جلست عشرات السعوديات على المقاعد المحيطة بمنصة العرض في الرياض، بأيديهن هواتفُهن المستعدة للتصوير وفي عيونهن سعادة لا تُوصف. تأخر العرض عدة دقائق وقبلها أياماً، وربما عشرات الأعوام، لكنه انطلق أخيراً، وإنْ مع بعض التعثرات.
فأسبوع الموضة الأول بالرياض جاء مخيِّباً لآمال المشاركين نوعاً ما، لكن نقطة بداية لا بأس بها لفعالية سنراها مرتين سنوياً من اليوم وصاعداً.
أسابيع الموضة في نيويورك، وباريس، وميلان غالباً ما تكون تجربة سريالية، مليئة بالتصاميم والأسماء وأحذية الكعب العالي شاهقة الارتفاع. لكن الأسبوع الماضي، في الأمسية الافتتاحية لأسبوع الموضة بالرياض، كان السياق مختلفاً كثيراً: عواصف رملية ورعدية تلوح في الأفق، صواريخ أطلقها الحوثيون، ومشاكل تنظيمية بالجملة.
ورغم أن الأمر لم يسِر بالسلاسة التي تمنّاها المنظمون، قالت خبيرة الموضة في جدة مريم موصلي، لصحيفة The New York Times، إنه كان "فرصة رائعة لتغيير الفجوة في عقول غير السعوديين عن المرأة السعودية، كيف تصمم وكيف تلبس. انتظرت النساء هنا طوال سنوات حتى يحين وقت انطلاقها".
عقبات لم تهوّنها الأحوال الجوية الرملية
أُوكل الأمر إلى مؤسسة مجلس الأزياء العربي، وهي مؤسسة غير ربحية في دبي، فتحت مكتباً لها بالرياض في شهر ديسمبر/كانون الأول 2017. كان معها 5 أشهر للتخطيط والتنظيم قبل افتتاح الفعالية في 25 مارس/آذار 2018.
لكنه أُجِّل بعد أن فشل عشرات الصحفيين الأجانب، والمشترين، والعارضين في الحصول على تأشيرات الفيزا في الوقت المناسب.
ولاحقاً بعد 3 أسابيع، عاد مرة أخرى إلى مساره، بتحديد مواعيد 16 عرضاً، وحضور المصممين البارزين مثل جون باول غوتييه، وروبرتو كافالي، وقدوم مشاهدين من كل دول العالم.
لكن يوم الأربعاء 11 أبريل/نيسان 2018، وقبل 45 دقيقة من وصول أول عارضة لمنصة العرض في ليلة الافتتاح، أعلن المنظمون عبر تطبيق واتساب تأخير البداية 24 دقيقة إضافية. والسبب هذه المرة أن خيمة العرض، في الأرض الواسعة بالفندق الفاخر، كانت غير جاهزة وغير آمنة للاستخدام؛ بسبب سوء الأحوال الجوية.
التقطت عشرات النساء المتأنِّقات بعباءاتهن هواتفهن في البهو الفخم بفندق ريتز-كارلتون، وبدت الخيبة على وجوههن.
سادت حالة من اليأس بين المُصمِّمين المحليين، والذين قدموا من بلادٍ مختلفة كلبنان ومصر وإيطاليا. حضروا جميعاً لتقديم مجموعاتهم في السوق السعودية الثرية والواعدة. كما ذُهل بعض الضيوف، الذين سافر معظمهم للسعودية فقط لحضور ليلة الافتتاح، من التنبيه المتأخر.
مبيعات التذاكر لم تكن مشجعة رغم الزخم الإعلامي
وقالت مريم بينما تحتسي مشروب الشوكولاتة الساخن في بهو الفندق وتنتظر وصول سيارة أوبر لأخذها للمطار: "أنا محبطة؛ لأن هذا يقول إننا غير مؤهلين للمنافسة وغير منظمين، ونحن لسنا كذلك بالطبع".
وقالت إن الفوضى، وسوء الأحوال الجوية أديا إلى استحواذ الهيئة العامة للترفيه السعودية على إنتاج الحدث، وهذا شمل بناء الخيمة. وكانت مبيعات التذاكر للنساء في الرياض منخفضة؛ ربما لأن الدعاية المحلية كانت قليلة. وقد انسحبت بعض العلامات التجارية من الحدث؛ بسبب ضعف التواصل، وربما أثّر هذا على المبيعات كذلك.
وتابعت مريم قائلة: "يحتاج المُنظِّمون أن ينسِّقوا بين القصص التي يروونها، وقول الحقيقة"، وأضافت: "هذا يرسل رسائل خاطئة في وقت مهم بالنسبة لنا، وهذا مخيب للآمال بالنسبة لكل مواهب التصميم التي اجتمعت هنا هذا الأسبوع".
المتابعة تتم من أعلى مراكز القيادة السعودية
يأتي التخطيط الرفيع لأسبوع الموضة الأول في السعودية، والذي كان غير قابل حتى للتفكير فيه منذ عامين فقط، ضمن الخطط الطموحة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في الدولة، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان.
تحاول السعودية، مستلهمةً بنجاح (وفشل) دول خليجية أصغر، مثل دبي، أن تتحول بعيداً عن الاعتماد على البترول، وعائدات الغاز، وتعدّل وضعها لتكون مكاناً حيوياً للتجارة، والضيافة، والترفيه، والاستثمارات والزيارات الأجنبية.
والموضة سوق بتريليون دولار ينتظر فرصته
ووجدت صناعة الأزياء الناشئة أيضاً طريقها إلى دائرة الضوء. وعلى الرغم من وجود المُصمِّمين في المملكة السعودية لسنوات (وعروض الأزياء أيضاً، لكن خلف أبوابٍ مُغلَقة في مساكن فخمة خاصة)، فقد واجَهَت معظم العلامات التجارية صعوباتٍ جمَّة في العثور على الخامات، وتوفير عاملي الاستوديو، علاوة على مَرافق الإنتاج نفسه، من أجل توسيع نطاق أعمالهم، وفي النهاية استقروا على عرض منتجاتهم في الخارج.
ويُعد أحد الأعمدة التي تقوم عليها "رؤية 2030"، هو دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لا سيما تلك التي تمتلكها نساء. وتهدف الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي تأسست عام 2015، إلى زيادة مساهمة هذه الشركات؛ من ضمنها شركات الأزياء. ويتوقع الخبراء أن تسهم في الاقتصاد المحلي من 500 مليار ريال سعودي في عام 2014 إلى 2 تريليون في عام 2030.
النقوش والألوان تزحف ببطء نحو الواجهة
ويمكن رؤية التغيُّرات الاجتماعية أيضاً في زيادة عدد النساء اللاتي يرتدين تصميمات عباءاتٍ مُلوَّنة أو منقوشة في المدن السعودية (بالأخص في مدينة جدة المينائية الأكثر تحرُّراً).
عُرِضَت مقتطفاتٌ من خزانة الملابس المُدرَّجة على الضيوف في أسبوع الموضى، حيث الأكمام الزهرية المُطرَّزة، والترتر المُرتَّب تدريجياً لأسفل ظهور العباءات الفضفاضة. زوِّدَت العباءات بأحذيةٍ رياضية من شركة غوتشي الإيطالية أو من المُصمِّم الفرنسي كريستيان لوبوتان، علاوة على حقائب اليد من شركة شانيل الفرنسية، وأقراطٍ ألماسية بحجم الحلوى.
والأسبوع خطوة مهمة لتمكين المرأة
أروى البنوي، مُصمِّمةٌ سعودية في دبي، عَرَضَت مجموعةً مُعاصِرةً من الملابس القطنية المخيطة وأضفَت عليها طابعاً بدوياً. قالت في ليلة الافتتاح المتأخر، الخميس 12 أبريل/نيسان 2018، إنها تعتقد أن أسبوع الموضة السعودي قد يكون خطوةً أخرى في طريق تمكين النساء ببلدها.
وأضافت: "من المهم للغاية لنا أن يكون لدينا أسبوع موضة خاص بنا. تاريخياً، كنت أعرض تصميماتي بدبي أو باريس، لكن كامرأةٍ سعودية أرغب حقاً في أن أكون جزءاً من هذه اللحظة". وتابَعَت: "أجل، لطالما كان ذلك هو الحدث الأكثر تحدياً الذي أردت أن أكون جزءاً منه، لكن الطريقة الوحيدة الآن هي أن ننظر إلى الأمام وليس إلى الوراء. المرة المقبلة ستكون أفضل".
وافقتها في الرأي مشاعل الراجحي، وهي مُصمِّمة أزياء للرجال والنساء تقيم بالرياض. عَرَضَت مشاعل قطع ملابس الشارع ذات الجذور العربية، ومن ضمنها تلك التي صُمِّمَت بالتعاون مع شركة نايك للملابس الرياضية، في أول عرضٍ لها لملابس المُحجَّبات، يوم الجمعة 13 أبريل/نيسان 2018.
وقالت مشاعل: "هناك الكثير من المواهب الإبداعية التي تنتعش هنا الآن. الأولوية المقبلة هي تشييد بِنْية تحتية محلية أفضل؛ حتى تتمكَّن صناعة الأزياء السعودية من النمو، وحتى لا يضطر أغلب المُصمِّمين إلى مغادرة البلاد حتى يرتقوا بأنفسهم بعد الآن". وأضافت أنها بينما تشعر بالفخر لإدارتها استوديو وتصنيعها الملابس في الرياض، فإن ذلك لم يكن سهلاً على الإطلاق. وتابَعَت: "أسبوع الموضة هو منصةٌ تجذب أنظار الصناعة، وأولئك الذين بإمكانهم مساعدتنا يستعدون لما هو آتٍ".
الرجال يدخلون المجال بخجل وحذر
بمجرد أن قُدِّمَ العرض، كان الإصرار والطموح باديَين على كثيرٍ من العلامات التجارية الشابة في الرياض، رغم التحديات العديدة.
نُصِبَت خيمةٌ كبيرة تتسع لـ1500 شخص، بمنصةِ عرضٍ لامعة على خلفيتها شاشة عرضٍ من الأرض حتى السقف للتسويق لحفلاتٍ، بالإضافة إلى سيارات بي إم دبليو (مع عارضاتٍ سعودياتٍ في عباءاتٍ يجلسن خلف عجلة القيادة). كانت هناك أغانٍ غربية لـJohn Legend وEd Sheeran في الخلفية تعزف بآلة العود.
لم يُسمَح للمُصمِّمين الرجال بدخول الكواليس قبل عروضهم. فيما كان هناك حظرٌ صارم على النشر عبر الشبكات الاجتماعية، ما يعني غياب ذوي التأثير الواسع (إنفلوانسر)، والمُحرِّرين الرجال، والمُصوِّرين المُعتطِّشين.
مُنح القليل من المُصوِّرات الرسميات تصريحاً، وسُمح للمدير التنفيذي للمجلس العربي للأزياء جاكوب أبريان بحضور الحفل الذي يأتي بعد العرض. كان ذلك هو أول أسبوع موضة يُنظِّمه ولا يُسمَح له بأن يراه شخصياً.
ولأن الحضور كان في مجمله من الإناث، خلعت قلة قليلة منهن العباءة السوداء. وشوهدت فساتين مُزركَشة وسراويل أنيقة كثيراً هنا وهناك. وعلى منصة العرض، ظهرت أرديةٌ مُزيَّنة بالزخارف من مُصمِّمين لبنانيين مثل توني ورد ونجا سعادة، وتصاميم سوداء بالكامل من دار بيبي سارا (من كازاخستان)، ومجموعة من العباءات المُطرَّزة بالكبسولات من متجر ملابس مايسون أليكساندرين (من البرازيل)، وبالطبع الإطراء الفائق من جانبِ السيد غوتييه.
الموضة المحتشمة بداية متوافقة مع المجتمع المتشوق للتغيير
ظهر على المنصات ما بات يُعرف بـ"الموضة المحتشمة"، وهي التصاميم التي تجمع بين الأناقة والحشمة، وغالباً ما تكون بأكمامٍ طويلة، ويتجاوز ذيلها خط الكاحل.
وفسّرت مريم هذا التوجه، قائلة: "نحن نرتدي إما عباءاتنا السعودية، وإما التصميمات الغربية التي نختارها تحتها، وحتى الآن لا توجد لدينا اختيارات بين هذين كما يوجد في الدول الإسلامية الأخرى". وأضافت: "وباستمرار توالي التغيُّرات هنا، ستشهد الموضة المُحتَشِمة سوقاً ضخم النمو".
ويتفق جاكوب أبريان مع ما قالته مريم. وقال حين بدأ العرض: "انتهى التوتر من الأسابيع الماضية.. أشعر بالاسترخاء وبدأت في الاستعداد لأكتوبر/تشرين الأول 2018. ربما أذهب وأشاهد التلفاز".
وبينما كان يرتشف بقلقٍ من فنجان قهوته، قال: "إن شاء الله سيسير كل شيءٍ بسلاسةٍ الآن، فهذا المشروع كان طفلي رغم كل شيء". وأضاف: "كان هناك بعض العقبات الضخمة، لكن الشركاء، والحكومة، والمُصمِّمين ملتزمون. سيَقبلون الموقف بمحاسنه ومساوئه. وسيكون هذا نافذةً على مستقبل المملكة السعودية".