إذا كان الإطراء وتلقي المديح يجعلك تشعر بالقشعريرة والانزعاج والإحراج، فاعلم أنك لست وحدك، هناك الكثير من الناس يشعرون مثلك تماماً، وقد يكون المديح هو أكثر شيء مزعج قد يتعرضون له في يومهم.
إذ بدلاً من الاستمتاع بالثناء، فإن الكثيرين يرتبكون من المجاملة، بل قد ينكرون استحقاقهم لذلك، ويبدأون في التهرُّب. إذاً، لماذا يصعب قبول المديح؟
لماذا تجعل المجاملات بعض الناس غير مرتاحين؟
يواجه الناس صعوبة في قبول الإطراءات لعدد من الأسباب. وبحسب السبب الرئيسي تختلف الأعراض والتداعيات التي تفكر فيها عندما تشعر بالضيق والغضب عندما يطري أحدهم على ملابسك مثلاً.
القلق الاجتماعي وتدني احترام الذات
في بعض الأحيان، يكون الأمر مرتبطاً بالقلق الاجتماعي أو ما يُعرف بـ(Social Anxiety). كما يمكن أن يكون سببه الشعور بتدني احترام الذات، أو بسبب خوض الحياة دون التعرض لمشاعر إيجابية من الامتنان والتقدير ممن حول الشخص.
وتوضح ليزا شومان، الأخصائية الاجتماعية الأمريكية أنه "إذا كنت تشعر بالغضب أو الاستياء تجاه شخص ما أثنى عليك، فقد تجد صعوبة في تصديق استحقاقك للإطراء الذي تلقيته من الآخرين".
أما بالنسبة للشخص الذي لا يستطيع التعامل مع الطريقة التي يستجيب بها لكلمات الثناء، فإن اضطراب القلق الاجتماعي ليس مجرد عبارة عابرة؛ إذ يمكن للأشخاص الذين يعانون منه أن يكافحوا في استقبال ومنح الشكر والتقدير، لأنهم لا يشعرون بأنهم يستحقون الحصول عليه.
يؤدي هذا إلى حلقة مفرغة من الانحطاط الذاتي المتصاعد والمزيد من القلق الاجتماعي والتوتر عند تلقي الشكر والتقدير من أي شخص.
عدم الثقة في النفس
حتى بالنسبة للأشخاص الذين لا يعانون من هذا الاضطراب بشكل حقيقي، يمكن أن تؤدي الإطراءات أحياناً إلى الإحراج، خاصة إذا كنت تشعر بعدم الثقة في نفسك، بحسب موقع Medium للمعرفة.
فمن منا لا يشعر بعدم الارتياح والثقة في النفس لبعض الوقت، سواء في المناسبات الاجتماعية أو أثناء المحادثات الحميمة مع الزوج/الزوجة وأفراد العائلة والأصدقاء المقربين.
إلا أن تعلُّم كيفية قبول المديح هو مهارة اجتماعية مهمة يمكن للجميع الاستفادة منها، سواء ممن كانوا يعانون من القلق الاجتماعي من حين لآخر أو الذين يعانون غالبية الوقت.
ردة فعل التشتيت عند تلقي المديح
عند تلقي المجاملات، يميل الكثير منا إلى تشتيت الانتباه عن أنفسهم من الحرج. إذ يبدو أن الضعف يلعب دوراً كبيراً عندما يتعلق الأمر بالتحدي المتمثل في تلقي المجاملات بشكل جيد.
فبحسب موقع Psychology Today لعلم النفس، غالباً ما نخشى إظهار وجوهنا الحقيقية، وكل ما يجعلنا بشراً ضعفاء، سواء محاسننا أو عيوبنا على حدٍّ سواء.
كما يخشى الكثير منا تسلُّط الأضواء علينا وترك أنفسنا عرضة لمحبة وامتنان الآخرين بصدر رحب، قد نخاطر أيضاً بتعريض أنفسنا للألم والخسارة والصدمات العاطفية.
رد المجاملة بالمجاملة
طريقة أخرى شائعة للرد على الامتنان هي المعاملة بالمثل، ورد الصاع صاعين مباشرة. وقبل أن يتاح للمجاملة وقت لكي تتلقاها بامتنان، تبدأ على الفور في توجيه المديح والإطراء للآخرين لكي تتخفَّى وتختبئ.
ويشير موقع علم النفس إلى هذا على أنه استجابة مادية للغاية. فنحن حينها نشعر أنه إذا "قدم" شخص ما مجاملة، فعلينا أن "ندفعها" له على الفور. مرة أخرى، يلعب الضعف دوراً في تشكيل رد فعلنا.
إذ من الطبيعي أن نشعر بالضعف إذا وجدنا أنفسنا "مدينين" لأحدهم، ولو كان الأمر مجرد كلمات لطيفة. وإذا لم نشعر بالارتياح تجاه الأمر، نحاول "سداد الدين" في أسرع وقت ممكن.
احترام الذات وتضرر الصورة الذاتية
أظهرت الدراسات أن معرفة الذات واحترام الذات هما المكونان الرئيسيان اللذان يشكلان تفاعلاتنا الاجتماعية بالكامل. فنحن نتحدث وفقاً لمشاعرنا الخاصة في كل محادثة عن أنفسنا.
وبالتالي إذا كان تقديرنا لذاتنا منخفضاً، وفقاً للبيانات التي نشرها موقع Readers Digest للمعرفة، فنحن أقل قدرة على قبول التعليقات الإيجابية أو تغيير تصورنا لأنفسنا بناءً على ذلك.
فنعتقد أننا لسنا مستحقين، وكل الثناء في العالم ببساطة لا يمكن أن يغير تلك الرؤية. لذلك يكون المديح والإطراء أمراً متناقضاً للغاية مع نظام معتقداتنا حول رؤيتنا لقيمتنا الذاتية.
إذا تلقينا مجاملة في يوم نشعر فيه بأننا لسنا في أفضل حال، فمن الصعب تصديقها- ومن المستحيل تقريباً قبولها، بل وقد نبدأ في الشعور بالحنق والضيق من الشخص الآخر. لذلك حتى المجاملة الصادقة، حسنة النية، سنقوم تفسيرها على أنها كذبة.
تريد طريقة مختصرة لتعزيز احترامك لذاتك وصورتك الذاتية؟ من خلال تعلُّم كيفية التوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين، وطلب الكمالية والمثالية التي لا سبيل لها أبداً.
قد يكون لحمضنا النووي يد في المعادلة!
يعتقد خبراء علم النفس والسلوكيات أن هذه الظاهرة قد تكون لها جذورها في حمضنا النووي المتوارثة فينا من الأجيال السالفة.
إذ تبحث أجسامنا وأدمغتنا عما هو سلبي في بيئتنا، من أجل حماية أنفسنا، مثلما كان أسلافنا القدماء يراقبون كل ما حولهم بحذر لتوخي مخاطر الحيوانات المفترسة التي تلتهمهم في أي لحظة.
وبالتالي فنحن على استعداد لتحديد السلبيات حولنا، حتى نتمكن من البقاء على قيد الحياة. وفي الحياة العصرية، قد تظهر هذه الظاهرة في التفاعلات الاجتماعية، والتي يمكن أن تكون في بعض الأحيان مخيفة مثل محاربة نمر ذي أنياب حادة.
بداية العلاج.. الشعور بالامتنان
ممارسة الامتنان للأشياء الجيدة عن نفسك وحياتك هي الخطوة الأولى نحو القدرة على قبول المديح والإطراء من الآخرين.
سيساعدك هذا على استيعاب الأشياء الجيدة التي تُقال لك بدلاً من إنكارها. وتدعم الأبحاث العلاقة بين الامتنان في الحياة اليومية ومشاعر تقدير الذات.
التغلب على الغضب القديم
يمكن أن يؤدي الاستياء إلى توقف حياتك، مما يجعل من الصعب عليك الشعور بالرضا عن نفسك أو الآخرين، حتى وإن كان كل ما بدر منهم هو شكرك على شيء فعلته.
لذلك من الضروري تجاوز المشاعر السلبية تجاه نفسك، والاستعانة بخبراء الصحة النفسية والعلاج السلوكي لتغيير مفاهيمك الخاطئة.
كيف ترد على المجاملات
ليس من السهل دائماً تعديل وجهة نظرك تجاه نفسك والآخرين، ولكن يمكنك تحقيق ذلك بالتدريج، وكما يقولون يمكنك الادعاء بالصفات الجيدة التي ترغب في اكتسابها حتى تتحول مع الوقت إلى سمات شخصية.
وبحسب موقع Medium للمعرفة، فإن هذا لن يؤدي إلى تقليل الإحراج فحسب، بل يمكن أن يساعد أيضاً في وضعك على الطريق الصحيح للتمتُّع بصحة نفسية.
لذلك، اقبل المجاملة بكلمة شكر بسيطة، حتى لو شعرت بالحنق في داخلك.
وإذا شعرت بعدم الارتياح أو الإحراج عند تلقي المديح، خذ نفساً سريعاً وعميقاً، وتوقف لثوانٍ لتأكيد أنك تستحق.