصياً ممن يدق ناقوس الخطر بالنسبةِ لهم ما إن وجدت الأمور في الحياة بدأت تأخذني نحو العادية، والصمت والاكتفاء بالذات التي تم تحديد مقاييس نجاحها وتميزها وفقاً لآخرين غيري وما إن وصلت قِمتهم يتوجب علي أن أكتفي بما لدي ولا أطمح للتفوق عليهم! وقتها أدرك بأني لا بد أن أتفوق على نفسي وأفوق توقعاتها أولاً وأبتعد عن وَهم المحافظة على منطقة الأمان، والالتزام بالقواعد المتعارف عليها كما يقولون عصفوراً في اليد أفضل من عشرة على الشجرة، لا أريد عصافيراً في اليد أُفَضل شجرة وعصافير أتمتع بتنقلها وحريتها وزقزقتها أشُرع يدي للحياة والمَجهول الذي اكتشفهُ بنفسي أفضل من أمان سبق وأكتشفهُ الملايين من البشر غيري ببساطة نحن عندما نؤمن بقدراتنا نكون قادرين على تحقيق أبعد مما رسمناه لأنفسنا..
الحافظ على الجزء الذي قد يعتبره البعض تافهاً وبلا هدف أو قيود! ذلك الجزء الذي يعود بكَ طفلاً لا يأبه ولا يهتم ولا يخاف.. ذلك الجزء الذي ما إن توقف عن النبض حتى يموت الشغف فينا ونحن نختنق بمثالية لا وجود لها
تعلمت أن لا أكتفي إلا بما يثير في رأسي التساؤل، والتعجب، والرغبة في الاكتشاف والتَجدد والتغيّر، وامتلاك الحرية، تلك الحرية التي تنبع من داخل العقل والقلب بما يسمح لي أن أعبر عن أفكاري ومشاعري لنفسي ولمن هم حولي، لمن أعجب بأفكارهم وأحلامهم، لمن يستحقون أن أقف من أجل انجازاتهم وأصفق بحماس من أجلهم وأكون فخورة بما حققوه لأني كنت شاهد على تضحياتهم ومثابرتهم وصبرهم حتى استطاعوا الوصول حيث هم الأن، هؤلاء وغيرهم يستحقون أن نحتفي بهم، والحياة بهم وبغيرهم من الأبطال تستمر. عوضاً عن مشاعر المنافسة غير الشريفة وتمني زوال النعمة عن الآخر والمساهمة في التقليل من شأن نجاحه أو إيجاد أسباب تمنحنا حق إطلاق أحكام تسيء لهم وترفع من شأن قدرات محدودة لم تستطع من تحقيق نجاح يُذكر، وهذا ما يستخدمه الكثير من الناس بأن يعزو الفشل لسوء الحظ وغيرها من الأسباب اللامنطقية.
في المقابل لنكون على يقين أن البطولات الصغيرة تصنع حياة ونجاحات أكبر وأكبر إنها تجعلنا نستمر أما البطولات الكبيرة فهي تماماً كما ذكرت في المقدمة تجعلنا نصل القمة ونجلس هناك وكأننا حققنا كل ما نرجوه دفعة واحدة! تذكر أن لا تكتفي من الرغبة في الوصول صوب المستحيلات وتعيش تجربتها وتخوض غِمارها فيما يتجنب الكثير غيرك التقدم خطوة نحوها! لما يخافون ذلك؟ لأن برأيهم أن نقطة النجاح والتميز وتحقيق الذات توقفت عند هذا الحد، والحفاظ عليهِ هو الأهم من الذهاب أبعد منه والوقوع في فخ الإخفاق مثلاً!
خلاصة كل ذلك كيف نتمرد؟ كيف نكسر قواعد دائرة الأمان ونعيش لنفكر ونستنتج ونخرج من المشكلات الطارئة المتوقعة وغير المتوقعة ونجد حلول للخروج منها بدل حل واحد قد يصل بنا نحو طريق مسدود؟
أولاً هو التمرد على نفسك قبل كل شيء! ستقولون كيف؟ هو بالحافظ على الجزء الذي قد يعتبره البعض تافهاً وبلا هدف أو قيود! نعم عزيزي القارئ ذلك الجزء الذي يعود بكَ طفلاً لا يأبه ولا يهتم ولا يخاف.. ذلك الجزء الذي ما إن توقف عن النبض حتى يموت الشغف فينا ونحن نختنق بمثالية لا وجود لها! مثالية زائفة على مقاييس الناس والحياة المتسارعة.. الجزء الذي يخبرنا أن الأيام أجمل عندما نسرق منها اللحظات ونصنع فيها المغامرات ونجعل المستحيلات واقع.. في كل يوم هنالك مليون فرصة تنتظرك ما إن بحثت عنها ونقبت جيداً.. عندما تؤمن أن الفشل والإخفاق في أمر ما يجعلك تُجدد الحماس نحوه..
وأن التجربة الجديدة تجعلنا نؤمن بأن هنالك دائماً نقطة تستحق منا التضحية والصبر للوصول إليها.. بينما النجاح يجعلنا نقطف ثمار مجهود متواصل.. والحب الذي نغض الطرف عنهِ بحجة أن لا وقت لنا لكي نعيشهُ مع اصدقاءنا وأهلنا واحبائنا هو السبب الأول والأخير الذي يزودنا بالطاقة لكي نستمر مهما كانت الظروف ومهما واجهنا من متاعب.. وتذكر أن طموحك يستمر ويتجدد عند توقفك عن كونك نسخة طبق الأصل من أحداً آخر.. ليس من نفسك. كن أنت وأطلق العنان للفصول والتغيرات والتقلبات والمغامرات وشرع أبوابك للحياة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.