وطن..أيّ وطن؟

ما أعلمه يقينا هو أني فلسطيني، لن يتغير هذا بعدم مقدرتي على العودة، ولن يلغيها جواز سفر جديد أو هوية. أحمل وثيقة مصرية للاجئين الفلسطينيين، تنقلت وعشت بها أغلب حياتي بالرغم من أنها نكسة ووصمة لكل من يحملها، ومن يحملها يعرف تماماً ما أقصد، لكنها أيضاً إثباتي القانوني الوحيد على فلسطينيتي.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/15 الساعة 05:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/15 الساعة 05:27 بتوقيت غرينتش

الوطن، سأبدأ في حديثي بجزء من التعريف الذي أعرف به نفسي في بعض اللقاءات.

أنا بلال، فلسطيني من غزة، ولدت في أمريكا، وأتممت سنواتي الخمس الأولى هناك. انتقلت بعدها إلى الأردن لسنة ثم عدت لأمريكا لسنتين. عدت بعدها إلى الأردن لأربع سنوات ومن ثم سوريا لسبع. درست الباكالوريوس في الأردن. أقمت في مصر بعد التخرج لثمانية أشهر من ثم في قطر لسبعة أشهر. انتقلت بعدها لتركيا لسنتين واستقر بي الأمر أخيراً منذ سنة في قطر.

البعض يرى فيما سبق أمراً مبهراً وبه الكثير من التجارب، الخبرة والإثارة. وقد يراه آخرون أمراً متعباً، كئيباً، خالياً من الاستقرار. فلا يمكن للشخص الاستمرار بمدرسة واحدة أو أن يقول مثلا: فلان صديق طفولة عشت معه 10، 15 أو 20 سنة.

الحقيقة أني أقف بين هذا وذاك فهناك من الإيجاب والسلب الكثير.. والحقيقة الأخرى أنها هذه هي تجربتي التي عشتها وسعيد بها عموما.
بهذه التجربة تساءلت عن مفهوم الوطن مراراً وعندما بحثت عن تعريف للوطن،
وجدته هو المكان الذي يرتبط به الشعب ارتباطاً تاريخياً طويلاً.

أيعني هذا أن الوطن هو المكان الذي ولدت فيه؟ أم يكون المكان الذي تربيت فيه؟ أم هو المكان الذي تعطيه من عمرك وجهدك؟ أم هو الذي يمنحك حقوقك؟

أيكون الوطن مكاناً أصلاً؟ قطعة جغرافية؟
أليس الوطن هو الانتماء؟ هو الحب والرغبة بالعطاء؟ الطمأنينة والأمان؟ الإنسانية والاحترام؟ الحرية بكل أنواعها؟
يأتي الشق الثاني من التعريف السابق بأن الوطن هو المنطقة التي تولدت فيها الهوية الوطنية للشعب.
نعم! هو متعلق بالهوية إذن؟
هوية جامعة تكوّن وطناً.

لكن كيف تتكون الهوية؟ أليس أهم جزء مكوّن للهوية هو الوطن؟
فالهوية جزء من الوطن، والوطن جزء من الهوية.
الهوية تتشكل من مؤثرات ومدخلات هائلة، تاريخية واقتصادية واجتماعية ودينية وغيرها..
الهوية اليوم على وسع نطاقها إلا أنها أيضا متعددة المداخل، فليس لها شكل أو إطار موحد يمكن تعميمه على شعب بأكمله.
فهل للوطن أن يحدد هوية؟ أم على الوطن استيعاب تعدد الهويات..؟
لنعد إلى البلدان التي عشت فيها، هل وجدت فيها وطناً؟

سأكذب إن قلت إني لم أحبها، إن قلت إني لم أكن مهتما بتقدمها، بل وأعمل على ذلك.
سأكذب إن قلت إني لم أعتبرها وطناً إلى حد ما، لكن على النقيض كنت دوما أُعدّ غريبا.

في الأردن حسبوني مصرياً، وفي سوريا ظنوني أردنياً وأما في مصر فأحيانا أردنياً وأحيانا سورياً بل وحتى لبنانياً، فأهل مصر عامة لا يستطيعون التفريق بين أي أحد من بلاد الشام.

أما الحكومات.. فأنا بكل تأكيد غريباً.

إذا عدت إلى فلسطين يوما، والتي لا أستطيع دخولها، فإني شبه متأكد أني سأجد ثقافة مختلفة إلى حد ما ولهجة مختلفة، وسأحمل وصمة ذلك الذي عاد من الخارج. فماذا يكون وطني إذاً؟
أيكون اختيار الوطن أمراً جبريًّا ليس للإنسان رأي فيه؟ أم طوعيًّا؟
أهو قطعة جغرافية أم هوية جامعة؟
أيكون الوطن ذلك المكان الذي لا أحتاج فيه لأضيع ساعات طويلة من حياتي ملاحقًا الإقامة أو تصريحاً ما؟
أم يكون ذلك المكان الذي فيه أهلي وأحبتي؟
بماذا يحدد الوطن؟ وعلى ماذا يرتكز مفهومه؟
أعود إلى تلك الدائرة اللامتناهية من الأسئلة والتي لا تحمل أي أجوبة.

ما أعلمه يقينا هو أني فلسطيني، لن يتغير هذا بعدم مقدرتي على العودة، ولن يلغيها جواز سفر جديد أو هوية.
أحمل وثيقة مصرية للاجئين الفلسطينيين، تنقلت وعشت بها أغلب حياتي بالرغم من أنها نكسة ووصمة لكل من يحملها، ومن يحملها يعرف تماماً ما أقصد، لكنها أيضاً إثباتي القانوني الوحيد على فلسطينيتي.

لكنني أيضا أمريكي أحمل جوازاً لدولة لي فيها ما له الأمريكي بلا نقصان، قد أعاني العنصرية بحكم ديني وهويتي اليوم لكن احترامي فيها واضح إلى أن يضعوني لسبب لا أعلمه بدائرة الإرهاب لأني مسلم فلسطيني، وحينها تضيع كل الحقوق في مهزلة محاربة الإرهاب والإسلاموفوبيا.

أعلم أيضا أن بلاد العرب التي عشت فيها لها في تكويني الوطني مكان أصيل، لكن حقوقي فيها مهدورة ضائعة، أنا وكل عربي آخر، أعاني فيها العنصرية أيضا، وقبل ذلك من الفساد والنهب والبيروقراطية وغيرها الكثير.

الوطن ليس بقطعة أرض ولا بشعب. ليس جوازاً ولا هوية، ليس حقوقاً محفوظة ولا أمن وأمان، لا هو بالطوعي ولا بالإجباري، الوطن ليس ديناً ولا ثقافة.

فماذا يكون وطني؟
وطن..؟
أي وطن؟
وطني الآن هو حيث تأخذني أحلامي وطموحاتي
أنّى أحققها، فذاك وطني.

ٍ

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد