توصي منظمة الصحة العالمية البالغين بممارسة نشاط بدني معتدل لـ150 دقيقة على الأقل أسبوعياً، و60 دقيقة يومياً للمراهقين والأطفال، ولأن الكثير منا لا يمارسون التمارين بالشكل الكافي، قد نتجه إلى استخدام أجهزة تتبع اللياقة البدنية لمتابعة تقدمنا وحركتنا، لكن لأي مدى تصل دقة أجهزة تتبع اللياقة البدنية؟
إجابة هذا السؤال تعتمد على وظائف أجهزة تتبع اللياقة البدنية من مراقبة السعرات الحرارية المحروقة، وعدّ الخطوات، وقياس معدل ضربات القلب، وغيرها من المزايا التفصيلية مثل عداد القضمات/اللقمات" لمراقبة ما تأكله، ومراقبة مدة وجودة النوم، وحتى طريقة التنفس.
ما مدى دقة أجهزة تتبع اللياقة البدنية؟
أولاً؛ حساب السعرات الحرارية:
رغم تشكيك بعض الباحثين، لكن من المفترض أن كل نشاطٍ تُمارسه يُؤدي إلى زيادة عدد السعرات الحرارية التي تحرقها، وتقيم أجهزة تتبع اللياقة البدنية معدل النشاط والحركة حتى تتمكن من احتساب إجمالي السعرات الحرارية المفقودة.
هنا يكون السؤال: هل تقيس أجهزة تتبع اللياقة البدنية معدل النشاط والحركة بدقة؟ الإجابة وردت في نتائج بحث نشرته دورية British Journal of Sports Medicine، وهي أنّ أجهزة التتبع التي يتم ارتداؤها على المعصم أو الذراع لقياس نفقات الطاقة تتفاوت دقتها بحسب المهمة التي تؤديها، فحين تكون حركة الجسم هي العامل الوحيد الذي يجري قياسه، يصير جهاز التتبع أقل دقةً عند مقارنته بالأجهزة الأخرى التي تُراقب معدل ضربات القلب أو حرارة الجسم.
لكن مساحة الخطأ تظل بسيطة وتصل لـ10% في بعض الأجهزة عند قياس السعرات الحرارية المفقودة، فأثناء قياس التمارين الهوائية، تميل أجهزة التتبع للمبالغة في قياساتها عندما تتمرّن بوتيرةٍ بطيئة، بينما تبخس قدر التمرين حين تكون الوتيرة أسرع. أما في حالة التمارين اللاهوائية، فعادةً ما تقلل أجهزة التتبع من كمية الطاقة المستهلكة، حسب تقرير نشرته دورية International Journal of Environmental Research and Public Health بالعام 2019.
وفي دراسةٍ أخرى لدقة أجهزة التتبع، نشرتها دورية International Journal of Environmental Research العام 2018: "تستطيع الأجهزة الشهيرة قياس معدل ضربات القلب، وعدد الخطوات، والمسافة، ومدة النوم بشكلٍ يُعتمد عليه. ويمكن استخدام تلك القياسات باعتبارها مؤشرات فعالة لتقييم الصحة. لكن قياس استهلاك الطاقة ما يزال غير دقيق بالشكل الكافي. وتختلف أجهزة تتبع اللياقة البدنية لمختلف العلامات التجارية في ما يتعلّق بقياس المؤشرات، كما تتأثر جميعها بحالة النشاط؛ مما يعني أنّ الشركات المصنعة لهذه الأجهزة يجب أن تُحسّن خوارزميات لتُناسب مختلف حالات النشاط".
يمكن القول إنّ ما تفعله تحديداً سوف يُؤثر على مدى دقة جهاز التتبع في تقدير إجمالي السعرات الحرارية المفقودة، كما وصفها موقع Live Science الأمريكي باختصار.
وماذا عن عدّ الخطوات؟
نشرت دورية Journal of Environmental Research and Public Health العلمية دراسةً في العام 2020 سلّطت الضوء على 11 نوعاً مختلفاً من أدوات تتبع اللياقة البدنية -بعضها قابل للارتداء والبعض الآخر يعمل من خلال تطبيقات الهاتف المحمول.
وقد تفاوتت دقة أدوات التتبع في ما يتعلّق بعدّ الخطوات، لكنها كانت أكثر دقة في عد الخطوات بشكلٍ صحيح أثناء المشي السريع، على عكس الأنشطة اليومية والمشي المتقطع الذي يشهد أخطاءً متكررة في احتساب حركات الذراع كخطوات.
كما سلّطت دراسةٌ أخرى نشرتها دورية PeerJ الضوء على أخطاء حساب الخطوات عند السرعات الأبطأ في أجهزة وتطبيقات العام 2020 سواء تلك التي يتم ارتداؤها على المعصم، أو أجهزة التتبع "المخصصة للأبحاث" التي يتم ارتداؤها على الكاحل. وكشفت الدراسة أنّ "كلاهما مناسبٌ لرصد الخطوات عند سرعات مشي مختارة، لدى البالغين الأصحاء، وتحت ظروفٍ مضبوطة. لكن كلاهما يُخطئ في عدّ الخطوات عند المشي بسرعات بطيئة، بينما تُخطئ أجهزة تتبع النشاط الاستهلاكية في عد الخطوات عند المشي بسرعات عالية أيضاً".
كما رصدت دراسةٌ أخرى، نشرتها دورية PLoS One بالعام 2019، نفس التدهور في دقة العدّ عند المشي المتقطع أو المشي بسرعات بطيئة. ومع استخدام أجهزة تتبع اللياقة البدنية الآن لمراقبة معدل نشاط مرضى القلب، الذين عادةً ما يحتاجون لفترات راحة أثناء المشي. وقد دعا الباحثون لإدخال المزيد من التحسينات على دقة أجهزة تتبع اللياقة البدنية عند قياس هذا النوع من الحركة.
قياس معدل ضربات القلب
أجهزة تتبع اللياقة البدنية الحديثة التي يتم ارتداؤها على المعصم، تقيس معدل ضربات القلب باستخدام مخطط التحجم الضوئي (PPG)، حيث تقوم هذه التقنية البصرية بقياس الكيفية التي يتشتت بها الضوء الذي يدخل جسمك، بينما يتدفق الدم حول الجسم – أو بعبارةٍ أبسط: تستطيع المستشعرات "رؤية" معدل ضربات قلبك.
إذ يحتوي الجزء الخلفي من جهاز التتبع على أضواء الثنائي الباعث للضوء (LED)، التي تُرسل موجات الضوء إلى جلدك. وتقوم تقنيةٌ أخرى في الجهاز، تُدعى مستشعر الضوء، بكشف الضوء الذي يرتد عن معصم الشخص الذي يرتديه. ثم يجري تحويل ذلك الضوء إلى معلومات يمُكن لخوارزميات الجهاز أن تُحلّلها لتحديد معدل ضربات قلبك.
لكن إلى أي مدى تصل دقة أجهزة تتبع اللياقة البدنية في قياس معدل ضربات قلبك؟ وجدت دراسةٌ نشرت نتائجها دورية Digital Health بالعام 2018 أن هذه الأجهزة جيدةٌ في تقدير معدل ضربات القلب الإجمالي. لكن التقرير نفسه كشف عن تفاوتٍ كبير في الدقة بين الأجهزة المختلفة.
في حين وجدت دراسةٌ نشرتها دورية JMIR mHealth and uHealth عام 2020 أنّ أجهزة مراقبة معدل ضربات القلب البصرية "تُنتج عادةً قراءات دقيقة لمعدل ضربات القلب، بغض النظر عن عمر المستخدم". لكنها حذّرت من الاعتماد الكامل على نتائج تلك الأجهزة، مضيفةً: "تميل هذه الأجهزة أحياناً لإنتاج قراءات خاطئة ومبالغ فيها، مما قد يُسيء تفسير حدة التمرينات في الوقت الفعلي. وبالتالي يجب أن تركز الدراسات المستقبلية على معدل حدوث تلك الأخطاء، لأن ذلك سيفيد على الأرجح في تطوير نماذج معدلة من مستشعرات معدل ضربات القلب".
إذا اخترت الساعات الذكية.. كيف تحقق أكبر استفادة ممكنة؟
بما أن الساعات الذكية تعد من أجهزة اللياقة البدنية الأكثر انتشاراً، كيف تضمن أن تحقق أكبر استفادة ممكنة عند استخدامها؟
1- التوافق مع الهاتف
نشرت صحيفة The Washington Post الأمريكية موضوعاً مطولاً يسرد مزايا الساعات الذكية بناءً على ما تقدمه الشركات المختلفة، سواء آبل أو جوجل أو سامسونغ وغيرها من الشركات، وكانت الميزة الأولى التي أشارت إليها الصحيفة هي التوافق.
إذ يمكن لمستخدمي آيفون، على سبيل المثال، استخدام ساعات آبل أو حتى ساعات مثل Fitbit Sense وطرازات Forerunner من Garmin، لكن التوافق ليس ميزة من كل الهواتف لكل الساعات والعكس، فمثلاً هواتف آيفون لا تتوافق مع أحدث إصدار من نظام التشغيل Wear OS من جوجل، وهواتف سامسونغ وأنظمة أندرويد لا تتوافق مع ساعات آبل، لكن مع هذا التوافق مع الهواتف، وأيضاً ملازمة الساعات لنا طيلة الوقت، قد يكون من المهم اهتمامك بأمر الخصوصية وتتبُّع معلومات صحتك الشخصية.
2- متابعة الإشعارات بسرعة
تساعد الساعات المتوافقة مع الهواتف في الاطلاع على الرسائل والمكالمات والإشعارات إذا كنت لا ترغب في إمساك هاتفك الذكي بيدك، حتى إنه بإمكانك التفاعل معها بشكلٍ جيد. لكن مع كثرة الإشعارات قد يشعر الآخرون بالانزعاج في حال نظرت إلى ساعتك، فقد يظنون أنها إشارة إلى حسابك وقت حديثك معهم، أو أيضاً قد يكون مزعجاً لك كمُّ الإشعارات التي تصل لمعصمك، وإن كان يُمكن ضبط هذا الأمر بسهولة (غالباً من الإعدادات/Settings داخل تطبيق الساعة ثم الإشعارات/Notifications ثم إلغاء تفعيلها).
3- تتبُّع التمارين الرياضية
توفر معظم الساعات الذكية ميزة متابعة أنشطتك الرياضية، ففي ساعات آبل يُمكنك حساب عدد الخطوات والتمرينات والوقوف، ومتابعة التمرينات المختلفة، ومدة التمرين، ومعدل ضربات القلب، ومقدار حرق السعرات الحرارية، وتقدم ساعات غلاكسي ميزة إضافية بتقديم إرشادات حول كيفية أداء التمرينات بطريقة سليمة، مع حساب عدد مرات التمرين.
4- متابعة نبضات قلبك
أدخلت العديد من الشركات مجموعة من المستشعرات والخصائص المتطورة في ساعاتها الذكية؛ لمساعدتك في متابعة حالتك الصحية، مثل المستشعر البصري لضربات القلب الذي يستخدم الضوء بشكل أساسي لقياس تدفُّق الدم وعرض مدى سرعة ضربات قلبك، وهو متوافر في ساعات آبل وغلاكسي من سامسونغ، وكل ساعات Forerunner الذكية من Garmin، والساعات Versa 2، وVersa 3 وSense من Fitbit.
أيضاً توفر بعض الساعات مستشعراً كهربائياً لضربات القلب يُستخدم في التخطيط الكهربي للقلب والمساعدة في رصد أي عدم انتظام في ضربات القلب، ويتوافر في ساعات آبل المجموعة 4–6، وساعات Galaxy الإصدار Active 2، و3 و4 من سامسونغ، والساعة Fitbit Sense.
5- متابعة مقدار الأوكسجين
الساعات ذات المستشعر البصري لضربات القلب مثل ساعة آبل المجموعة 6 و7، وساعة Galaxy الإصدار 3 و4 من سامسونغ، والساعة Fitbit Sense يمكنها المساعدة في معرفة مقدار تشبُّع الدم بالأوكسجين، الذي يكون في الأشخاص الأصحاء بين 90 و100، ونقصانه بدرجة كبيرة يحتاج استشارة عاجلة للطبيب.
6- متابعة النوم
قد تتمكن الساعة الذكية من مساعدتك في فهم ومتابعة نومك، إذ تتابع مقدار ما تنامه، وتتتبّع معدل تنفُّسك خلال الليل، وقد تقيس مستويات الأوكسجين في الدم أثناء النوم، حتى إنها تحاول قياس مقدار الوقت الذي تقضيه في مختلف مراحل النوم (خفيف أو عميق أو حركة العين السريعة) ومنحك "درجة" لجودة النوم في الصباح، إضافة إلى بعض النصائح حول كيفية تحسين تلك الدرجة.
كما توفر بعض الساعات مثل Fitbit Sense وضعية "الإيقاظ الذكي" التي توقظك قبل موعد المنبه بـ30 دقيقة إذا رصدت أنك لا تنام نوماً عميقاً، وفي ساعات مثل Galaxy Watch 4 من سامسونغ يُمكن رصد الشخير. هذه المعلومات قد تكون كافية لرصد ما إذا كان الشخص يعاني من اضطرابات بالنوم، أو توقُّف التنفس أثناء النوم.
لكن هذا يستدعي ضبط إعدادات الساعة بشكل جيد والتأكد من البيانات التي ترصدها، وشحنها قبل النوم؛ حتى لا تفصل في أثناء النوم، وأيضاً من المهم ضبط الإشعارات ومنع وصولها في أثناء الليل أو استخدام الوضع الليلي؛ حتى لا تكون الساعة سبباً في إيقاظك.
7- رصد السقوط واستدعاء الطوارئ
كل الساعات الذكية قريباً مزودة بمستشعرات تسمى "مقاييس التسارع" لقياس الحركة، ولكن عدداً قليلاً من تلك المستشعرات يمتلك القدرة على إخبارك عندما تتعرض لسقوط قوي. وعندما ترصد الساعة المزودة بتلك الخاصية حالة سقوط، تمنحك خيارات للاتصال بخدمات الطوارئ أو بأشخاص معينين في قائمة الاتصال لديك، وتتوافر الخاصية في ساعات آبل المجموعة 4 والإصدارات الأحدث، وفي ساعات Galaxy الإصدار Active 2، و3 و4 من سامسونغ.
لكن فيما يخص المزايا الصحية، لم تعتمد كلها من هيئة الغذاء والدواء، وبالطبع جميعها ليست بالتطور نفسه في تقديم قياسات دقيقة.