مضادات الاكتئاب خطرة وغير فعالة.. فلماذا يصفها الأطباء للأطفال؟

ارتفع عدد مضادات الاكتئاب الموصوفة للأطفال في إنكلترا وأسكتلندا وإيرلندا الشمالية بنسبة 24% على مدى السنوات الثلاث الماضية. زيادة مثيرة للقلق، خصوصاً مع وجود نقاش طبي حول فاعلية هذه الأدوية أصلاً.

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/24 الساعة 08:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/24 الساعة 12:10 بتوقيت غرينتش

ارتفع عدد مضادات الاكتئاب الموصوفة للأطفال في إنكلترا وأسكتلندا وإيرلندا الشمالية بنسبة 24% على مدى السنوات الثلاث الماضية. زيادة مثيرة للقلق، خصوصاً مع وجود نقاش طبي حول فاعلية هذه الأدوية أصلاً.

وفي حين لا تكون الأدوية هي الطريقة الأكثر فاعلية لعلاج الاكتئاب، ولكن سبل علاج الأطفال المكتئبين قبل اختراع مضادات الاكتئاب كان أشد قسوة وإيلاماً.

كانت إراقة الدم العلاج المعياري لما كان يسمى "الملنخوليا" في اليونان القديمة. تبع ذلك، الحرق بأوروبا في العصور الوسطى، والحبس خلال ما يسمى "عصر التنوير" بأوروبا.

بدأ العلاج بالكوكايين ثم الصدمات الكهربائية واستئصال جزء من الدماغ!

في القرن الماضي، حسّن سيغموند فرويد الأمور قليلاً عندما أدخل التحليل النفسي كعلاج للاكتئاب. كانت المشكلة اعتقاده أن تعاطي الكوكايين طريقة جيدة لعلاج الاكتئاب، وفق ما نشرته صحيفة The Independent.

ثم ساءت الأمور مرة أخرى، في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كان الاكتئاب يعالَج أحياناً عن طريق عملية فصل فص المخ الجبهي (إزالة جزء من الدماغ) والعلاج بالصدمات الكهربائية (صدمة كهربائية قوية لدرجة أنها تتسبب في تشنج المريض). لا يزال هذا الأسلوب الأخير يُستخدم إلى اليوم لبعض حالات الاكتئاب المقاوم للعلاج، حيث يكون المريض عرضة لخطر الضرر الوشيك.

حالياً يتخذ العلاج منحىً سلوكياً وعقاقير مضادة

إذا تأملت في هذه العلاجات الجنونية، فقد تشعر بالصدمة. اليوم تبدو الأمور أكثر علمية. توجد علاجات نفسية، مثل العلاج السلوكي المعرفي والعقاقير المضادة للاكتئاب. هذه أفضل بكثير من عمليات فصل فص المخ الجبهي والضرب.

الأدوية النمطية المستخدمة لعلاج الاكتئاب هي مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، مثل بروزاك وزولوفت وسيرترالين. هذه الأدوية فعالة جداً مع الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب الشديد. لكن ليس كل من يحصل على الأدوية يعاني اكتئاباً حاداً.

الفرق بين الأدوية الحقيقية والوهمية بسيط جداً

توصف تلك العقاقير لواحد من كل 10 أشخاص بالغين في معظم الدول المتقدمة، كما أن معدلات وصف مضادات الاكتئاب للشباب المكتئبين تتزايد في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. كثير من الذين يحصلون على الأدوية لا يعانون اكتئاباً حاداً، ومعدل نجاحها في علاج حالة الاكتئاب الخفيف أو المعتدل بالكاد تتجاوز معدلات الأدوية الوهمية (placebo). على مقياس الاكتئاب القياسي، الذي يقيس الاكتئاب من الصفر (غير مكتئب) إلى 52 (الأشد اكتئاباً)، تحسِّن الأدوية الحالة بمتوسط ​​نقطتين تقريباً، مقارنةً بالدواء الوهمي عند البالغين.

لذا، إذا كنت قلقاً بعض الشيء بشأن العمل أو تشعر ببعض الضيق، بعد تناولك الأدوية فستقلق قليلاً وستكون أقل ضيقاً بقليل (بالمقارنة مع من يتعاطى الدواء الوهمي)، وهذه ليست نتيجة جيدة. أما في حالة الأطفال والمراهقين، فالأثر أقل.

وصفها للأطفال لا يتم مع الإشراف اللازم

ومما يثير القلق أن الأدوية لا يتم وصفها  للشباب، في كثير من الأحيان، بطريقة تستند إلى الأدلة. في حين أن المبادئ التوجيهية في المملكة المتحدة تنص على أنه لا ينبغي وصف مضادات الاكتئاب إلا في خدمات الصحة النفسية للأطفال والمراهقين (CAMHS)، فإن العديد من الأطباء يصفونها.

وهذا يعني أنه من غير المرجح أن يحصل الأطفال على الإشراف اللازم لتجنب الضرر غير الضروري. والأضرار يمكن أن تكون خطيرة.

هذه العقاقير تزيد من خطر الانتحار إلى جانب عوارض سلبية أخرى

تظهر التجارب أن العقاقير المضادة للاكتئاب تزيد من خطر الانتحار، مقارنة مع الأدوية الوهمية في الشباب. وتشمل الآثار الجانبية الأخرى الغثيان والضعف الجنسي والنعاس.

بالنظر إلى الفوائد المحدودة والآثار الجانبية الخطيرة، يطرح سؤال نفسه: لماذا ارتفعت وصفات مضادات الاكتئاب عند الشباب؟

لا توجد إجابة جيدة لهذا السؤال. قد يكون الشعور بالوحدة المتزايد، الذي يسببه قضاء الشباب وقتاً طويلاً جداً في التحديق بالشاشات، يتسبب في انتشار الاكتئاب الذي يحتاج إلى علاج.

والاحتمال الآخر هو خفض تمويل خدمات الصحة العقلية، الأمر الذي يترك للممارس العام مهمة صعبة تتمثل في مساعدة الشباب المكتئبين، وعدم وجود خيار إرسالهم إلى خدمات الصحة العقلية.

ولكن الوصفة المثالية هي قليل من الرياضة والأصدقاء

تُظهر التجارب أن التمارين تبدو جيدة أو أفضل من الأدوية لمعظم حالات الاكتئاب. إن الآثار الجانبية للتمارين الرياضية جيدة، مثل انخفاض أمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع الدافع الجنسي لدى الرجال والنساء.

خيار آخر أكثر أماناً هو التواصل الاجتماعي وجهاً لوجه. تُظهر الدراسات التي أُجريت مع مئات الآلاف من الأشخاص أن الاتصال بالأصدقاء والعائلة يرتبط بانخفاض الاكتئاب. (هذا لا يشمل الاتصال عبر شبكات التواصل الاجتماعي، والذي يبدو أنه يزيد من خطر الاكتئاب.) والأثر الجانبي للحفاظ على العلاقات الإنسانية الوثيقة هو أنها تزيد من متوسط العمر بنحو 5 سنوات.

لذلك، فمن المنطقي أن العلاج الصحيح للتحديق في شاشة أكثر من اللازم ليس حبَّة تزيد من خطر الانتحار؛ بل ممارسة بعض التمارين، ويفضل مع الأصدقاء.

بعد مرور 50 سنة من الآن، هل سننظر إلى وصف مضادات الاكتئاب للشباب المصابين بالاكتئاب الخفيف بالطريقة نفسها التي ننظر بها إلى الضرب وعمليات فصل الفص الجبهي  والكوكايين؟ يبدو ذلك مرجَّحاً، ولكن من المؤكد أن يتم  اعتبار ممارسة الرياضة ولقاء الأصدقاء أمراً سلبياً.

لذا في المرة القادمة التي تشعر فيها بالاكتئاب، جرِّب مزيجاً من هذه الوصفة المرحة.


اقرأ أيضاً..

إذا طلب منك أحد أن توقف اكتئابك فأخبره بأن الأمر خارج عن سيطرتك؛ لأن جيناتك هي السبب!

نقص الفيتامينات، الاكتئاب، خطر العقم.. بل أخطر منها قد يحدث لك عند زيادة وزنك!

تحميل المزيد