اعتقلوني من منزلي ليلاً وهددوني بالقتل.. أنا سعودية وهكذا عرَّض تويتر حياتي للخطر

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/11 الساعة 13:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/11 الساعة 14:13 بتوقيت غرينتش
الناشطة السعودية منال الشريف

في شهر مايو/أيار من عام 2011، اعتقلني رجال من الشرطة السرية من منزلي بالسعودية في منتصف الليل، في حين كان طفلي ذو الأعوام الخمسة نائماً. كان من الممكن أن أختفي دون أثر، لولا عمر الجهني شاهد العيان الشجاع الذي خاطر ببث تفاصيل الواقعة مباشرةً على "تويتر" .

لكن "تويتر"، المنصة التي أنقذت حياتي بأحد الأيام، يضعني اليوم في خطر، إذ كشفت الأحداث التي وقعت في الأسابيع التالية لمقتل جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية، كيف أنَّ الصحافيين والناشطين الآخرين هم أيضاً في خطر. ومن ثم، قررت مؤخراً، بعد مرور 7 سنوات على إنقاذ "تويتر" حياتي، حذف حسابي على الموقع خلال بث مباشر أمام جمهور من 1000 شخص. وقررت الانفصال إلى الأبد عن أكثر من 295 ألف متابع.        

عشت في السعودية تحت حكم العائلة الملكية الشمولي المطلق، حيث تسيطر الدولة على كل شيء حتى الهواء الذي نتنفسه. لكن منصات التواصل الاجتماعي أتاحت لنا متنفَّساً غير مسبوق. ورغم محاولات الدولة مراقبة جميع وسائل التكنولوجيا الحديثة، ومن ضمنها الإنترنت، لم تنجح في القيام بالمثل على الشبكات الاجتماعية، إذ كانت هذه المنصات خارج نطاق سيطرتها، أو على الأقل ظلت كذلك بضع سنوات. وفي عام 2011 حين كان "تويتر" رمزاً للحرية في السعودية، أرسل أحد أصدقائي تغريدة يقول فيها: "أشعر بالحرج أنني انتظرت لحين انضمت أمي إلى تويتر وتابعت حملتك قبل أن أنضم أنا أيضاً". ورغبةً من الناس في الانخراط بقضايا يؤمنون بها، انضموا إلى هذه المنصات، إذ كشف تقرير The Arab Social Media أنَّ السعودية احتلت عاماً تلو الآخر المرتبة الأولى بين الدول العربية من حيث عدد مستخدمي "تويتر" النشطين والتغريدات اليومية.                     

لكن فور أن أدركت الحكومات الشمولية القوة التي تتمتع بها هذه الوسائل، قررت استخدامها، إذ لجأت الحكومات القمعية إلى استخدام أسلحة مراقبة شاملة، والتلاعب بالحوار، والدفع بنسختها الخاصة من الأحداث على هذه المنصات. وأظهر باحثون كيف نجحت الحكومة السعودية في صياغة وقولبة الرأي العام على "تويتر" من خلال شراء حسابات المتصيدين (ترولات) وحسابات آلية وهمية (بوتات)، وفي الوقت نفسه استهداف الناشطين المؤثرين الذين يعارضون الحكومة، بتهديدات مباشرة أو غير مباشرة، أو اعتقالهم أو سجنهم.      

أصبح موقع تويتر مليئاً بالمضايقات والتهديدات بالقتل والترويع والأخبار الزائفة التي تستهدفنا؛ لأننا اخترنا أن نعبر عن آرائنا علناً في العالم العربي. ولم يتبنَّ "تويتر" أي تغير ملموس ليجعل المنصة آمنةً لنا؛ ما دفع الكثيرين ممن أعرفهم إلى مغادرة الموقع. إلا أنني واصلت التعبير عن آرائي على المنصة؛ إذ أومن بأنَّ تلك الحكومات هي التي ينبغي أن تشعر بالخوف وليس نحن. اعتقدت أنني أصبح لديَّ أخيراً صوت وأنه عليَّ أن استخدمه.     

لكن الأمور تغيرت كثيراً العام الماضي (2017)، حين شنت الحكومة السعودية حملة قمعية طالت مستخدمي "تويتر" المؤثرين. ويُعتقَد أنَّ سعود القحطاني، رئيس الاتحاد السعودي للأمن الإلكتروني والبرمجيات والمستشار السابق لولي العهد، هو المسؤول عن الجيش السيبراني السعودي، أو كما نفضل أن نطلق عليه نحن الناشطين الحقوقيين، "الذباب الإلكتروني". وأطلق القحطاني العام الماضي (2017)، هاشتاغ "القائمة السوداء" عقب الحصار السعودي الذي فُرض على قطر، حاثّاً مستخدمي "تويتر" على رصد أي حساب يتعاطف مع قطر. إضافة إلى ذلك، مورست ضغوط على عدد من الشخصيات البارزة على "تويتر"، لإغلاق حساباتهم أو التوقف عن نشر تغريدات. وتبيَّن لاحقاً أنَّ بعضهم اعتُقل وزُجَّ بهم في السجن تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، ومن بينهم عصام الزامل، الاقتصادي ورائد الأعمال، الذي انتقد الطرح العام الأولي لشركة أرامكو، ووُجِِّهَت إليه تهمٌ تتعلق بالإرهاب.                    

أما من نجح منهم في الإفلات من الاعتقال، فتلقى مكالماتٍ أو استُدعِيَ وأُجبِرَ على التوقيع على تعهد بعدم نشر تغريدات. وفي الشهر نفسه، تلقيت مكالمتين هاتفيتين على رقمي الأسترالي من أحد أعضاء مجلس الأمن الوطني السعودي يطالبني بالشيء نفسه. لكنني رفضت التزام الصمت، واستمررت في نشر تغريدات حول قضايا سعودية. وخلال الفترة ذاتها، تنامى إلى علم ناشطين أنَّ الأمن الوطني السعودي يرتب لملاحقة المزيد من مستخدمي "تويتر" قضائياً. ومن ثم، بدأ كثير منهم يحذفون سجل تغريداتهم، ومع ذلك لم ينتهِ الخطر الذي يهددنا؛ لأنه حتى بعد حذف تلك التغريدات لا يذكر موقع تويتر ما إذا كانت تلك التغريدات حُذِفَت أم لا، أو ما إذا كانت لا تزال متاحة للمطورين.               

ورغم أنَّ بعض الحسابات المجهولة على "تويتر" كانت تعارض في البداية السلطات، توقفت عن ذلك فجأة في مارس/آذار 2018. وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة New York Times الأميركية، أنَّ أجهزة الاستخبارات السعودية اخترقت تلك الحسابات بمساعدة موظف في "تويتر" يُسمى علي الزبارة -رفض متحدث باسم "تويتر" طلباً من صحيفة The Times البريطانية للتعليق على هذا التصريح. وأفادت تقارير بأنَّ الصحافي تركي الجاسر، الذي يُعتقد أنه من بين أصحاب تلك الحسابات، تعرض للتعذيب والقتل بعد اعتقاله في 15 مارس/آذار 2018. إضافة إلى ذلك، تلقيت اتصالات من أشخاص مجهولين، أكدوا لي اختفاء المغرد السعودي صاحب حساب @Sama7ti، وهو حساب آخَر رفض الإذعان أمام ضغط السلطات (وأنا أعرف كذلك هذا الرجل شخصياً).             

وحين تابعتُ التغريدات المتصدرة بـ "تويتر" في السعودية والعالم خلال الأسابيع التي أعقبت اختفاء خاشقجي، اتضحت الصورة. ففي الأسبوع الأول لاختفائه، وفي حين كان بقية العالم يستخدم هاشتاغ #جمال خاشقجي، تصدَّر هاشتاغ Kidnapping_Ant_and_Cockroach#، وهاشتاغ Aljamal_Jamal_Alrouh# "تويتر" في السعودية. وإلى جانب ذلك، نُشِرَت الكثير من التغريدات التي نجحت في التعتيم على أي هاشتاغ يحمل اسم جمال. ثم على مدى أسبوعين، بدا السعوديون كأنهم يعيشون داخل فقاعة، في الوقت الذي ثار فيه العالم بسبب اختفاء خاشقجي واحتمالية تعرضه للقتل. وأخيراً، حين رضخ المسؤولون السعوديون للضغط العالمي عليهم وأقروا بواقعة القتل في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2018، جاء هاشتاغ "أنا عربي ومحمد بن سلمان يمثلني" في المرتبة الثالثة لأكثر الهاشتاغات التي تتصدر "تويتر". وفي ذلك اليوم، أصبح جلياً لي أننا فقدنا هذه المنصات الاجتماعية لصالح الديكتاتوريين.

فبعد أن كان "تويتر" في يوم من الأيام، أداةً لتغيير الخطاب العام، وصوتاً لمن يعجز عن التعبير عن رأيه، ومنبراً للحث على العدالة الاجتماعية، أصبح الآن فخاً تستخدمه أنظمتنا لمطاردتنا وإسكاتنا. وأصبح يُستخدَم لنشر معلومات مغلوطة وترويج دعاية النظام على نطاق أوسع من أي وقت مضى. وعلى الرغم من أنَّ "تويتر" تحرك أخيراً وأوقف 70 مليون حساب مزيف وخبيث في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران من هذا العام (2018)، يظل هذا الإجراء غير كافٍ.

وأخيراً، أدعو صناع التكنولوجيا إلى بناء منصات تواصل اجتماعي لا مركزية لا تخزن معلوماتنا وتبيعها، وتقوم على مفهوم الاستخدام العادل، وتكافئ المحتوى الموثوق الحقيقي، بدلاً من مكافأة البوتات والحسابات المزيفة. يجب ألا يسمحوا للأثرياء وذوي النفوذ بالتلاعب بالخطاب العام والسيطرة عليه، لأنَّ حرية التعبير تصون جميع الحريات الأخرى، ويقع على عاتقنا مسؤولية حمايتها.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
منال الشريف
ناشطة سعودية في مجال حقوق المرأة
تحميل المزيد