الرفاهية والشعور بالسلام النفسي والسعادة من أكبر التحديات بالنسبة للإنسان في العصر الحديث، حيث يعاني الناس من التوتر والقلق المزمن والتعاسة ويتمنون صحة أفضل.
لكن دراسة جديدة أوضحت طريقة بسيطة ومؤثرة بشكل مثير للدهشة لتعزيز الصحة والسلام النفسي، وهي من خلال إجراء محادثة وجهاً لوجه مع صديق أو زميل لمرة واحدة على الأقل يومياً.
أهمية العلاقات لتحقيق الرفاهية
في الوقت الذي يعاني فيه الكثير الناس أنه ليس لديهم أصدقاء ويفتقرون إلى العلاقات الجيدة، يبلغ الكثيرون عن شعورهم بالوحدة ويعانون من مشاكل الصحة العقلية.
في المقابل، يُعد تكوين صداقات والحفاظ على العلاقات أمراً يتطلب بالتأكيد الاستثمار وبذل الوقت والجهد. ووجدت دراسات متخصصة أن الأمر يستغرق ما بين 40 إلى 60 ساعة من الوقت المشترك لبناء صداقة غير رسمية، وحوالي 200 ساعة من التواصل والوقت المشترك لبناء صداقة حميمة.
ويتضح أنه من الممكن المساهمة في الإحساس بالتواصل والانتماء والسعادة من خلال محادثة واحدة فقط يومياً مع صديق أو زميل، وفقاً لدراسة جديدة أجرتها جامعة كانساس الأمريكية.
اللقاءات الخفيفة لتعزيز الصحة النفسية
غالباً ما يعتقد الناس أن العلاقات العظيمة مبنية على ثقة عميقة وتفاعلات هادفة ومناقشات تبحث عن الذات وتتعمق في كل معاني الحياة.
صحيح أن هذا حقيقي، لكن المثير للاهتمام أن الدراسات العلمية وجدت أيضاً أن الاتصال السريع والنقاشات السطحية كانت إيجابية وتعزز الصحة النفسية والعقلية.
إذ عند إجراء لقاء خفيف مع شخص ما، يتمكن الإنسان من التواصل وفي نفس الوقت يظل يحظى بمجال واسع للتعارف على الطرف الآخر يمكن ادخاره للقاءات المقبلة.
فالعلاقات مبنية على الاستمرارية والألفة، لذلك كلما عرفت المزيد، يمكن بناء المزيد. وكل خبر أو معلومة تعرفها عنهم أو يعرفونها عنك هو وديعة في بنك بناء العلاقات والأواصر العميقة مع الآخرين.
العوامل المعززة لإحساس الرفاهية بعد التواصل مع الآخرين
1- التركيز على الآخرين: ترتبط السعادة التي نستمدها عند التواصل مع الآخرين بالتركيز على الآخر أكثر من التركيز على الذات.
ووجدت الدراسة أن الاستماع وإظهار الرعاية والتقدير للآخرين يعزز الرفاهية ويجعل الشخص حاضراً ومركّزاً وقادراً على التعبير عن الاحترام والدعم والتشجيع للطرف الآخر.
2- تبادل المزاح: تُظهر أبحاث العلوم الاجتماعية المنشورة في مجلة "أبحاث علوم الشخصيات" (Journal of Research In Personality) أيضاً أن الإثارة التي تحدث في سياق العلاقات الإيجابية يمكنها أيضاً أن تسهم في بناء الصداقات المعززة لرفاهية الشخص. وقد ساهم المزاح في الشعور بالارتباط والصحة النفسية.
فعندما نمزح مع شخص ما بشأن موقف ما، فإننا بذلك نعزز الأرضية المشتركة، ما يثبت أنك تعرف الشخص وتفهمه، الأمر الذي يساعدكما على الترابط والمساهمة في رفاهية كليكما.
3- الإحساس بالخفة: في بعض الأحيان، قد تبدو مهام تعزيز الصحة النفسية والتخفيف من القلق اليومي مهام شاقة وأحياناً مستحيلة.
لكن في الحقيقة، ومن خلال الاتصال السريع والمحادثات المنتظمة والتواصل اليومي مع صديق واحد مقرب كل يوم، من الممكن قلب الموازين بالكامل. إذ يُعد الشعور بالتواصل والانتماء من المحددات المهمة للسلامة النفسية والصحة العقلية والرفاهية العامة.
4- الحديث عن الهموم الشخصية: كذلك أظهرت أبحاث سابقة أن الحديث عن مشاكل المرء يمكن أن يقلل من التوتر، ويقوي جهاز المناعة لدينا، ويقلل من الضيق البدني والعاطفي، لكن الدراسة الأخيرة تشير إلى أن الناس لا يحتاجون بالضرورة إلى التواصل للحديث في مشاكلهم فقط للشعور بالتحسن.
أهمية النقاش وجهاً لوجه مع الأصدقاء
وعلى الرغم من أن محادثة واحدة كانت جيدة بما يكفي لزيادة الرفاهية، إلا أن هناك طرقاً أخرى لجعل الناس يشعرون بالتحسن، حيث أفاد المشاركون الذين أجروا أكثر من محادثة جيدة مع الأصدقاء بمشاعر أفضل.
وبحسب مجلة "فايس" (Vice)، كانت المحادثات الشخصية وجهاً لوجه مرتبطة بشكل وثيق بتحقيق المزيد من الرفاهية أكثر من الاتصال الرقمي أو الهاتفي، بالرغم من أن الخيارات الأخيرة حققت بعض التحسُّن لكنها لم تكن بذات القدر.
لذلك فإن الاتصال الجيد يعزز رفاهية الشخص، حيث يستخدم الأشخاص المحادثات المباشرة وجهاً لوجه مع الأصدقاء للمساعدة في تلبية احتياجاتهم الجوهرية للانتماء. وهذا يدعم فكرة أننا نستخدم التواصل لتلبية حاجتنا الاجتماعية والنفسية، ما يساعدنا في إدارة ضغوط الحياة.