من رحم الاكتئاب والألم ابتكر محمد جودت، المهندس المصري والمدير بشركة جوجل، أول نموذج حسابي للسعادة.
توفي ابنه الشاب فجأة بخطأ طبي "بسيط"، حادثة من تلك الحوادث "الغريبة" التي تذكرنا أن الموت قريب جداً، وربما يأتي على "أهون" سبب!
حوَّل الحدث الأليم المهندس محمد جودت من شخص يشكو من كل شيء "وبلا سبب" -كما وصف نفسه- إلى شخص يقدر قيمة الحياة، ويرى نعم الله في كل ما حوله. كأنما لا يميز الإنسان بين الألم الحقيقي والتفاهات التي لا تستحق حتى يتذوق ألماً حقيقياً يمزقه فعلاً.
يقوم النموذج الرياضي للسعادة على عدة معادلات بسيطة ومنطقية جداً لا تحتاج ذكاءً حاداً لاستيعابها، لكن تحتاج إلى روح تتوق للشفاء لا تستمرئ البؤس وتستلذ الشكوى.
السعادة = (ما يحدث لك وعليك – ما تريد وتتوقع من الحياة والآخرين).
وكلما قل ما تريده وتتوقعه من الحياة والآخرين زادت سعادتك.
وكلما زاد ما تريده وتتوقعه من الحياة والآخرين نقصت سعادتك.
إذاً بإمكانك أن تسعد في كل حال وتحت أي ظرف إذا لم تتوقع شيئاً من الدنيا والناس، وإذا لم تصر على التحكم في الأحداث/الأشخاص لتحقق توقعاتك منهم.
يشرح محمد جودت في كتابه النموذج الرياضي سعادة أن هناك ست عوائق تمنع الشعور بالسعادة:
1- أننا نعلق سعادتنا على أشخاص نريد منهم كذا وكذا أو يؤذينا فعلهم/ أو عدم فعلهم كذا وكذا، ونقضي العمر في حروب وسجالات معهم/عنهم/ حولهم.
2- أننا لا نستمتع بما وهبه الله لنا وهو كثير -دائماً كثير- لأننا نركز على الناقص، والغائب، وما لا نملك ونتحسر وننزوي حزناً عليه أو نغضب ونقاتل سعياً وراءه ، ثم نشكو التعاسة وسوء الحظ وأننا ضحية الأقدار.
ننسى أن الله -سبحانه وتعالى- عطاؤه ابتلاء وحرمانه دواء، وأن محاربة القدر كالسباحة عكس التيار تجهد النفس وتستهلك الطاقة ويكاد يكون الوصول معها مستحيلاً.
3- أن أفكارك عن نفسك وعن الآخرين وعن كل شيء هي مجرد "تصورات" قد تكون صحيحة أو خطأ، لا تتعامل معها أنها صواب مطلق، وحقيقة لا تقبل التشكيك.
فلا تحطّ من شأن نفسك بأوهامك عن نفسك ولا تخلق لنفسك أعداء من بنات أفكارك.
4- أن قيمتك ليست في شكلك، أو منصبك، أو عائلتك، أو أملاكك، أو إنجازاتك، لك قيمة حتى لو زالت عنك كل تلك "الإضافات" فلا تعلق قيمتك على لقب أو رقم.
5- أنه في كل مواقف الحياة تذكر أنك لا تعرف كل شيء، لا تعرف ما يجري للآخرين، بل كثيراً لا تعرف دوافعك الحقيقية، لا تضع افتراضات وتتعامل معها كأنها الحق المطلق، وتبني سيناريوهات عما يضمره الآخرون نحوك أو تبالغ في تفسير تصرفاتهم.
6- من الوهم أن تتخيل أن بإمكانك التحكم فيما/فيمن حولك.. في كل الأحداث الفاعل الله، اجتهد فيما "تملك" وسلم الأمر لله أولاً وآخراً. واعلم أنه لا ينفع حذر من قدر، ولا يستحق الخوف إلا الخوف، وأن الحافظ الله.
إلى جوانب عوائق السعادة الست يناقش محمد في كتابه عيوب التفكير الشائعة التي لم ينجُ منها إلا من رحم ربي كالتعميم، والظن، والعناد، والاستسلام لأسر الماضي والذكريات التي ولَّت، والتصنيف، والعصبية والانفعال، والتهويل! عيوب في طريقة التفكير تخصم من أرصدة السعادة وتزيد من التعاسة.
خلاصة الكتاب أن تعديل طريقة التفكير وتبنّي السلوكيات والعادات الصحيحة كفيل بأن يجعلنا سعداء ويقلل في نفوسنا مشاعر البؤس والسخط على الحياة، وهو تدريب مستمر ومتكرر جوهره الحفاظ على مشاعر الرضا.
الرضا عن واقعك كما هو الآن في هذه اللحظة فلا تهلك نفسك سخطاً وتوفر جهد وطاقة محاربة ما لا يتغير.
الرضا والتسليم بأن "التغيير" سُنة الحياة، يتغير الناس، تتغير الظروف، ومقاومة التغيير عبث.
الرضا والتسليم بالأمور القدرية التي لا دافع لها ولا أسباب أو احتياطات كالحب والموت لا شيء يمنعها أو يغيرها بأي شكل.
الرضا واليقين أن لا شيء يحدث "عبثاً" وأن لله حكمة في كل أفعاله، فهمنا أم لم نفهم.
الرضا يهبنا السكينة فلا يذهلنا حادث ولا يدمرنا رفض شيء كتبه الله لنا/علينا ولا ينقضي العمر في التسخط عليه أو رفضه بلا جدوى.
في جوهر النموذج الرياضي للسعادة حقيقة يغفل الكثيرون عنها وهي أننا من يقرر ما "نشعر" به.
إذا أردنا السعادة عشناها، وإذا أردنا التعاسة خلقناها، وخلاصة كتاب محمد جودت الممتع عن تجربته الإنسانية الجميلة هي أن الرضا لمن يرضى، اقبل ما أجراه الله عليك ترتَح.. ارضَ تسعد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.