التنفسية، ممارسة غير علمية يروج لها أشخاص يصرون على أنهم قادرون على العيش على "ضوء الحياة الصحي" الموجود في الهواء.
يعتقد مناصرو هذه الممارسة أننا لا نحتاج إلى الطعام أو الماء، وأن الهواء وطاقة الكون كافيان، وهو ما يعرف بالفلسفة "التنفسية".
كما يزعم معتنقو فلسفة التنفسية أنهم يتبعون أسلوب حياة بسيطاً؛ فبدلاً من تناول الطعام، يمكنهم امتصاص طاقة الكون، التي يطلق عليها الهندوس "برانا". ويقول أنصار هذه الممارسة إنها تؤدي إلى حياة أسعد وأكثر صحة وطاقة، وقد تحل أيضاً مشكلة الجوع في العالم، كما وضح موقع How Stuff Works.
إلا أن التنفسية تتجاهل حقيقة بسيطة: يحتاج البشر إلى الطعام من أجل الحياة. وبالفعل سُجل عدد من حالات الوفاة بسبب التنفسية، وتبين أن عدداً من أشهر الداعمين لهذا المذهب مجرد محتالين.
ما هي التنفسية؟
التنفسية لها تاريخ طويل، والعديد من رهبان التبت يتبعون ممارسات مماثلة لها، لكن لفترات زمنية قصيرة فقط وليس مدى الحياة.
لكن في العقود الأخيرة، تزايدت أعداد الأشخاص الذين ادعوا أنهم اعتمدوا منهج التنفسية ليكون أسلوب حياتهم. وكما أوضح وايلي بروكس، مؤسس معهد التنفسية في أمريكا، في ثمانينيات القرن الماضي لموقع Breatharian: "معتنق التنفسية هو شخص بإمكانه، في الظروف المناسبة، الحياة بتناول الطعام أو دونه".
وتتضمن مزايا ذلك المنهج، صحة أفضل، وطاقة أوفر، وحياة جنسية أكثر إشباعاً. وقد قال أكاهي ريكاردو، الذي ينظم مع زوجته كاستيلو ورش عمل عن التنفسية لموقع New York Post: "عندما بدأت اتباع منهج التنفسية، شعرت أنني أنظف، وشعرت بالجرأة والجسارة".
عادة ما يبدأ الأشخاص بمرحلة مدتها 21 يوماً. من المفترض ألا يتناولوا أي شيء فيها لمدة أسبوع، ثم يمكنهم أن يتناولوا العصير أو المياه لمدة أسبوعين.
واعتمد البعض على منهج التنفسية بشكل تام ليكون أسلوب حياتهم. ويزعمون أنهم توقفوا عن تناول الطعام كلياً.
"تحسن الصحة وتوفر المال"، مزايا التنفسية، بحسب ما يزعم مناصروها
يتحدث العديد من متبعي منهج التنفسية عن مزاياها ومحاسنها، خاصة أنها تحسّن الصحة، وتساعد أيضاً على توفير المال؛ لأن الشخص لن يعود بحاجة إلى شراء الطعام!
وزعمت كاميلا كاستيلو، المتبعة لمنهج التنفسية، في مقابلة لها مع موقع New York Post أيضاً أنها أكلت "5 مرات" فقط عندما كانت حُبلى بابنها.
وقالت: "كنت أعرف أن ابني سيحصل على التغذية الكافية من خلال حبي له، وهذا ما سمح له بالنمو بشكل صحي أثناء الحمل. لقد ذهبت إلى فحوصات الحمل بانتظام، وأكد الطبيب على أنه صبي صحي تماماً، وحجمه أكبر من المتوسط".
ووفقاً لموقع Vice، فإن نيكولاس بيلارتز، الذي يعمل في إحدى كبرى مؤسسات التنفسية في العالم، زعم أنه مارس التنفسية لمدة 9 سنوات وفقد 14 كيلوغراماً فقط.
وقالت جاسموهين، التي أسست فرعاً للحركة في عام 1993: "لقد وجدت مصدراً آخر للتغذية، وهو الضوء البراني، الضوء الذي وضعه الله في كل شيء في الكون من حولنا".
لكن في الحقيقة، هؤلاء الأشخاص يأكلون الطعام، ولكن ليس كثيراً. كما أن بعضهم يعترف بأنه قد يأكل في بعض الأحيان، لتعزيز تواصله الاجتماعي بالآخرين، وجبة أو وجبتين في الأسبوع. بالإضافة لبعض الخضراوات والعصير، وأحياناً المياه أيضاً".
إلا أن الأطباء يحذرون من أن منهج التنفسية له مخاطر كبيرة، وأثبت في بعض الأحيان أنه قد يؤدي إلى الوفاة.
كيف أصبحت العادة الصحية المزعومة قاتلة
سُجل عدد من الوفيات بسبب ممارسة التنفسية على مر السنوات؛ في عام 1997 مثلاً، تُوفي رجل بعمر الـ31 اسمه تيمو ديغين، وفي العام التالي، توفيت لاني موريس عن عمر 33 عاماً، وفي العام الذي يليه، عُثر على جثة فيريتي لين عن عمر 49 عاماً بجوار نسخة من كتاب جاسموهين Living on Light (الحياة على الضوء).
كتبت لين في مذكراتها عن إيمانها بمبدأ التنفسية، ووصفت أمنياتها بأن الصوم قد "يطهرها روحانياً ويمدها بالطاقة جسدياً ونفسياً"، وفقاً لموقع BBC.
ويدعي مناصرو المنهج أن المشكلة التي قد تسبب للوفاة هي أن الأشخاص أحياناً لا يكتفون بالتوقف لمدة 21 يوماً فقط، ولا يتبعون الإرشادات من المعلمين.
لكن لا يزال الأطباء يصرون على أن الصيام لفترات طويلة، كما يفعل معتنقو التنفسية، أمر خطير للغاية، حتى مع اتباع الإرشادات.
الأطباء يحذرون من اتباع المنهج القاتل
قال الدكتور تشارلز كلارك عن صيام منهج التنفسية لموقع BBC: "إذا كنت راقداً في السرير وتتبع هذا المنهج، ربما ستظل على ما يرام لمدة أسبوع، لكن بعد نهاية الأسبوع الأول، ستصبح مريضاً للغاية. سيصبح دمك أكثر كثافة، ولن تتمكن الكليتان من العمل؛ وسيتبع ذلك فشل العديد من أعضاء الجسم، وتنخفض درجة حرارة الجسم إلى أن تموت في نهاية المطاف".
وعندما خضعت جاسموهين مؤلفة كتاب "الحياة على الضوء" للاختبار، بدا أنها غير قادرة على الصمود لأيام قليلة دون طعام. فقد ظهرت في برنامج 60 Minutes عام 1999، وسرعان ما تدهورت حالتها دون طعام أو مياه بعد يومين من حضور معسكر للبرنامج التلفزيوني بهدف اختبار قدرتها.
وبحسب موقع The Independent، بدت المعلمة هزيلة، وبدأت تتلعثم في كلامها؛ ما دفع الطبيب إلى إلغاء التجربة بعد 4 أيام.
لكن جاسموهين ألقت باللوم على التلوث، وليس نقص الطعام. لذلك نقلها المنتجون إلى الجبال. لكن، مجدداً، اضطر الطبيب إلى إلغاء التجربة بعد يومين، وحذر جاسموهين من أنها على وشك الإصابة بفشل كلوي.
وخلال التصوير سألها مقدم البرنامج: "هل يمكنك الاعتراف الآن بعدم قدرتك على الاكتفاء بالهواء فقط؟".
لكن جاسموهين أجابت بتحدٍ: "لا، هذا غير صحيح؛ لأنني فعلت ذلك لمدة طويلة، كما تمكن 6 آلاف شخص حول العالم من فعل ذلك دون أية مشكلات".
ذكر المراسلون أيضاً أن الثلاجة في منزلها مليئة بالطعام، لكن قالت جاسموهين: إن الطعام يخص زوجها، وإنها طلبت وجبة واحدة أثناء رحلتها.
هل التنفسية احتيال من أجل الشهرة؟
سواء كان أبرز معتنقي منهج التنفسية يأكلون الطعام أم لا، فإنهم يحرصون على ترك انطباع لدى الجميع بأنهم لا يتناولون الطعام ولا يحتاجون إليه. وقد يكون ذلك خطيراً على من يتابعونهم الذين يعتقدون أنهم لا يتناولون أي شيء أبداً، أما الحقيقة فهي عكس ذلك، ولا يمكن أبداً معرفة ما يأكلونه في الواقع.
في النهاية، يظل تناول الطعام من المكونات الأساسية لبقاء الإنسان على قيد الحياة. ودون تغذية مناسبة، ستتعثر أجسادنا وتعاني من أجل أداء وظائفها.
وعلى الرغم من وجود الكثير من الأنظمة الغذائية المبتذلة والغريبة، لكن الاعتماد على طاقة الكون والضوء بدلاً من تناول الطعام هو أخطر نظام غذائي يمكن أن يتعبه الشخص على الإطلاق.