يعتبر الناس عموماً الخوف شعوراً مزعجاً، هو جانب لا مفر منه من التجربة الإنسانية، لكن البعض يبذلون قصارى جهدهم لإثارة هذا الشعور، سواء من خلال ممارسة رياضة القفز المظلي أو مشاهدة الأفلام المخيفة، ولكن هل سألتم أنفسكم يوماً عن ما الذي يحدث في الجسم عند التعرض للخوف؟.
ما الذي يحدث في الجسم عند التعرض للخوف؟
بقدر ما يتعلق الأمر بالتطور، فإن الخوف قديم قدم التاريخ، وعلينا أن نشكره فعلاً؛ لأنه السبب في بقائنا كجنس بشري على قيد الحياة حتى الآن.
أما إذا كنت تسأل نفسك عن السبب؛ فذلك لأن الخوف قد حمى أسلافنا من الحيوانات الأكبر حجماً، وأنقذهم من المواقف الخطرة التي تعرضوا لها.
بمعنى آخر، من المنطقي أن تكون خائفاً إذا رأيت خيالاً كبيراً خلفك، وبالتالي فإنه من الأفضل أن تجري وتختبئ بدلاً من افتراض أن الظل آمن في حالة عدم الخوف، ليأكلك الدب بعد 5 ثوانٍ.
وهذا هو السبب الذي جعل الخوف عاملاً أساسياً للبقاء على قيد الحياة.
أما عندما يتعرض الإنسان لموقف يدرك خلاله أنه بخطر، يشعر بأشياء غريبة تحدث لجسمه وهو بسبب عمل عدة مسارات على إعداد أجهزة الجسم المختلفة للقيام بعمل بدني مكثف عند الشعور بالخطر.
غالباً ما يشير الناس إلى التغيرات الفسيولوجية التي تحدث عندما يعاني الشخص من الخوف على أنها استجابة القتال أو الهروب، بشكل عام، كما يوحي الاسم، فإن التغييرات تخبرنا بأنه إما علينا القتال أو الهرب.
ووفقاً لما ذكرته مجلة Medical News Today الطبية الأمريكية، فإنّ معدل التنفس يزداد، ويتبعه ارتفاع معدل ضربات القلب، فتنقبض الأوعية الدموية الطرفية في الجلد، بينما تتوسع الأوعية الدموية المركزية حول الأعضاء الحيوية لتغمرها بالأوكسجين والمواد المغذية، ويتم ضخ العضلات بالدم، وتكون جاهزة للتفاعل.
كما تصبح العضلات، بما في ذلك تلك الموجودة في قاعدة كل شعرة، مشدودة أيضاً، مما يتسبب في انتصاب الشعر، وهو ما يسمى بالعامية بالقشعريرة.
عندما يقف شعر الإنسان على نهايته، لا يحدث فرق كبير في مظهره، ولكن بالنسبة للحيوانات الأكثر كثافة، فإنه يجعلها تبدو أكبر حجماً وأكثر تخويفاً.
ومن الناحية الأيضية، ترتفع مستويات الجلوكوز في الدم، مما يوفر مخزناً جاهزًا للطاقة إذا دعت الحاجة إلى اتخاذ إجراء.
وبالمثل، فإن مستويات الكالسيوم وخلايا الدم البيضاء في مجرى الدم تشهد زيادة.
تبدأ استجابة القتال أو الهروب في اللوزة الدماغية، وهي عبارة عن حزمة من الخلايا العصبية على شكل لوز تشكل جزءاً من الجهاز الحوفي، فهو يلعب دوراً مهماً في معالجة المشاعر، بما في ذلك الخوف.
ترسل اللوزة إشارات إلى منطقة ما تحت المهاد، والتي تقوم بعد ذلك بتنشيط الغدة النخامية، وهي المكان الذي يلتقي فيه الجهاز العصبي بجهاز الغدد الصماء أو الهرمون،ثم تفرز الغدة النخامية هرمون قشر الكظر (ACTH) في الدم.
في هذا الوقت، يعطي الجهاز العصبي الودي -وهو قسم من الجهاز العصبي المسؤول عن استجابة القتال أو الهروب- دفعة للغدة الكظرية، ويشجعها على ضخ جرعة من الإبينفرين، المعروف أيضاً باسم الأدرينالين، والكاتيكولامينات الأخرى في مجرى الدم.
يقوم الجسم أيضاً بإطلاق الكورتيزول استجابةً لهرمون قشر الكظر، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم والسكر في الدم وخلايا الدم البيضاء.
يحول الكورتيزول المنتشر الأحماض الدهنية إلى طاقة، وتكون جاهزة لاستخدامها من قبل العضلات، إذا دعت الحاجة.
تقوم هرمونات الكاتيكولامين، بما في ذلك الإبينفرين والنورإبينفرين، بإعداد العضلات للعمل العنيف.
يمكن لهذه الهرمونات أيضاً:
- تعزيز نشاط القلب والرئتين.
- تقليل نشاط المعدة والأمعاء، وهو ما يفسر الشعور بـ"الفراشات" في المعدة.
- تمنع إنتاج الدموع واللعاب، وهو ما يفسر جفاف الفم الذي يأتي مع الخوف.
- قلة السمع.
يساعد كل من الحُصين -وهي منطقة في الدماغ تشارك بشكل كبير في الذاكرة- وقشرة الفص الجبهي، التي تساعد في اتخاذ القرارات عالية المستوى، في التحكم في استجابة الخوف.
إنها تساعدنا على فهم ما إذا كانت استجابتنا للخوف حقيقية ومبررة أو ما إذا كنا قد بالغنا في رد فعلنا إلى حد ما.
إذا قرر الحُصين وقشرة الفص الجبهي أن استجابة الخوف مبالغ فيها، فيمكنهما إيقافها وتثبيط نشاط اللوزة الدماغية، وهذا ما يفسر جزئياً سبب استمتاع الناس بمشاهدة الأفلام المخيفة؛ يمكن لـ"عقلهم المفكر" المعقول أن يتغلب على الأجزاء الأولية من استجابة الخوف الآلية في الدماغ.
لذلك، علينا أن نختبر اندفاع الخوف قبل أن تقوم مراكز المخ الأكثر عقلانية بإخماده.
لماذا نتجمد عندما نشعر بالخوف؟
إن فكرة استعداد أجسادنا للقتال أو الهرب هو أمر منطقي من وجهة نظر البقاء على قيد الحياة- ولكن كيف يمكن أن يكون للتجميد الفجائي أي فائدة؟
قد تعتقد أن الحيوان الذي يقف ببساطة متجمداً في مكانه من شأنه أن يقدم وجبة خفيفة سهلة للحيوانات المفترسة، لكن عندما تشعر بالخوف، تتجمد معظم الحيوانات لبضع لحظات قبل أن تقرر ما يجب فعله بعد ذلك.
في بعض الأحيان، يكون البقاء بلا حراك هو أفضل خطة؛ على سبيل المثال، إذا كنت من الثدييات الصغيرة أو إذا كنت مموهاً جيداً، فإن البقاء ساكناً يمكن أن ينقذ حياتك.
حددت دراسة أجريت عام 2014 ونشرت في مجلة National Center for Biotechnology Information أن الجذر العصبي لاستجابة التجميد يتم إنشاؤه عن طريق الحديث المتبادل بين المنطقة السنجابية المحيطة بالمسال (PAG) والمخيخ.
تتلقى المنطقة السنجابية المحيطة بالمسال أنواعاً مختلفة من المعلومات الحسية حول التهديدات، بما في ذلك ألياف الألم، يتم أيضاً إرسال معلومات حسية إلى المخيخ، والتي يستخدمها للمساعدة في تنسيق الحركة.
ووجد الباحثون حزمة من الألياف التي تربط منطقة واحدة من المخيخ، تسمى الهرمات، مباشرة بالمنطقة السنجابية المحيطة بالمسال.
تتسبب الرسائل التي يتم تشغيلها على طول هذه المسارات في تجميد الحيوان من الخوف.
فيما يأمل مؤلفو الدراسة أن تساعد النتائج التي توصلوا إليها يوماً ما في تصميم طرق لعلاج الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق والرهاب والذين يمكن أن يصابوا بالشلل بسبب الخوف.
في حين يرى موقع Modern Therapy الطبي أنّ الخوف يؤدي إلى إطلاق مادة الإندورفين التي تعمل على تهدئة الجسم وتجميده وهي أيضاً مسكنة للألم، وبالتالي يمكن للمرء التعامل بسهولة مع الحدث الصعب.
وينصح الموقع الطبي الشخص الذي تعرض للتجميد بسبب الخوف أن يقوم بالخطوات التالية.
- رش الماء البارد على وجهه
- استنشاق رائحة قوية (مثل اللافندر والنعناع).
- قم بتثبيت شريط مطاطي على معصمك.
- انظر إلى صور الأشخاص المهمين في حياتك.
- افرك يديك معاً.
- الحياكة والرسم والطلاء – استخدم يديك!
- استمع إلى الموسيقى
- قم بنزهة وامشي ببطء.
هذه التقنيات كفيلة بأن تشعرك بالارتياح، وتصرف انتباهك عن أي قلق أو توتر قد تشعر به لاحقاً.