بدت فكرة المكاتب المفتوحة فكرةً جيدةً وغير مؤذية، تساعد على التواصل بين الموظفين وتستغل المساحة وتوفر المال وتعزز الإنتاجية. لكن الحاجة إلى الخصوصية والتركيز أقوى على ما يبدو من كل المفاهيم الأخرى؛ لأن الإبداع لا يمكن أن يتم ما دام هناك موظفون آخرون يدردشون ويتحدثون بصوت عالٍ عبر الهاتف!
ينتشر مفهوم المكتب المفتوح في معظم الشركات، مساحة مفتوحة تتوسطها مكاتب مع كراسيها الخاصة، ثم طاولة جانبية مشتركة للقهوة والشاي.
كانت الفكرة الأساسية منها التخلص من المكاتب التقليدية (أو الصوامع) كطريقة لبناء المكاتب التي تفتقد إلى جدران مغلقة (collaboratory)، وبالتالي الحث على الإنتاجية والإبداع على حد سواء.
لكن تبيَّن أخيراً أن العمل من المنزل، وساعات العمل الثابتة، والتخلي عن أبواب المكاتب قد تكون فكرة سيئة للغاية.
الناس يحبون العمل خلف الأبواب المغلقة
في رؤية حديثة لمعضلة العمل المعاصرة هذه، يؤكد العلم أن المكاتب المفتوحة قد تكون فكرة تقتل الابتكار. إذ تظهر هذه البيانات أن الناس يحبون "إغلاق باب مكتبهم" ومن ثم يبدأون في العمل.
كما أن صخب المشاركة ليس أحد أساسيات هذه البيئة القوية المتعاونة، التي تسعى إلى تغيير العالم. ففي بعض الأحيان، كل ما يحتاج إليه الناس هو مجرد مساحة صغيرة، وفق ما نشر موقع Psychology Today.
المكاتب المفتوحة تشتت الانتباه
دراسة جديدة نُشرت في مجلة Proceedings of the Nation Academy of Science، ألقت الضوءَ على ما يحدث عندما يتفاعل الأشخاص ويؤثرون في بعضهم البعض أثناء حل المشكلات المعقَّدة.
أي بمعنى آخر، ألقت نظرة فاحصة على "تعليمات الالتزام بالتعاون"، التي نجدها في تقارير مهام العمل، والمصانع، وغرف الاجتماعات حول العالم.
تشير الدراسة إلى ما يلي:
"تعتمد العديد من المحاولات البشرية -بدءاً من الفرق والمنظمات وحتى الحشود والديمقراطيات- على حلِّ المشكلات بشكلٍ جماعي.
أظهرت الأبحاث السابقة أنه عندما يتفاعل الأشخاص ويؤثرون في بعضهم البعض أثناء حل المشكلات المعقدة، فإن متوسط الإنجاز في حلِّ المشكلة يرتفع لدى المجموعة.
ولكن الحل الأفضل الذي قد تخرج به المجموعة يتناقص فعلياً، أي أنَّ جودة الحلول تتناقص".
دراسة أخرى أُجريت في العام الماضي، قام بها خبير استراتيجيات البرامج يدعى ويليام بيلك توصلت إلى أن 58% من الموظفين ذوي الأداء العالي، يقولون إنهم بحاجة إلى المزيد من المساحات الخاصة لحل المشكلات.
واعتبر 54% من الموظفين أن بيئة مكاتبهم تشتت انتباههم للغاية.
نعم تتزايد الكمية، لكن الجودة تنخفض
وجد الباحثون أنه عندما يكون التأثير الاجتماعي متقطعاً، فإن ذلك يعمل على تحسين المتوسط، مع الحفاظ على أقصى وأعلى درجة ممكنة من الأداء (أي جودة الحلول).
بعبارةٍ أخرى، قد يكون التحفيز المستمر في بيئة المكتب أو حتى النقاشات السريعة المركزة لفريق العمل جزءاً من "الحل والمشكلة معاً"، فيما يتعلق بالسعي الحالي نحو الابتكار.
ربما تساعد "السكينة التي تشعر بها المجموعة أثناء الاجتماع"، على إنتاج ديناميكية فكرية أكثر سلبية، وذلك حين يفشل "تفكير المجموعة" في تقديم تحليل أكثر عمقاً وتركيزاً. قد يساعد الاضطراب والارتباك الذي يحدث في العملية نفسها، وما يرتبط به من "استبطان" و "تصفية" في تشكيل التفكير وتحويله إلى أفكار قابلة للتنفيذ.
لم تقدم التكنولوجيا باعتبارها أداة للتعاون المساعدة
من المثير للاهتمام أن الباحثين نظروا أيضاً في تخزين أفضل الحلول للمواضيع، باستخدام "البرامج الإنتاجية productivity software" المتاحة، لمعرفة ما إذا كانت الاستمرارية الإلكترونية لفكرة ما -سواء كانت مسترجعة أو معدلة- مفيدة.
والنتيجة مشابهة للتأثير الاجتماعي المستمر: فهي تزيد من متوسط الأداء، ولكنها تقلل من الفحص والتعمق.
لذا امنح نفسك فترة راحة
يبدو أن دور الفترات المتقطعة من الراحة أثناء العملية قد يكون جزءاً من البحث عن ذكاء جماعي أكبر وأقوى.
قد تقوّي الاضطرابات المخطط لها في "تفكير المجموعة" الفرد، وتقوده إلى مستوى أعلى من الفحص والدقة.
الديناميكية التعاونية وُجدت لتستمر، وذلك في مجالات تبدأ من التصنيع وتصل إلى الطب.
ولكن حان الوقت لإلقاء نظرة عن قرب على طبيعة هذه التكتيكات الشائعة، ليس من أجل تنفيذها فقط، بل من أجل تحسينها باعتبارها أداة رئيسية لتعزيز الابتكار.