نتابع في "عربي بوست" السلسلة التي بدأناها منذ أسبوعين، حول أبرز الأفلام السينمائية الواجب مشاهدتها، في حال كنتَ من محبّي الفن السابع وتودّ الاطّلاع على الأفلام التي ترك صنّاعها بصمةً في عالم السينما.
يأتي فيلم The Dark Knight، الذي عُرض في صالات السينما العام 2008، في المركز الرابع على قائمة أفضل 250 فيلم في العالم عبر موقع IMDb؛ لينافس بذلك أفضل الأفلام الكلاسيكية العالمية مثل The Godfather وThe Shawshank Redemption.
الفيلم من بطولة الممثل الأسترالي الراحل هيث ليدجر الذي أدّى دور الجوكر، والبريطاني كريستيان بيل في دور باتمان، والإنجليزي غاري أولدمان في دور جيمس غوردون، وهو من إخراج الأميركي كريستوفر نولان.
ويُعدّ فيلم The Dark Knight الجزء الثاني من ثلاثية أفلام باتمان الشهيرة: الجزء الأول Batman Begins (إنتاج العام 2005) والجزء الثالث هو The Dark Knight Rises (إنتاج العام 2012).
حقق The Dark Knight نجاحاً منقطع النظير. تمّ ترشيحه لـِ 8 جوائز أوسكار، فاز باثنتين منها: أفضل ممثل مساعد (هيث ليدجر) وأفضل تحريرٍ للصوت (Richard king). وبالإضافة إلى نجاحه الجماهيري، فقد نال الفيلم استحسان 94% من النقاد على موقع RottenTomatoes، كما حصل على درجة تقييم 9/10 نتيجة تصويت أكثر من مليون مشاهد على IMDb؛ ووفقاً لتقييم موقع Metacriti، فقد حاز الفيلم على 82/100 بناءً على رأي النقاد، أما المشاهدون فقد منحوه 8.9/10.
لم يكن هذا الفيلم ليحقق كل هذا النجاح، لولا تضافر العديد من العوامل الفنية، التي ساعدت على نجاحه؛ من أبطاله، مروراً بالمخرج والمؤلف وصولاً إلى الموسيقى التصويرية.
تحذير: السطور المقبلة تتضمّن حرقاً للأحداث.
يحمل كل إنسان في داخله نزعتين للخير والشر، تتنافسان بقوة فيما بينهما حتى تنتصر واحدة على أخرى، فينتصر الخير في جولة، وينهزم في أخرى؛ حول تلك الفكرة تحديداً، تدور أحداث فيلم The Dark Knight.
تبدأ القصة من مدينةٍ خيالية (غوثام) استُخدمت كمسرحٍ للأحداث. تقع المدينة تحت عبءٍ ثقيل من الفساد والانحلال وانتشار عصابات تجارة المخدّرات وغسيل الأموال، حيث شخصية باتمان هي المخوّلة لحماية المدينة وحراستها من قوى الشر.
هناك أيضاً مدّعي عام المدينة، هارفي دينت، الذي كرّس حياته من أجل إرساء دولة القانون والقضاء على الفساد وملاحقة عصابات غسيل الأموال في المدينة. وهكذا تسير الأمور وفقاً لخطة مُحكمة تتضمّن وقوف باتمان إلى جانب قوى الخير، المتمثلة في عناصر الشرطة، مقابل قوى الشرّ المتجسّدة في العصابات. لكن، ورغم وجود تلك الخطة المُحكمة، لا تسير الأمور على ما يرام، وتغرق غوثام في الظلام أكثر وأكثر، حتى يتدخّل الجوكر ويقلب الموازين تماماً.
يرتكز الجوكر، في أعمال الشرّ التي يرتكبها، على مبدأ أصيل: وهو عدم امتلاك الخطط ولا القواعد. هو يقوم بالأمور فحسب، على حدِّ تعبيره. وفي مشهدٍ رائع من أحداث الفيلم، يوضّح لهارفي دينت (حارس غوثام) فلسفته قائلاً: " لست مُخططاً.. أنا أحاول فقط أن أثبت للمخطّطين أن محاولتهم للتحكم بالأمور مثيرة للشقفة. فلا أحد يُصاب بالرعب، حينما تسير الأمور طبقاً للخطة. كل ما عليك فعله لقلب الموازين، هو إدخال القليل من الفوضى السياسية وإزعاج النظام المعروف. عندها سيتحوّل كل شيء إلى فوضى.. أنا عميل الفوضى"، ومن وجهة نظر الجوكر، فإن ما يميّز الفوضى أنها عادلة.
ولإثبات أن الشرّ قابع داخل كلّ إنسان مهما كان خيراً، يقوم الجوكر باختطاف خطيبة هارفي دينت وحبيبته ثم يقتلها، بمساعدة رجال الشرطة. فينجح بذلك في تحويل دينت إلى معسكر الشرّ، من خلال الانتقام من كلّ المتسبّبين في مقتل حبيبته.
يفرح الجوكر كثيراً بانتصاره في تحويل أفضل رجال المدينة إلى النسخة الأسوأ من نفسه، لقد اختار رجله بعنايةٍ فائقة؛ ليؤكد على أن الخير يبقى داخل الإنسان حتى ينكسر، حينها فقط يتحوّل إلى شخصية شرسة.
الإجابات النموذجية لا تنجح دائماً
يقرّر الجوكر، بعد إثارة الفوضى في المدينة وتحويل هارفي دينت إلى قاتل شرير، أن يسيطر تماماً على زمام الأمور في غوثام. عندها تقرّر الشرطة إجلاء المواطنين إلى خارج المدينة حتى لا يقتلهم الجوكر. وخلال رحلتهم في عرض البحر، يكون الجوكر قد جهز مفاجأته بإخضاعهم لتجربة اجتماعية من أجل إثبات أن البشر جميعهم في وقت من الأوقات تتملكّهم نزعة الشر، ويلتهمون بعضهم البعض إذا دعت الضرورة.
لذلك يقرّر أن يضع المتفجرات في كلّ قارب مع تبديلٍ في أجهزة التفجير، فيصبح داخل كل قارب جهاز تفجير القارب الآخر، والاختبار يكمن في أن من يفجر الآخر سوف ينجو. ولأن أحد القوارب كان يضمّ المجرمين وسجناء المدينة، الذين قُبض عليهم من جانب دينت، فقد توقع الكثيرون أن يفجّر المجرمون قارب المواطنين الأبرياء في القارب الآخر.
لكن المخرج كان له رأيٌ آخر، فقد اختار كلّ منهم عدم تفجير الآخر. وفي مشهدٍ بديع، ظهر أحد المجرمين – الذي يبدو من هيئته أنه خطير – وهو يرمي بجهاز التفجير في البحر من دون أدنى إحساس بالذنب. فبدا وكأنه على استعداد للموت فعلاً، بدل قتل الأبرياء الموجودين في القارب الآخر.
تحمل هذه التجربة الاجتماعية أكثر من دلالة. فالأبيض والأسود ليسا اللونين الوحيدين في الوجود. ففي الوقت الذي فكّر فيه المواطنون الأبرياء أكثر من مرّة في تفجير القارب الآخر، حتى أنهم قاموا بعملية تصويت – صوّت فيها الأغلبية لصالح تفجير القارب الآخر، لم يفكر السجناء بنفس العدوانية، وإنما قام أخطرهم برمي الجهاز في البحر. أما الدلالة الأخرى التي حملتها التجربة، فهي أن الإنسان كائن معقّد أكثر من اللازم، ومليء بالتناقضات، ولا يمكن التنبؤ بتصرّفاته.
قبل ظهور الجوكر، كانت مدينة غوثام مليئة بالفاسدين؛ ومن وجهة نظره، كانت العدالة انتقائية، والانتقائية في العدالة هي أسوأ من عدم وجود عدالةٍ من الأساس. لهذا كان يريد الجوكر أن يُثبت أن الفوضى عادلة أكثر من العدالة الانتقائية.
فقد كان جهاز الشرطة، المخوّل حماية الأمن، يعقد الكثير من الصفقات مع عصابات غسيل الأموال والمخدرات، حتى أن مساعدة هارفي دينت ساعدت في خطف حبيبته، بسبب تراكم فواتير المستشفى الخاصة بعلاج والدتها. فقرّرت الانصياع للشر، من أجل المال.
ما يعني أن الجوكر لم ينشر الفوضى والخراب في المدينة، كلُّ ذلك كان موجوداً. هو أشار إلى وجودها، هذا كلّ ما فعله.
لماذا نتحدث كثيراً عن شخصية الجوكر في الفيلم؟!
فعلياً، الجوكر هو بطل الفيلم وليس باتمان. هذه الشخصية التي أبدع الممثل هيث ليدجر في أدائها بشكلٍ يفوق الوصف، وتقمّصها في كلّ تفاصيلها. إن لناحية المشاهد وردّات الفعل الكثيرة التي ارتجلها ليدجر في الفيلم، أو لناحية الماكياج، الذي صمّمه ونفّذه ليدجر بنفسه، من خلال استخدام ماكياج مهرّجين أبيض اللون وبعض مساحيق التجميل من إحدى الصيدليات العادية. كان يرى ليدجر أن الجوكر كان ليقوم بتصميم ووضع الماكياج لنفسه، لذا كان يجب أن يكون الماكياج غير محترف. وبعد أن دخل بالماكياج على مخرج الفيلم، انبهر نولان وطلب من فريق الماكياج أن يعتمد هذا التصميم، ويعيد صناعة هذا الشكل في كلّ يوم تصوير.
وبسبب هذه الشخصية، فاز ليدجر بـِ 32 جائزة مختلفة: أوسكار أفضل ممثل مساعد، والغولدن جلوب، وجائزة البافتا؛ ليصبح ليدجر ثاني ممثل في التاريخ يفوز بجائزتَيْ أوسكار في عامين متتاليين، بعد بيتر فينش الذي فاز بالأوسكار للمرة الثانية في العام 1976 عن فيلمه الشهير Network.
يوجد عامل أخرى أثرى شخصية الجوكر وربما جعلها حاضرة بقوة في ذاكرة المشاهدين، وهو امتلاك تلك الشخصية لبعدٍ إنساني ونفسي، مكّنها من التعامل الفلسفي مع مفاهيم الخير والشر.
يُذكر أن ليدجر توفي قبل 5 أشهر من عرض الفيلم في دور السينما، بشكلٍ مفاجئ إثر إساءة استخدامه لجرعة من المهدئات الطبية في 22 يناير/ كانون الثاني 2008. وقد انتشرت الكثير من الشائعات والتكهنات بعد وفاته، حول أن السبب وراء تعاطي الممثل الأسترالي لتلك المهدئات هو الضغط النفسي والعصبي الذي تعرّض له جراء تأثره الشديد بشخصية الجوكر السيكوباتية؛ لكن شقيقته نفت كل تلك الشائعات وأكدت أن ليدجر كان يستمتع بأداء الدور، في الفيلم الوثائقي "أنا هيث ليدجر" من إنتاج شبكة Netflix الأميركية.
كريستيان بيل: باتمان الذي لم يرد ذكر اسمه
جسّد الممثل البريطاني كريستيان بيل شخصية باتمان، ويمكن الاعتبار أنه كان أفضل من قام بتجسيدها على مرّ تاريخ أفلام باتمان. ورغم أن باتمان، في هذا الفيلم، قد يبدو للكثيرين شخصية مساعدة وليست أساسية – في ظلّ الطغيان الشديد لشخصية الجوكر على أحداث الفيلم – إلا أن هذا لا ينفي أهمية دور باتمان في أحداث الفيلم وتفوّق بيل، على الرغم من صغر سنّه.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار، إلى أن The Dark Knight هو الفيلم الأول في تاريخ أفلام باتمان الذي لا يحتوي عنوانه على كلمة باتمان.
من الحقائق المثيرة عن الفيلم، أن مشهد التصفيق الشهير في الفيلم كان من ارتجال هيث ليدجر، وذلك وفقاً لتصريح المخرج كريستوفر نولان في أحد البرامج التلفزيونية، إذ يقول: "في مشهد احتجاز الجوكر، وجدنا هيث يقف فجأة وبكل هدوء، ويقوم بالتصفيق بطريقته المخيفة والمثيرة التي شاهدتموها في الفيلم".
كذلك، هناك مشهد أرعب الممثل مايكل كاين فعلياً خلال تصويره. ففي المشهد الذي قام فيه الجوكر باقتحام حفل باتمان، وعندما يُفتح باب المصعد ويقابل الجوكر مساعد باتمان (الذي قام بدوره مايكل كاين) كان من المفترض أن يقول مايكل عبارةً ما؛ لكنه عندما رأى ليدجر – وكانت أول مرّة يقابله فيها بهيئة الجوكر – لم يستطع أن يقول شيئاً. لاحقًا قال مايكل كاين إن هيأة الجوكر وحضوره كانا مرعبين؛ وعندما رآه نسي تماماً ما كان يجب أن يقوله، فاعتُمد المشهد كما رأيناه في الفيلم على هذا الأساس.
تجدر الإشارة في النهاية إلى أن المخرج كريستوفر نولان تفوّق في تقديم فيلمٍ بروعة The Dark Knight. لقد استطاع أن يُثبت نفسه بقوة، كمؤلفٍ مدهش يجعلك تقف مذهولاً أمام أفكاره التي تمسّ داخل كلّ إنسان؛ كما أثبت نفسه كمخرجٍ مبدع، أجاد سرد الأحداث الشيّقة على طريقته الخاصة. وعلى الهامش، كان نولان صرَّح لصحيفة Los Angeles Times في العام 2008، أن أفضل مشهد للجوكر بالنسبة إليه هو مشهد التحقيق الذي أجراه باتمان معه، وكان شاهداً على أول لقاء بينهما.
هل اطّلعتَ على الفضيحة التي فجّرها المخرج طارق العريان حول عدم مشاركة زوجته أصالة في مهرجان موازين؟
واقرأ أيضاً…
المملكة تنطلق فنياً وبقوة.. 15 فيلماً سعودياً بمهرجان السينما العربية في باريس