بعيداً عن أنّ شرب فنجان القهوة بعد الاستيقاظ هو طقس صباحي لا يجب الاستغناء عنه، فإنه دائماً ما ترتبط القهوة ليلاً بالسهر، إذ يُقال إن الكافيين تبعد النوم عن الجفون وتتركك مستيقظاً حتى مطلع الفجر، وهو سبب يجب أن يجعلنا نتساءل عن مدى تأثير القهوة على سلامة النوم.
ما هو الكافيين؟
الكافيين هو مادة مُرة تتواجد بشكل طبيعي في أكثر من 60 نباتاً بما في ذلك حبوب البن وأوراق الشاي ومكسرات الكولا التي تستخدم في صنع المشروبات الغازية.
كما يوجد كافيين اصطناعي من صنع الإنسان يضاف إلى بعض الأدوية والأطعمة والمشروبات، مثل مسكنات الألم التي لا تستلزم وصفة طبية.
وللكافيين تأثيرات عديدة على التمثيل الغذائي في الجسم، فهو ينشط الجهاز العصبي المركزي؛ مما يجعلك تشعر بمزيد من الاستيقاظ ويمنحك دفعة من الطاقة.
كما أنه مدر للبول، بمعنى أنه يساعد جسمك على التخلص من الملح والماء الزائدين عن طريق التبول أكثر.
كما يزيد من إفراز الحمض في معدتك، مما يؤدي أحياناً إلى اضطراب في المعدة أو حرقة في المعدة، وأيضاً قد يرفع ضغط الدم، وفقاً لما ذكره موقع MedlinePlus الطبي الأمريكي.
ما تأثير الكافيين على النوم؟
تقول الدكتورة جوليا كوغان، الخبيرة في علم نفس الصحة ومدربة التعامل مع الضغط والنوم: "الكافيين مركب غذائي نباتي منبه ويمنع مستقبلات الأدينوزين، والأدينوزين مادة كيميائية تعزز النوم في الدماغ وتتراكم على مدار اليوم، وتؤدي إلى شعورنا بالنعاس مع تقدم اليوم". ومع تأثير الكافيين على تنظيم جسمنا للنوم، فلا شك أنه (عند الإفراط في استهلاكه) قد يؤثر على سلامة نومنا".
ووفقاً لما ذكره موقع Mind Body Green الأمريكي فإن هذه المركبات الغذائية النباتية المنبهة ومضادات الأكسدة توجد في القهوة والشاي وفي أشياء أخرى مثل الشوكولاتة والصودا وحتى بعض المكملات المنشطة للذهن.
ومن الضروري أن نفهم الطريقة التي يؤثر بها الكافيين على الجسم لجني فوائد هذه المادة الكيميائية النباتية وتجنب الآثار الجانبية غير المحمودة، مثل عدم أخذ كفايتنا من النوم.
ما هو عمر الكافيين في الجسم؟
الكافيين يستمر في الجسم لفترة أطول مما تظن، فالعمر النصفي للكافيين- أي مقدار الوقت الذي ينخفض خلاله تركيز الكافيين في الجسم إلى النصف- يكون عادة 5 ساعات تقريباً ولكنه قد يتراوح بين ساعة و9 ساعات.
والجزء الأكبر من الكافيين (أي المادة سريعة التحرر) يمتصه الجسم بالكامل بعد 45 دقيقة من تناوله ولكنه لا يترك الجسم لفترة، فيما أنّ التمثيل الغذائي الكامل للكافيين قد يستغرق حوالي 10 ساعات.
وأنواع الكافيين الأقل شهرة واستدامة تطيل مدة تحرير الكافيين بمرور الوقت، وبالتالي تحافظ على مستوياته في الدم وفوائده وتوفر الحماية من ظاهرة "انهيار الجسم" بعد زوال التأثير المنبه.
وهذا يعني أيضاً أن عليك أن تتناوله في وقت مبكر من اليوم حتى لا يتأثر نومك سلباً.
والتمثيل الغذائي للكافيين لا يحدث بالطريقة نفسها في جميع الأشخاص، وهذا ينتج عنه فروق في التجارب الفردية.
وحساسية الكافيين تعتمد على العمر والجنس والتركيب الجيني والعوامل البيئية (التدخين والحمل، على سبيل المثال).
يحتوي فنجان قهوة عادي بحجم 227 غراماً على حوالي 96 ملليغراماً من الكافيين، لكن معظمنا على الأغلب يستهلك 454 غراماً من القهوة وهي تحوي ضعف هذه الكمية من الكافيين.
تشير مراجعة أجرتها المكتبة الوطنية الأمريكية للطب عام 2018 إلى أن متوسط استهلاك البالغين الأمريكيين حوالي 200 ملليغرام من الكافيين يومياً، وهذا يؤكد هذه الفرضية.
العلاقة بين الكافيين والنوم
ما من شك في أن الكافيين يؤثر على النوم، تشير مراجعة نشرتها المكتبة الوطنية الأمريكية للطب في عام 2017 إلى أن الكافيين يؤثر على كل شيء، بدءاً من تأخر النوم (الوقت الذي يحتاجه الشخص للاستغراق في النوم) إلى مدة النوم العميق، لو تناوله الشخص في الوقت الخطأ.
حين يتناول الشخص الكافيين قبل النوم بوقت قصير جداً، فقد يتداخل ذلك مع الساعة البيولوجية (المسؤولة عن تنظيم عمل الجسم ووقت النوم).
وقد ثبت أيضاً أن تناول الكافيين في وقت قريب جداً من وقت النوم يقلل من إجمالي مدة مرحلة النوم العميق، التي تساعدنا على الشعور بالنشاط والراحة في الصباح.
متى عليك إذاً التوقف عن شرب الكافيين أثناء النهار؟
التعليمات العامة لمعظم الأفراد هي الامتناع عن تناول الكافيين قبل النوم بست ساعات على الأقل.
وبالنسبة لأنواع الكافيين المستدامة، فمن الأفضل زيادة هذه المدة، وتوقيت تناول الكافيين هو في النهاية قرار شخصي.
وننصح بأن يعتمد كل شخص على تجربته الشخصية لتعرف الوقت الأمثل للتوقف عن تناول الكافيين، وذلك بسبب الاختلاف بين الناس في التمثيل الغذائي للكافيين.
على سبيل المثال، من لديهم حساسية خاصة للكافيين عليهم أن يتناولوه في الصباح فقط.
ومن المهم أيضاً الانتباه إلى الأطعمة والمشروبات الأخرى التي تحتوي على مادة الكافيين (مثل الشوكولاتة والصودا) حتى تضمن أن يكون جسدك خالياً من الكافيين حين تنوي ذلك.
علامات تدل على الإفراط في استهلاك الكافيين
لو جربت الامتناع عن تناول كوب قهوة الصباح المعتاد لبضعة أيام، فربما تكون على دراية بالآثار غير السارة لإخراج الكافيين من روتينك اليومي، وهذه الآثار الجانبية قد تشمل الشعور بالتعب وتراجع الانتباه وصعوبة التركيز وحتى العصبية.
الغريب أن هذه الأشياء تشبه إلى حد كبير الأشياء التي نحاول جميعاً تجنبها باستهلاك الكافيين، وهذا يسبب لنا مشكلات كثيرة.
أما للأشخاص الأشد حساسية، فتناول القليل من الكافيين مثل فنجان قهوة يومياً قد يسبب هذه التأثيرات عند الامتناع عن تناوله، وبالتالي ندور في حلقة مفرغة!.
متى يجب التوقف عن تناول الكافيين للحصول على نومٍ مريح وعميق؟
قد يبدو السؤال السابق بسيطاً، لكن للأسف لا توجد إجابة محددة له. وذلك لأنَّ التفاعل مع الكافيين يختلف تماماً من شخص لآخر.
إذا كنت تعاني من رعشة، أو تشعر بالتوتر فجأة، أو يتغير معدل ضربات قلبك، فمن المحتمل أنك تشرب الكثير من الكافيين. وبالمثل، يمكن أن يحولَ ذلك دون حصولك على نوم هانئ ليلاً، وفقاً لموقع Healthline الطبي الأمريكي.
لذلك حاول تقليل الكافيين وعدم شربه بعد وقت معين من فترة ما بعد الظهر ومعرفة ما إذا كان ذلك سيحسن عاداتك في النوم.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.