لا شكَّ في أن القلق العالمي من الحروب والصراعات في العالم ليس ناتجاً عما تسببه من دمار في البنى التحتية، وإنما ما تسببه أيضاً من تأثير على صحة الإنسان مثل اضطراب ما بعد الصدمة وبعض الأمراض النفسية الأخرى.
اضطراب ما بعد الصدمة بسبب الحروب
منظمة الصحة العالمية قالت وفقاً لوكالة رويترز، إن واحداً من كل خمسة أشخاص في مناطق الحروب يعاني من الاكتئاب والقلق وضغوط ما بعد الصدمة والاضطراب ثنائي القطب أو الفصام، ويعاني كثير منهم من أشكال حادة من هذه الأمراض العقلية.
كما ذكرت مجلة الصحة العقلية والنفسية الأمريكيةُ Scientific American، أن 22% من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الصراعات المسلحة يعانون من الاكتئاب والقلق و"اضطراب ما بعد الصدمة" و"الاضطراب ثنائي القطب" و"انفصام الشخصية"، وأن نحو 9% من سكان البلدان التي تشهد صراعات عنيفة، يعانون من اضطرابات صحية عقلية ونفسية شديدة.
اضطراب ما بعد الصدمة
وفقاً لما ذكره موقع The Conversation، فقد تمّ التعرف على حالة اضطراب ما بعد الصدمة في زمن الإغريق الذين وصفوا أعراضه بأن المريض يشاهد كوابيس مستمرة ويشعر بالقلق والتوتر المستمر.
ولكن هذا المرض أخذ منعطفاً حاداً قبل نحو 100 عام، وتحديداً خلال الحرب العالمية الأولى عندما انتشر مرض عُرف آنذاك باسم "صدمة القذائف"، ومن هنا بدأ تصنيف هذا المرض على أنه صدمة نفسية بحاجة لعلاج.
فقد أثرت الصدمات النفسية خلال الحرب العالمية الأولى بشكل غير مسبوق، على المحاربين الأمريكيين، الذين عانى كثير منهم من الأعراض لبقية حياتهم، تراوحت هذه الأعراض بدءاً من الذكريات المؤلمة التي وجد المحاربون القدامى صعوبة في نسيانها، إلى نوبات شديدة من الجمود والرعب عند تذكيرهم بصدماتهم.
علمياً فإن اضطراب ما بعد الصدمة، وفقاً لما ذكره موقع Mayo Clinik الطبي، هو حالة صحية عقلية تنجم عن حدث مرعب؛ إما أن تختبره وإما تشاهده.
قد تشمل الأعراض ذكريات الماضي والكوابيس والقلق الشديد، إضافة إلى أفكار لا يمكن السيطرة عليها حول الحدث.
قد يواجه معظم الأشخاص الذين يمرون بأحداث صادمة صعوبة مؤقتة في التكيف، ولكن مع مرور الوقت والرعاية الذاتية الجيدة، يتحسنون عادةً.
إذا ساءت الأعراض، واستمرت لأشهر أو حتى سنوات، وتداخلت مع أدائك اليومي، فقد تكون مصاباً باضطراب ما بعد الصدمة.
قد يكون الحصول على علاج فعال بعد ظهور أعراض اضطراب ما بعد الصدمة أمراً بالغ الأهمية لتقليل الأعراض وتحسين الوظيفة.
أعراض اضطراب ما بعد الصدمة
قد تبدأ أعراض اضطراب ما بعد الصدمة في غضون شهر واحد من الحدث الصادم، ولكن في بعض الأحيان قد لا تظهر الأعراض إلا بعد سنوات من الحدث.
تسبب هذه الأعراض مشاكل كبيرة في المواقف الاجتماعية أو العمل وفي العلاقات، يمكن أن تتداخل أيضاً مع قدرتك على القيام بمهامك اليومية العادية.
يتم تصنيف أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عموماً إلى أربعة أنواع:
- الذكريات المتطفلة
- التجنب
- التغيرات السلبية في التفكير والمزاج
- التغيرات في ردود الفعل الجسدية والعاطفية.
ويمكن أن تختلف الأعراض بمرور الوقت أو تختلف من شخص لآخر.
أعراض الذكريات المتطفلة
قد تشمل أعراض الذكريات المتطفلة ما يلي:
- الذكريات المؤلمة المتكررة غير المرغوب فيها للحدث الصادم.
- إحياء الحدث الصادم كما لو كان يحدث مرة أخرى (ذكريات الماضي).
- أحلام مزعجة أو كوابيس حول الحدث الصادم.
- ضيق عاطفي شديد أو ردود فعل جسدية على شيء يذكّرك بالحدث الصادم.
أعراض التجنب
قد تشمل أعراض التجنب ما يلي:
- محاولة تجنب التفكير أو الحديث عن الحدث الصادم.
- تجنب الأماكن أو الأنشطة أو الأشخاص الذين يذكّرونك بالحدث الصادم.
- التغيرات السلبية في التفكير والمزاج.
أعراض التغيرات السلبية
قد تشمل أعراض التغيرات السلبية في التفكير والمزاج ما يلي:
- أفكار سلبية عن نفسك أو عن الآخرين أو العالم.
- اليأس من المستقبل.
- مشاكل الذاكرة، وضمن ذلك عدم تذكّر الجوانب المهمة للحدث الصادم.
- صعوبة الحفاظ على العلاقات الوثيقة.
- الشعور بالانفصال عن العائلة والأصدقاء.
- عدم الاهتمام بالأنشطة التي استمتعت بها من قبل.
- صعوبة تجربة المشاعر الإيجابية.
- الشعور بالخدر العاطفي.
أعراض التغيرات في ردود الفعل الجسدية والعاطفية
قد تشمل أعراض التغيرات في ردود الفعل الجسدية والعاطفية (وتسمى أيضاً أعراض الاستثارة) ما يلي:
- الفزع أو الخوف بسهولة.
- احترس دائماً من الخطر.
- السلوك المدمر للذات، مثل الإفراط في الشرب أو القيادة بسرعة كبيرة.
- مشاكل في النوم.
- صعوبة في التركيز.
- العصبية أو نوبات الغضب أو السلوك العدواني.
- شعور بالذنب أو الخجل.
أعراض اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال
أما بالنسبة للأطفال بعمر 6 سنوات وأصغر، فقد تشمل العلامات والأعراض أيضاً:
إعادة تمثيل الحدث الصادم أو جوانب الحدث الصادم من خلال اللعب.
الأحلام المخيفة التي قد تتضمن أو لا تتضمن جوانب من الحدث الصادم.
علاج اضطراب ما بعد الصدمة
عندما تكون مصاباً باضطراب ما بعد الصدمة، قد تشعر بأنك لن تستعيد حياتك أبداً، لكنها حالة يمكن علاجها، إذ يمكن أن يعمل العلاج النفسي والأدوية على المديَين القصير والطويل بشكل جيد للغاية، أما أنواعه فهي وفقاً لما ذكره موقع WebMD الطبي:
علاج نفسي لاضطراب ما بعد الصدمة
علاج اضطراب ما بعد الصدمة له 3 أهداف رئيسية:
- تحسين الأعراض الخاصة بك.
- تعليمك مهارات التعامل معه.
- استعادة احترامك لذاتك.
تندرج معظم علاجات اضطراب ما بعد الصدمة تحت مظلة العلاج السلوكي المعرفي، والفكرة هي تغيير أنماط التفكير التي تزعج حياتك، قد يحدث هذا من خلال التحدث عن صدمتك أو التركيز على مصدر مخاوفك.
اعتماداً على حالتك، قد يكون العلاج الجماعي أو الأسري خياراً جيداً لك بدلاً من الجلسات الفردية.
علاج المعالجة المعرفية لاضطراب ما بعد الصدمة
علاج المعالجة المعرفية هو دورة علاجيةٌ مدتها 12 أسبوعاً، مع جلسات أسبوعية من 60-90 دقيقة.
في البداية، ستتحدث عن الحدث الصادم مع معالجك وكيف أثرت أفكارك المرتبطة به على حياتك، ثم ستكتب بالتفصيل عما حدث.
تساعدك هذه العملية على فحص طريقة تفكيرك في الصدمة واكتشاف طرق جديدة للتعايش معها.
على سبيل المثال، ربما كنت تلوم نفسك على شيء ما سيساعدك معالجك على أن تأخذ في الاعتبار كل الأشياء التي كانت خارجة عن إرادتك، حتى تتمكن من المضي قدماً، وفهم وقبول ذلك، في أعماقك، لم يكن خطأك، على الرغم من الأشياء التي قمت بها أو لم تفعلها.
علاج التعرض المطول لاضطراب ما بعد الصدمة
إذا كنت تتجنب الأشياء التي تذكّرك بالحدث الصادم، فسوف يساعدك علاج التعرض المطول على مواجهتها، ويستغرق من 8 إلى 15 جلسة، عادةً ما تكون مدة كل جلسة 90 دقيقة.
في وقت مبكر من العلاج، سيعلّمك المعالج الخاص بك تقنيات التنفس؛ لتخفيف قلقك عندما تفكر فيما حدث.
لاحقاً، ستضع قائمة بالأشياء التي كنت تتجنبها وتتعلم كيفية مواجهتها، واحدة تلو الأخرى.
في جلسة أخرى، ستروي التجربة الصادمة لمعالجك، ثم تعود إلى المنزل وتستمع إلى تسجيل صوتي لنفسك.
قد يساعدك القيام بذلك على أنه "واجب منزلي" بمرور الوقت، على تخفيف الأعراض.
الأدوية لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة
تعالج أدمغة الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة "التهديدات" بشكل مختلف، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن توازن المواد الكيميائية المسماة بالناقلات العصبية لا يعمل.
وبالتالي فإن استجابة وضعية "قتال أو هروب" عند المصابين يتم تشغيلها بسهولة، وهو ما يجعلهم متوترين طوال الوقت، وقد يؤدي الشعور المستمر بهذا المرض إلى الشعور بالبرودة العاطفية والعزلة.
تساعدك الأدوية على التوقف عن التفكير في ما حدث والتفاعل معه، وضمن ذلك الكوابيس والذكريات الماضية.
كما تساعدك في الحصول على نظرة أكثر إيجابية للحياة والشعور بأنك "طبيعي" مرة أخرى.
فيما تؤثر عدة أنواع من الأدوية على الكيمياء الموجودة في دماغك والمتعلقة بالخوف والقلق.
متى ترى الطبيب؟
إذا كانت لديك أفكار ومشاعر مزعجة بشأن حدث صادم لأكثر من شهر، أو إذا كانت شديدة، أو إذا كنت تشعر بأنك تواجه مشكلة في إعادة السيطرة على حياتك، فتحدَّث إلى طبيبك أو أخصائي الصحة العقلية، يمكن أن يساعد الحصول على العلاج، في أسرع وقت ممكن، في منع تفاقم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.