وأنت تجلس إلى مائدتك العامرة بأصنافٍ من الطعام الشهي، هل جال بخاطرك سؤالٌ عن معنى أسماء هذه الأطعمة، وتاريخها ونشأتها؟
طعام الشعوب مثل أمثلتها الشعبية وموروثاتها الفنية، نتاج مناسباتٍ وأحداثٍ مروا بها، أو أثر اختلاطهم مع شعوب وثقافاتٍ أخرى، نقلوا عنها ونقلت عنهم، ليحظى العالم في النهاية بكل هذا الثراء والتنوع في تفاصيل الطعام والشراب.
الملوخية.. تاريخٌ من القهر
الملوخية من أشهى الأطباق وأحبها إلى قلوب المصريين، وهي ساحة نزالٍ بين سيداتهم، فلا تتقن سُمكها و"طشتها" إلا الماهرة الأريبة.
وتَعرف بلاد الشام أيضاً طبق الملوخية، لكن بطريقة مختلفة في التحضير، لتظلَّ الملوخية المصرية هي الأشهر. أما عن تسميتها بهذا الاسم، فتذكر بعض الروايات أن الملوخية كانت نباتاً قديماً في مصر الفرعونية، وكان يسمى "خية"، وقد كان المصريون يعتقدون أنه سام، ولا يقتربون منه، وحين احتل الهكسوس مصر، ومارسوا القهر ضد المصريين، كان من مظاهر هذا القهر إجبارهم على تناول هذه النبتة، وكانوا يقولون لهم "ملو-خية" أي "كلوا-خية" ومن هنا جاءت التسمية.
وتذكر روايات أخرى أن اسمها كان "ملوكية"، لأنها كانت طعاماً للملوك دون العامة، ثم جرى تحريف الاسم، ولعل تلك الرواية مرتبطة بقصة تحريم أكلها على المصريين بأمرٍ من الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي، الذي يذكر التاريخ كثيراً من غرائب حكمه.
الكشري ليس مصرياً!
هل يبدو الأمر صعبَ التصديق! الكشري المصري، أحد أشهر الأطباق وأحبها إلى الجميع، الذي تنتشر محالّه في كل شارعٍ ومدينة في مصر، ليس مصرياً!
هذه حقيقة، الكشري طبقٌ هندي بالأساس، مكون من الأرز والعدس الأسود، جاء إلى مصر وقت الحرب العالمية الأولى، مع قدوم الجنود الهنود المجندين في الجيش الإنكليزي، الذي كان موجوداً في البلاد وقتها.
أحبَّ المصريون هذا الطبق، ووضعوا بصمتهم عليه، فأضافوا "الدَّقة" الحارة، المكونة من الثوم والخل، و"تقلية البصل"، وهي شرائح من البصل المحمر في الزيت، ليصبح الكشري طبقاً مصرياً بامتياز.
البقلاوة
الشائع أن أصلها تركي، وإن كان اليونانيون يدعون أنها ملكٌ للعصر البيزنطي، واستعارها الأتراك منهم.
ويروى أنها سُميت باسم زوجة أحد السلاطين الأتراك، وكانت تدعى "بقلاوة"، ويقال إنها كانت ماهرة وتجيدُ فنون الطهي، وحين طلب منها زوجها السلطان إعداد حلوى جديدة لم يسبق لأحد أن تناولها، أعدتها من رقائق العجين والسمن، وحشتها بالمكسرات، ووضعت فوقها السكر، وحين تناولها السلطان أُعجب بها بشدة، وإكراماً لزوجته أطلق عليها هذا الاسم.
وهناك رواية أخرى طريفة، تذكر أن مَن أعدتها كانت جارية تدعى "لاوة"، عملت طباخة لدى أحد السلاطين العثمانيين، وهي من ابتكرت هذا النوع من الحلوى، وكلما سُئل السلطان عن هذا الصنف الجديد من الحلوى، كان يجيب "باق لاوة نه بايدي" أي انظر ماذا صنعت لاوة.
ويُرجع البعض سبب التسمية إلى "البقوليات"، لأنها عادة ما تُحشى بالفول السوداني.
أم علي.. جريمة سياسية
رقائق من العجين المغموس في الحليب، والمغطى بالقشدة الطازجة والمكسرات والزبيب وجوز الهند، هل يمكن أن يكمن خلف هذا الجمال قتلٌ وجرائم!
هذا ما يقوله التاريخ عن حلوى "أم علي"، زوجة السلطان المملوكي عز الدين أيبك، التي صنعتها احتفالاً بقتلها لضرتها شجر الدر، وتنصيب ولدها حاكماً لمصر إثر ذلك.
صلصة البشاميل الفرنسية "Béchamel sauce"
أصلها فرنسي، إلا أن الإيطاليين يدعون أنها تعود إليهم منذ القرن الرابع عشر. وشهرتها كبيرة في بلداننا العربية، وتضاف إلى كثير من الأطباق، فتضفي عليها ثراءً وطعماً محبباً للجميع. تصنع من الحليب والدقيق وبعض الأعشاب المنكهة، وتُطهى حتى تعطي قواماً ناعماً ومتجانساً.
تقول أشهر الروايات حول تسميتها إنها تُنسب للماركيز "لويس دي بشاميل"، الخبير المالي في عهد لويس الرابع عشر، وأعدها رئيس الطباخين وقتها، "فرانسوا لاڤارين"، وأطلق عليها اسم بشاميل؛ مجاملة للماركيز، الذي كان يتناولها مع السمك المجفف.
بيتزا مارجريتا بألوان العلم الإيطالي
بيتزا بالطماطم والجبن والريحان، وهي ألوان العلم الإيطالي نفسه، أُعدت للمرة الأولى عام 1899، عندما زارت ملكة إيطاليا "مارجريتا"، مدينة نابولي هرباً من وباء الكوليرا، الذي كان متفشياً في شمالي البلاد وقتها.
أعدها الطاهي الإيطالي رافائيل إسبوزيتو وزوجته للملكة، التي أبدت إعجابها عبر خطابٍ شكرت فيه إسبوزيتو، الذي أطلق بدوره اسم مارجريتا على هذه البيتزا تكريماً للملكة، لتصبح من بعدها الطبق الأكثر شهرة في إيطاليا، والأكثر تعبيراً عنها.
الكريم شانتيه "Chantilly Cream"
يُنسب ابتكار الكريم شانتيه إلى الطباخ الفرنسي المشهور "ڤاتيل"، الذي كان يعمل في مطبخ قلعة "شانتيللي" عام 1671. قدم ڤاتيل هذا النوع من الكريمة لأول مرة في الحفل الكبير، الذي كُلف بإقامته للدوق كوندي مالك القلعة، وابن عمه لويس الرابع عشر، واستمر من يوم 23 إلى 25 أبريل/نيسان من العام نفسه، في قلعة شانتيللي، التي أعطت اسمها لهذه الكريمة.
إمام بايلدي (Imam Bayıldı)
للمطبخ التركي نصيبه من الحكايات كذلك، تقول الأسطورة أن وراء طبق المقبلات التركية المعروف باسم الإمام بايلدي حكاية أخرى عن الولع بالطعام.
تُعد هذه الوصفة واحدة من الوصفات التركية المتعددة التي تستخدم زيت الزيتون، وتتكون من الباذنجان.
تعني إمام بايلدي: ( الإمام فقد وعيه)، وبحسب الحكاية المتوارثة فقد تزوج أحد الأئمة الأتراك بابنة تاجر كبير لزيت الزيتون، فضم بيتها قدوراً ضخمة من الزيت، ومع مهارتها في الطبخ وولع زوجها به، أبهرته بأحد الأطباق التي صنعتها حتى أنه سألها تحضير هذا الطبق الخاص له كل يوم على العشاء، وهو ما استمر اثني عشر يوماً، وفي اليوم الثالث عشر من الزواج، غاب الطبق عن المائدة، ما دفعه للتساؤل عن السبب وراء ذلك، فأخبرته زوجته أن السبب هو انتهاء زيت الزيتون لديهم، ليفقد الإمام وعيه من المفاجأة، أو من صدمة الثمن الذي سيكون عليه دفعه إن أراد الاستمرار في تناول هذا الطعام المحبب إلى نفسه كما تشير روايات أخرى، وليُعرف الطبق منذ ذلك الحين بإمام بايلدي، أو (الإمام فقد وعيه).
رموش الست
رموش الست أحد أنواع الحلويات العربية، والمعروفة في الشام بأسماء سوار الست أو زنود الست، وبحسب أصل الحكايات المتوارثة عن تسميتها، فقد صُنعَت هذه الحلوى في بلاد الشام، وقُدمت ذات مرة في حفل كبير أقامه بربر آغا، حاكم طرابلس، وكان الحفل مليئاً بالسيدات، اقترح عليه أحد الحاضرين إطلاق اسم زنود الست على هذا النوع من الحلوى، ثم عُرفت لاحقاً باسم رموش الست.
الباذنجان.. كيف تحول إلى نبات البيض أوروبياً؟
يُعرَف الباذنجان أوروبياً بنبات البيض أو Eggplant، ويعود أصل هذه التسمية إلى تعامل الأميركيين وسكان المستعمرات في نيوزيلندا وأستراليا في المرة الأولى مع أنواع الباذنجان ذات اللون الأبيض والأصفر، والتي حملت بعضاً من الشبه ببيض الأوز، قبل أن تمتد التسمية لتشمل جميع الأنواع والألوان المختلفة من الباذنجان.
وبحسب جريدة الشرق الأوسط، فقد وصل الباذنجان إلى إسبانيا وإيطاليا من خلال الأندلس في الفترة ما بين القرن الثامن والثالث عشر، ثم ازداد انتشاراً بعد هزيمة المسلمين في الأندلس حتى وصل إلى الأميركيتين -المكتشفتين حديثاً حينها-، حيث انتعش وازداد انتشاراً بسبب ارتفاع الحرارة النسبي.
من هو بابا غنوج؟
للباذنجان حضور قوي في العديد من الأطباق العربية، ولعل أشهرالمقبلات التي تحتوي عليه هو طبق بابا غنوج (متبل الباذنجان)الذي يتكون من الباذنجان المشوي والطحينة بشكل رئيسي. يُقال إن بابا غنوج كان قساً مسيحياً عاش في القرن الأول بعد الميلاد وتمتع بحب تلاميذه وأبناء قريته، وذات يوم صنع له أحد تلاميذه طعاماً من الباذنجان والطحينة، لكن بابا غنوج آثر أهل قريته، وقرر ألا يأكل وحيداً ووزع الطعام عليهم، ليُعرَف هذا النوع من الطعام ببابا غنوج منذ ذلك الحين.