هل أقدمت يوماً على الإستقالة ؟
الإستقالة من منصب يقيدك .. ينغص عليك , من وظيفة لا تحقق طموحك .. لا تشعر فيها بذاتك , الإستقالة من علاقة مجهدة مع شريك يسمم حياتك , من صداقات تثبطك عن متابعة آمالك .. تسفه قدراتك وامكاناتك .
الإستقالة من مدينتك لمطاردة أحلامك .. لتحقق أقصى تطلعاتك , الإستقالة من التخبط والتشتت والكسل وتأجيلات تبدد بها عمرك وتحطم بها همتك , من أوهام لا تفضى لشئ , من إحساس بالعجز فى مواجهة مخاوف وعقبات تقف بينك وبين سعادتك , من قيود وأصفاد مازلت إلى الآن تقيد بها نفسك وتخنق بها روحك .
أنت فعلاً تريد الإستقالة تنشد التغيير ولكنك لا تستطيع .
لا تستطيع الخلاص من إرتباط بمدار حياة أنت رسمته لنفسك متوهماً أن هذا أفضل ما تستطيع أقصي ما تملك ,أو لعلك مرتبط بمدار حياة أحدهم يختار لك فيه دوراً صغيراً مجرد ترس فى منظومته يدور بكل قوته رغماً عنه ليتحطم ويُستبدل .
ولأنك غير قابل للتطور غير قادر على إكتشاف الفكرة , فقد شربت ما قدمه لك أحدهم جاهزاً ونهائياً .
ولكن لطالما سمعت الصوت الذي يهمس بداخلك – ( أنا لست سعيداً لكم أتمنى أن تتحسن حياتي عما هى عليه ) – حياتك لن تتحسن بمفردها , أنت لا تهرب من شئ قدر هروبك من نفسك , أنت مريض قد لا يكون ذنبك ولكن عليك تقع مسؤولية التحرر من مرضك .
أنت عاجز عن انتزاع ما هو حق لك فى هذه الحياة , تنتظر شيئاً ليحيل حياتك إلى مغامرة ؟ لا تنتظر .. , الأمور فى هذا العالم لا تحدث مالم يحدثها أحد , ومادمت أنت نفسك فقد وقع عليك مسؤلية تغيير حياتك والأخذ بزمام عالمك .
الإستقالة ليست كلمة سيئة كما تبدو أو فعل خارج عن نطاق المألوف , الإستقالة من الجهة الأخرى حياة جديدة , فتح باب كبير للفرص والتجارب الحياتية المختلفة , الوقوف على حقيقة نفسك .. امكاناتك وماهية الشئ الذي وجد لك لتفعله فى الحياة , التعرف على هذا المجهول الذي يحمل بين طياته المغامرة والإثارة يحمل أحلاماً جديدة .
شيئين عن طريقهما ستتغير حياتك :
الشئ الأول : أن يفاجئك شيئ غير متوقع , أن تحصل على فرصة جديدة , هدف ملهم يظهر أمامك , شخص جديد يدخل حياتك , أن تهبط عليك ثروة من السماء ,كل هذه عوامل خارجية قد تأتي وقد لا تأتي , انتظارها لا يجدى نفعاً ويهدر وقتاً ويدعك عاجز الهمة خائر القوى .
والشئ الثاني : شئ جديد ينبع من داخلك .. من صميم روحك , شجاعة جديدة , حماسة متقدة , نهج جديد , رؤية مختلفة , إيمان بنفسك وبقدراتك , إرادة قوية , رغبة فى أن تذهب إلى أبعد مما وصلت إليه , وهذه الأشياء مسؤلية حدوثها تقع على عاتقك , وتعتمد على تفكيرك , حجم خيالك , ومستوى التزامك .
إن الإنسان يكره التغيير بفطرته , ومن أرسخ عقائده التشبث بالقديم , فتجده نادراً ما يغادر بيته القديم حتى يتداعى فوق رأسه , فإذا بحثنا وجدنا للنكوص أسباب ولإرادة التغيير معوقات , نذكر منها أشدها وأشيعها , ومنها :
1-( التأجيل ) …..
حسناً سأفعل .. سأتغير يوماً ما , هذه خدعة الوقت المناسب , سأفعل غداً , سأبدأ من الأسبوع القادم , من الشهر المقبل , سأتغير فى غضون الثلاث سنوات القادمة .
لا يوجد ولن يكون هناك يوماً تنهض من فراشك قائلاً إن هذا هو أفضل الأيام لبدء التغيير .. لتقديم الإستقالة , غالباً ستموت ومازال لديك مهام لم تكملها , أعمال لم تنجزها , مقابلات لم تحضرها , رسائل لم ترد عليها , أنت لا تملك غير اللحظة التي تعيشها الآن , لا تتصرف كما لو كنت ستعيش ألف سنة , الحياة قصيرة وغير متوقعة .
2-( لكن ) …..
نعم سأتغير .. ولكن , هذه الكلمة الصغيرة تفتح لك آفاق من التبريرات كى لا تقم بأي فعل , تجعلك تلقى باللوم على أسباب خارجة عن إرادتك , تحاول أن تقنع نفسك ومن حولك أنك لطالما حاولت وبذلت أقصي ما بوسعك , ولكن ليبدو أن الحياة تناصبك العداء , ( لكن ) تبقيك فى الركن المظلم مقيداً , تحجزك خلف مخاوفك , لتقف وتستكين .
ولكى تتخلص من المعوقات التى لطالما استنزفت عمرك , ليكن لديك رؤية واضحة لما ستفعله .
حدد ما هو أصعب شئ سيحدث لك لو تحركت الأن فى إتجاه أحلامك ؟
ودعني أسالك : إذا لم تعش حياتك كما هو مقدر لك … ما البديل ؟
البديل هو أنك ستعيش حياة ليست لك متظاهراً أنك حي , ستعيش تعيساً بائساً , و ستفقد ذاتك , وسنفقد كلنا عبقريتك المتمثلة فى تفردك بالقيام بالدور الذى لم تقم به .
أؤمن بأن كل منا أتي إلي هذه الحياة ليقدم شيئاً فريداً , لن يستطيع غيرك عمل ما هو مقدر لك أنت لتعمله , لن يؤلف أحداً الكتاب الذي تود تأليفه , لن يكمل أحد الدراسة المفترض أن تكملها , لن يُكوّن أحد الأسرة التي ستُكوّنها , لن ينبى أحد مصنعك .
" فإذالم نفعل ما نحن أهلٌ لنفعله , وإذا لم نكن نسهم بنصيبنا فى حركة تقدم العالم باذلين ما نحن جديرين ببذله حقاً , فسوف نسمع صوت التعاسة يرن فى أعماق أنفسنا , وسوف يعلو هذا الصوت مع الزمن حتي لا يعود فى الوسع تجاهله . " ( دوروثي براند )
ولن أخدعك قائلاً إن التغيير سهل ……
الحياة صعبة شاقة , وتزداد المشاق كلما قارب الإنسان مقصده الذي يسعى إليه , نعم التغيير صعب , ولكنه مع هذا مثير , وهذا الشغف وهذه السعادة لا تنمو إلا في رحم الصعوبات , وبوجود غاية نسعى إليها يشتعل حماسنا , ويزدهر نشاطنا , إذ ان بداخل كل منا ذخائر من الطاقة لا يمكن أن تثيرها حياة هادئة رتيبة وإنما توقظها حياة متدفقة مثيرة .
فها هنا فى معمعة الحياة ندرك فعلاً أننا نعيش , وأننا خلقنا للنضال , فينبغى أن نساهم فى الحياة بما هو لنا فنطبعها بطابعنا , وبذلك يغدو كل منا بطلاً .
وكلما كانت المعركة أصعب كان النصر أحلي ……
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.