يدخل المراهق إلى غرفته وحتى بعد مرور ساعتين لا يستطيع أن ينام. وعند الاستيقاظ صباحاً إلى المدرسة يكون مزاجه معكراً، ما ينعكس سلباً على من يوقظه وعلى المدرسة بأكملها.
نوم المراهقين والمدرسة مشكلة عالمية لا يعاني منها ابنك أو أخوك وحده.
تقول المديرة المشاركة في الاستطلاع الوطني الأميركي حول صحة الأطفال، سارة كلارك، الذي يجريه مستشفى "شارل ستيوارت موت" في جامعة ميشيغان، "أطلعنا الآباء على أن الحياة الطبيعية لأي مراهق أميركي في المدرسة الثانوية تتخللها مشاكل نوم".
إذاً هي مشكلة عامة ومنتشرة، ولا بد من معرفة أسبابها للتمكن من مساعدة المراهق على حلها.
الأرق والسهر.. أكثر الظواهر انتشاراً بين المراهقين!
وفي استطلاع شمل ألفي والد ووالدة من مجموعات عرقية وخلفيات اجتماعية مختلفة، ونشرته كلارك وفريقها هذا الشهر على موقع National Public Radio الأميركي، تبيَّن أن والدين من أصل 6 يعاني ابنهما المراهق من مشاكل متكررة في النوم، على غرار "الأرق أو السهر حتى الساعة الثالثة فجراً، أو السهر لوقت متأخر لعدة ليال خلال الأسبوع".
الأسباب متنوعة منها القلق والأجهزة الإلكترونية
كما أشار أكثر من نصف الآباء والأمهات الذين شاركوا في هذا الاستطلاع إلى أن سبب هذه المشاكل يعزى إلى رفض أبنائهم المراهقين التخلص من أجهزتهم الإلكترونية، في حين أن 43% من الآباء والأمهات يلقون باللوم على جداول الأوقات غير المنتظمة، إلى جانب كثرة الأنشطة والواجبات المنزلية.
وبالنسبة لـ31% من الآباء والأمهات فإن أطفالهم يعانون من مشاكل في النوم، لأنهم قلقون بشأن نتائجهم المدرسية، بينما ذكر 23% أن أبناءهم المراهقين يبقون مستيقظين لساعات متأخرة من الليل؛ لأنهم قلقون بشأن حياتهم الاجتماعية.
ونوهت كلارك بأنه من المرجح أن أعداد المراهقين الذين يعانون من اضطرابات في النوم أعلى بكثير مما توصل إليه الاستطلاع الوطني المذكور؛ لأنه يمكن للأطفال أن يخفوا عن أهاليهم مسألة استعمال أجهزتهم الإلكترونية ليلاً، ناهيك عن إمكانية ألا يراقب الأولياء الأطفال الأكبر سناً.
حاجة أجسام المراهقين للنوم تختلف وتتغير مواعيدها
كيف يمكن للآباء والأمهات مساعدة أطفالهم؟ يجب في المقام الأول معرفة ما يحتاجه الأطفال. في المعدل، يحظى المراهق العادي بسبع ساعات من النوم المتواصل ليلاً، ويقسم بقية الوقت في المساء بين إنجاز واجباته المدرسية، والأنشطة الخارجية، والعشاء، وربما العمل. ولكن، تشير الأبحاث إلى أن المراهق يحتاج إلى ما لا يقل عن تسع ساعات من النوم.
لكن حسب ماري كارسكادون، وهي باحثة حول مشكلة النوم المفرط وبروفيسورة في الطب النفسي والسلوك البشري في جامعة براون الأميركية، فإن أجساد المراهقين تعمل ضدهم.
فخلال عملية نمو أجسادهم في مراحل عمرية متوسطة وخلال سنوات المراهقة، يميل المراهقون بصفة طبيعية إلى الخلود إلى النوم في وقت متأخر والنوم لاحقاً في الصباح، ولكن أوقات الدراسة التي تكون في وقت مبكر تحول دون ذلك. وقد أوضحت كارسكادون أنه "إذا كانت ساعة الجسم معدلة على النوم في وقت متأخر، في حين أن الدراسة تنتظر الأطفال في الصباح الباكر، فلن يبقى لأجسادهم الوقت الكافي لتعويض ساعات النوم".
وفيما يلي، تقدِّم كل من كارسكادون وكلارك نصائح مثبتة علمياً للأطفال المراهقين وأوليائهم:
أولاً: يجب إبقاء الأجهزة الإلكترونية بعيداً عنهم
أثبتت الأبحاث أن استخدام الأجهزة الإلكترونية ليلاً له تأثير على جودة النوم؛ لأنه يحفز الدماغ، ناهيك عن أن "مرشحات الضوء الأزرق" تؤثر على هرمونات تحفيز النوم، فما بالك لو كان الشخص متوتراً.
لذلك يجب الحرص على عدم استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم، والتمتع بساعات نوم متواصلة. وذكرت كلاسكادون "إذا كنتُ سيدة أعمال مبتكرة فإن أسهل طريقة لكي أصبح ثرية هي ابتكار صندوق مقفل للأجهزة الإلكترونية مخصص للعائلة"، توضع به الأجهزة طوال الليل.
ثانياً: التقيد بروتين يومي للنوم
حاول أن تغلق جميع الأنوار في الغرفة في الوقت نفسه كل يوم، واستيقظ في الموعد نفسه كل صباح، حتى خلال عطلة نهاية الأسبوع، إذ تشير الأدلة العلمية إلى أنه لا يمكن للشخص تعويض ما يحتاجه من ساعات النوم خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ثالثاً: أقنعة النوم مفيدة، لكن يجب تجنب أخذ قيلولة طويلة
أكدت كارسكادون أن أقنعة النوم مفيدة، وتساعد على خلق بيئة ملائمة للنوم، وكذلك تُجنب نوم الأطفال الذين يشعرون بالنعاس لقيلولة طويلة في وقت متأخر خلال فترة ما بعد الظهر.
ومن شأن قيلولة لا تتجاوز 20 دقيقة أن تساعدك على استرجاع الحيوية، بيد أن القيلولة الطويلة خلال النهار قد تجعل النوم ليلاً أمراً صعباً.
رابعاً: التقليل من استهلاك الكافيين
يعمد الكثير من المراهقين إلى شرب الصودا أو مشروبات الطاقة بعد انتهاء المدرسة، للتمتع بالطاقة في فترة ما بعد الظهيرة.
ولكن هذه العادة تجعل الخلود إلى النوم في وقت مبكر أمراً صعباً، وينعكس ذلك سلباً عليهم في اليوم التالي، ويزيد من اضطرابات النوم.
وفي الاستطلاع الذي أجراه "مستشفى موت"، لاحظت كلارك أن 54% من أولياء الأمور ذكروا أن أبناءهم المراهقين قلَّلوا من استهلاكهم للكافيين بعد وقت الظهيرة، بيد أنها تقترح أن يقللوا من تناول المشروبات الغنية بالكافيين في وقت مبكر من اليوم، وربما الإقلاع تماماً عن استهلاكها.
خامساً: غضّ النظر عن فكرة الجدول المزدحم
ربما يكون هذا الأمر مخالفاً لما يرغب فيه معظم أولياء تلاميذ المدرسة الثانوية، أو بعض التلاميذ الذين يعتقدون أنه يجب عليهم ذلك للانتقال إلى المرحلة الجامعية، ولكن هل يحتاج ابنك المراهق فعلاً للتألق في المدرسة أو أن يرشح نفسه لمجلس الطلبة، أو يكون في مركز لاعب الوسط في فريق كرة القدم؟ حيال هذا الشأن تقول كارسكادون إنه "يجب اختيار أمر واحد فقط".
سادساً: علِّمهم كيفية إدارة الوقت
إذا لم يكن لدى المراهق الوقت الكافي لإنجاز واجباته المدرسية لأربع ساعات متواصلة في الليل، فلا بد أن يقسم وقته. وتقترح كلارك أنه "إذا كان لديه 45 دقيقة من وقت الفراغ قبل ممارسة أي نشاط، فمن الأفضل الذهاب إلى المكتبة وإنجاز الواجبات الخاصة بمادة أو اثنتين".
سابعاً: يجب استشارة الطبيب قبل شراء الأدوية المنومة
يشير الاستطلاع الذي أجراه "مستشفى موت" إلى أن الآباء في هذه الحالة عادة ما يلجأون إلى علاجات مثل "الميلاتونين"، والأدوية التي لا تحتاج لوصفة طبية مثل حبوب "تايلنول بي إم".
إلا أن كلارك تنصح الآباء والمراهقين بمناقشة هذه المسألة مع طبيب مختص أولاً. ووفقاً للمعهد الوطني للصحة، فإن تعاطي الميلاتونين ليس دائماً ناجعاً، ولا يعرف العلماء الكثير عن مدى تأثيره على الصحة على المدى البعيد. أما الاستعمال المفرط للأدوية التي لا تحتاج لوصفة طبية فيمكن أن يؤثر سلباً على الكبد ويؤدي إلى الإدمان.
ثامناً: إجراء تعديلات على سياسة التعليم
يؤكد معظم علماء النوم أن تأخير موعد المدرسة في الصباح صحي أكثر بالنسبة للأولاد الأكبر سناً، خلافاً للتوقيت الذي تتبعه معظم المدارس.
ومن جهتها، أشارت كارسكادون إلى أن "تغيير وقت انطلاق الدروس في المدارس مسألة مثيرة للجدل" وتتطلب توافقاً مجتمعياً. وهناك العديد من الأساتذة الذين يعارضون هذا الأمر، فضلاً عن أن الآباء العاملين قد يكونون غير قادرين على تغيير جداول أوقاتهم، وما يرافق ذلك من مسؤولية الاعتناء بأطفالهم.
في الأثناء، أشارت كل من كلارك وكارسكادون إلى أن أكثر شيء فعال يمكننا كآباء فعله هو الإنصات لأطفالنا، والتحدث معهم عن مشاكل النوم التي يواجهونها، ومساعدتهم على تحديد موعد نوم والالتزام به.
ومهما كان عمرك، فإن الأوان لم يفت بعد لإيجاد طرق من شأنها أن تساعدك على التخلص من التوتر خلال النهار، الذي قد يؤرقك ليلاً، كالرياضة واليوغا والتأمل، وأحياناً مشاهدة فيديوهات مضحكة على يوتيوب!