قبل أن أصبح رائدة أعمال.. هذا ما مررت به من مصاعب

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/01 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/01 الساعة 14:34 بتوقيت غرينتش
iStockتقدم المرأة في الحياة المهنية

معكم "مروة الخطيب" فتاة سورية وُلدت ونشأت في ريف دمشق من عائلة محافظة وثرية، تعرّض والدي لعملية نصب واحتيال فخسر أمواله فيها، حاول جاهداً تعويض الخسارة وسداد الديون، لكن توفاه الله قبل ذلك، وهو ما اضطر عائلتي إلى بيع أغلب ممتلكاتها لسداد الديون.

ترك أبي وراءه تسعة أطفال مع أرملته، عشتُ طفولة جميلة ومريحة مع عائلتي وتعرضت لتجارب قاسية وفاشلة في حياتي الخاصة، تركت آثاراً و"ندوباً"، ومسؤولية على كاهلي بأن أعوض نفسي عما مررت به، والتعويض يكون بالصَّقل والعزيمة والإثبات والإنتاج والاستقلال، لكن كيف ذلك؟ لا بد من مؤهلات ودعم معنوي ومادي، ومن أين لي بهذا الدعم وأنا أعيش بكنف عائلة طيبة يرعبها العرف والتقاليد والعيب؟!

بدأت أتمرد بعفوية واستعطاف، واستطعت جاهدة أن أقنع أهلي قسرياً، ووافقوا على أن ألتحق بمعهد لفن الحلاقة والتجميل، وكنت كلما تجهزت للذهاب للمعهد يهطل علي وابل من الأسئلة المستنكرة من أهلي: ما الذي ينقصك؟ لماذا لا تتراجعين عن هذه الفكرة التي ستجلب لنا السمعة السيئة؟

ديون في بداية الرحلة

استدنتُ من أختي ذهبَها لتسديد رسوم المعهد، وعملت ببيع الثياب المستعملة لأقاربي وأصدقائي لتأمين أجرة المواصلات وتكلفة المواد والأدوات التي أحتاج إليها لتطبيق الدروس. عملت مبتدئةً بأحد الصالونات حتى يشتد عودي، واكتسبت خبرة عملية، ثم بعد ذلك تقدمت للعمل في صالون بالفورسيزون، وكانت تجربة صعبة جداً، مجتمع جديد وبيئة مختلفة ومغايرة لما ألِفته.

اجتهدت وأخذت منهم ما استطعت من معلومات لأكتسب الخبرة، ثم انتقلت للعمل بصالون في مكان آخر، وهناك كانت الأمور أكثر أهوالاً عليَّ، وكان التحدي أكبر، وبرغم التنمر والعنصرية والأذى من بعض زميلاتي، وخصوصاً الأذى النفسي، فإني قاومت وأقنعت نفسي بأنه لم يبقَ سوى القليل، والنتائج تستحق أن أتغاضى وأتجاهل.

وبعد سنتين من الصبر والمثابرة والعمل والتدريب أصبحت جاهزة.

جاهزة بشخصية مصقولة ومتدربة للتحدي، جاهزة بخبرة وكفاءة بامتياز، لكني لم أكن جاهزة مادياً، مجدداً استدنت المال، هذه المرة استدنت من قريب لي يعمل خارج البلاد، ووعدته بأن أعيده إليه بعد نجاح مشروعي.

افتحتت صالوناً بمنطقة "تنظيم كفرسوسة" في دمشق، صالون كبير وجميل، جهزت كل تفصيلة فيه بيدي، وما إن بدأت العمل والترويج للصالون وبدأ حلمي يحبو على قدميه حتى بدأت التفجيرات في دمشق وأُخليت المنطقة، وأغلق صالوني، وكان إغلاقه لأنه قريب من المنطقة الأمنية، حفاظاً على الوضع الأمني، نعم أغلق باب الحلم بوجهي، خرجت من هذه التجربة بخسائر مادية جسيمة مقارنة بوضعي من قبل، ناهيك عن الخسائر النفسية.

أول عمل.. وأول انكسار

بعدها بفترة بسيطة اضطررت لقبول عرض قدمته لي إحدى صاحبات الصالونات المرموقة للعمل معها لقاء راتب مغرٍ يتماشى مع خبرتي، وبعد شهرين من العمل الدؤوب والتعب لم أتقاضَ ليرةً واحدةً أجراً على عملي وتعبي، بزعم أن الوارد للصالون لم يُغطِّ نفقاته.

نعم تعرّضت للنصب والاحتيال! أي انكسار أحمله بجسد صغير وبعمر عشريني يفوق قدراتي؟ ماذا أفعل؟ الآن تسألني أنت، وأنا حينها كنت أسأل نفسي في حيرة، ماذا أفعل؟

وقفتُ ونفضت غبار الخسائر والهزائم عن نفسي، وقررتُ أن أبدأ من جديد، فقمت برهنِ قطعة أرض كنت قد ورثتها من أبي، وافتتحت صالوناً لا يتعدى 30 متراً، وبدأت العمل بعزيمةِ وإرادةِ نساء الأرض كلها، لا وقت للراحة، وكنت كلما تعبت أذكر نفسي بمسؤولياتي تجاه عائلتي المؤلفة من تسعة أشخاص، فقد كنت ومازلت موردهم الوحيد.

وأذكر نفسي بالتزامي تجاه أقربائي الذين أحبهم، وكانت تسعدني جداً دعواتهم لي بالخير والرزق، أذكر نفسي بديون مرتبة علي، أنا الريفية العشرينية الجميلة أحمل أحمالاً لا يطيقها رجال في بلد أنهكته الحروب.

خلال سنة وأكثر لمع اسمي بعالم فن تلوين الشعر وعلاجه، فضلاً عن براعتي في اختصاصات أخرى، سدَّدت ديوني، ووسّعت عملي، وانتقلت إلى مركز أكبر يقدم خدمات كثيرة.

رحلة جديدة

اضطررت للسفر مع زوجي إلى تركيا، تاركةً صالوني بكفرسوسة لتعيش منه عائلتي الكبيرة بعد أن جهزت كادراً لا يقل كفاءة عنّي ليحافظ على مستوى جودة العمل والإتقان المعتاد مني. ووصلتُ إلى تركيا لأبدأ رحلة جديدة ببلد غريب ولغة غريبة ومجهول لا يعلمه إلا الله.

بدأت بجمع معلومات عن الأماكن التي يفضلها العرب في تركيا، وبالفعل استعنت ببوست على الفيسبوك، طلبت فيه النصيحة بالموقع الذي سأختاره لمقر عملي الجديد، وفعلاً نصحتني الجالية العربية في إسطنبول.

وباشرت الترتيبات، ففي الوقت المخصص لتجهيز المركز كنت أستغل وقتي في تدريب كادر خاص في بيتي، فجهزت كادراً متدرباً يتقن فن تلوين الشعر وعلاجه في شهر واحد، مؤلف من سبع بنات، ليبدأن معي مشروعي الجديد، وتم الافتتاح ونجحت في تركيا، وبرعت والحمد لله، وساعدني في ذلك صيتي الذائع في سوريا قبلها.

150 يوم في السجن

في عام 2016 عُدت إلى سوريا لزيارة إخوتي وأصدقائي، ولمتابعة صالون كفرسوسة، وأثناء زيارتي اعتقلت كحال غيري، نتيجة البغض والمنافسة غير الشريفة، بتقارير كيدية كاذبة، اعتقلت خمسة أشهر إلى أن ثبتت براءتي، وكانت مرحلة السجن مرحلة محاسبة الذات.

– أين أنا؟

في السجن

– لماذا؟

لأنك ناجحة

– وهل يسجن الناجح؟

طبعاً لا، لكنكِ وقعت فريسة لأعداء نجاحك

– ما الحل؟

الحل قريب بإذن الله ومن عند الله.

– ماذا أفعل في هذا الوقت؟ أنا لم أعتد الملل والضجر، أنا أعشق عملي.

فكّري في مرحلة ما بعد الخروج

– كيف ستواجهين عالمك؟

اخرجي لهم بحلة جديدة

– وكيف ذلك؟

ما الذي ينقصك لتكوني مُزينة كاملة؟

– الميك أب والتصوير.

جميل جداً، خطّطي.

وفعلاً، بدأت أفكر وأخطط لما بعد السجن، وكيف سأواجه العالم ومَن تمنَّى سقوطي، وكيف سأطوّر نفسي وعملي، أذكر أن إحدى السجانات قالت لي: "يا حرام يا مروة رح تطلعي من هون تلاقي صالوناتك تسكرت وزوجك مطلقك".

ضحكت بقلب يعتصره الحسرة والفقد، وقلت لها: تابعيني على الفيسبوك.

صدمة بعد الخروج من السجن

وخرجت من السجن وتم الاعتذار مني، لأفجَع بإمبراطوريتي التي دأبتُ وناضلتُ لأجلها قد دُمرت بالكامل عن طريق بعض المغرضين، الذين اجتهدوا بنشر الشائعات عن صالونات مروة الخطيب على مواقع التواصل الاجتماعي، مستغلين سجني وأني غير حاضرة للدفاع عن نفسي.

خسائر مادية ومعنوية لأعلى مستوى، فشل ذريع في صالون تركيا وسوريا، خسائر بآلاف الدولارات، تهافت المغرضون لسرقة صالوني بسوريا، وعرضوا على صاحب الصالون استئجاره بحجة أنني إرهابية، وهذا سيلحق الأذى به، عدت إلى فرع الأمن الذي اعتقلت فيه وشرحت لهم ما حدث، وأنني خسرت رزقي.

 بعد هذا الزلزال المدمر لتاريخي الذي سجّلته بمحبرة عرقي ودمي وتعبي، تذكرت كل ما خططت له في السجن، واستذكرت كل المطبات التي واجهتني من بداياتي وفشلت في عرقلة هدفي، استحضرت كل شيء جميل كتب لي فرحاً بخروجي بخير، وأجمل تلك الأشياء من أصدقائي الذين كانوا يراسلونني على الوتساب وأنا في السجن، وهم على يقين أنهم لن يلتقوا إجابة مني، كانوا يفتقدونني كثيراً.

استذكرتُ الوجع والفقد والحسرة والخسارة، وتذكرت المسؤوليات المترتبة على كاهلي، تذكرت الحب الذي يُكنه لي أهلي وأصدقائي، تذكرت البغض والتنمر وكل الأذى لإيقافي، ماذا فعلت بعد كل هذا؟!

أخذت هاتفي وكتبت للجميع بمنشور على الفيسبوك:

"أهلا بعودتي".

أهلا بعودتي، أهلا بكل من انتظر عودتي بحب ووجع، أهلاً ومرحباً وكل التحيات لمن انتظر عودتي مكسورة مهزومة، بدأت بعدها بكل شيء، كنت أقنع الجميع أنني بخير، ولكني لست كذلك، استعنت بطبيب نفسي ليساعدني على العلاج من الاضطرابات النفسية التي أرهقتني، ولجأت إلى كوتش لايف ليدربني ويحررني من الحقد على المجتمع الذي آذاني، ويعلمني التسامح، لأن الحقد عدو النجاح، والحقد سيجعلني أهمل جوانب حياتي وأركز على ما أحقد عليه.

بنفس الوقت قمت بالتسجيل بدورة تعلم واحتراف فن التصوير على الإنترنت في الخليج لأصور أعمالي بنفسي، وسجلت كذلك بدورة تسويق لتدعمني بعملي. بعد هذه المرحلة أنا جاهزة نفسياً، جاهزة لاكتساب خبرة جديدة خططت لها مسبقاً "فن الميكاج"، فتلقيت دروساً خاصة، ودروساً على الإنترنت، وسافرت إلى لبنان لأتلقى دروساً من مزينين كبار في المهنة، ولمواكبة صيحات المكياج لصقل خبرتي، واستعنت بعارضة أزياء لأطبق عليها دروسي ثم أقوم بتصويرها.

في هذه المرحلة، والتي هي ستة أشهر، بمعدل 6 ساعات في اليوم، كنت عندما أنتهي من المكياج أبدأ بتصويره لأتدرب أكثر على التصوير، واستطعت أن أخلق لي بصمة مميزة بمكياج العرائس.

ماذا عن حلمي الأكبر؟

أكاديمية مروة الخطيب، انتقلت إلى المرحلة الأصعب وهي التعليم على الإنترنت، تعليم تكنيك الألوان والمكياج، فأخذت دروساً في الإلقاء وتقويم الأداء لأتخلص من الارتباك، وأعلنت عن بدء التسجيل للدورات، ولاقت إقبالاً "جيداً"، فبعد ثلاثة أيام فقط من فتح باب التقديم للدورة أُغلق باب التسجيل بخمس وأربعين فتاة متدربة.

وكُللت بالنجاح والحمد لله، المفارقة في هذه التجربة أنني نظرت إليها من باب الشهرة والمكاسب المادية، وعلّمت الكثير من البنات، وبتعليمي فُتح لهن باب من أبواب الرزق، المفارقة أنني غفلت أنه من الممكن أن يتسلل أعداء نجاحي من هذه النافذة ويشنون عليّ من جديد حرباً إلكترونية لتشويه سمعتي ومقاطعتي، حضنت نفسي بكل حب، وقلت لها ما الجديد؟! إنني اعتدتهم، فهم لا يتوانون عن إيذائي بشيء، وكأنني محور الكون بالنسبة لهم، لكن الموضوع ليس بالأمر السهل، أن تَرى المرأة عدوة للمرأة بهذه الطريقة المبتذلة.

وعدت نفسي أني سأتجاوزهم هذه المرة أيضاً ككل مرة، ولن يشغلوا حيزاً من تفكيري الذي كنت أشغله بمشروع جديد، مشروع حلمي، وهو افتتاح فرع ثالث لمروة الخطيب بمنطقة جميلة وراقية، وتزامناً مع حملاتهم ضدي لكسري، أعلنت افتتاح مركزي الثالث في تركيا، في (ساحل زيتونبورنو)، والحمد لله كان من أفضل الأهداف التي حققتها في حياتي.

أنا اليوم سعيدة بكل مرحلة عشتها، وبكل حرب خضتها، أنا سعيدة وفخورة بالإنجاز الذي حققته، وسعيدة بأنني لم أستسلم لكل الفشل والتجارب السيئة التي مررت بها، وقررت مساعدة كل فتاة تريد أن تبدأ وتتعلم وتكتسب خبرة، ولذلك أسست موقع ماستر كلاس المرخص من بريطانيا، ليكون فيه جميع أسرار الألوان والمكياج، وكل تفاصيل هذه المهنة الجميلة التي هي كل حلمي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مروة الخطيب
رائدة أعمال سورية وخبيرة تجميل
مؤسسة صالونات مروة الخطيب، وخبيرة ومدربة في مجال التجميل
تحميل المزيد