قبل نحو مئة عام، غيّر 4 رجال وبضعة كلاب مجرى التاريخ، عندما تمكنوا من اكتشاف الأنسولين الذي لم يكن رائعاً لمرضى السكري وحسب وإنما كان دليلاً على فكرة أنه إذا فهمت علم المرض يمكنك تطوير الأدوية لعلاجه.
فمن هؤلاء الرجال الـ4، وكيف تمكنوا من اكتشاف الأنسولين؟
قصة اكتشاف الأنسولين
كان الكندي فريدريك بانتينج جراح عظام غير معروف، يجهز نفسه في عام 1920 لتحضير محاضرة يلقيها في كلية الطب عن البنكرياس والسكري.
في حين كان جون ماكلويد- وهو الرئيس التاسع للجمعية الفسيولوجية الأمريكية- غير مهتم إطلاقاً بما يفعله بانتينج حول مرض السكري، لكنه لسبب ما، سمح له باستخدام معمله لإجراء أبحاثه من أجل المحاضرة، كما سمح له بالاستعانة بمساعده الطبيب تشارلز هربرت بيست.
وفقاً لصحيفة Physiology، قام ماكلويد أيضاً بإعطاء بانتينج وبيست، 10 كلاب لإجراء أبحاثهما عليها.
في غضون بضعة أشهر، قام بانتينج وبيست بعزل الأنسولين من الكلاب وأظهرا أنَّ حقن الأنسولين يمكن أن يعكس ارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم.
بينما ساعدهم الكيميائي الحيوي جيمس كوليب على تنقية مستخلص الأنسولين الناتج من المواشي والكلاب حتى يمكن استخدامه لعلاج مرض السكري لدى البشر.
قدَّم الفريق نتائجهم إلى مجتمع أبحاث مرض السكري الأوسع لأول مرة في 30 ديسمبر/كانون الأول 1921، ولم يبدأ استخدامه حتى عام 1922.
بدء استخدام علاج الأنسولين
قبل اكتشاف الأنسولين في عام 1921، لم يعش مرضى السكري فترة طويلة؛ لم يكن لدى كثير من الأطباء ما يمكن أن يفعلوه لهم.
كان العلاج الأكثر فعالية هو جعل مرضى السكري يلتزمون بوجبات غذائية صارمة للغاية مع الحد الأدنى من تناول الكربوهيدرات، وهو أمر كان يعطي المرضى بضع سنوات إضافية لحياتهم، ولكنه لا ينقذهم من المرض.
كما كان بعض الأطباء يجعلون مرضاهم يلتزمون بنظم غذائية قاسية، بعضها يحتوي على أقل من 450 سعرة حرارية في اليوم، ما تسبب أحياناً في موت المرضى جوعاً.
في يناير/كانون الثاني 1922، أصبح ليونارد طومسون، وهو صبي يبلغ من العمر 14 يعاني من مرض السكري وينام بشكل دائم في مستشفى تورونتو، أول شخص يحصل على حقنة الأنسولين.
في غضون 24 ساعة، انخفضت مستويات الجلوكوز في الدم، المرتفعة بشكل خطير لدى ليونارد، إلى مستويات شبه طبيعية، وفقاً لما ذكرته الجمعية الأمريكية للسكري American Diabetes Association.
بعد هذا النجاح الباهر انتشرت الأخبار عن الأنسولين حول العالم كالنار في الهشيم، الأمر مهَّد لبانتينج وماكلويد للحصول على جائزة نوبل في الطب عام 1923.
صناعة الأنسولين في الشركات وتطويره من قبل البشر أنفسهم
بعد فترة وجيزة، بدأت الشركة الطبية Eli Lilly إنتاج الأنسولين على نطاق واسع، ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يكون هناك ما يكفي من الأنسولين لإمداد قارة أمريكا الشمالية بأكملها.
في العقود التالية، طوَّر المصنِّعون مجموعة متنوعة من الأنسولين مأخوذة من بنكرياس الكلاب والماشية والخنازير من قِبل شركة Novo Nordisk Pharmaceuticals.
استُخدمت هذه الأنواع لسنوات عديدة لعلاج مرض السكري وأنقذت حياة الملايين، لكنها لم تكن مثالية؛ إذ تسبب في ردود فعل تحسسية لدى كثير من المرضى.
في عام 1978، تم إنتاج الإنسولين البشري المعدل وراثياً لأول مرة باستخدام بكتيريا الإشريكية القولونية لإنتاج الأنسولين.
فيما بدأت شركة Eli Lilly في عام 1982، بيع أول أنسولين بشري صناعي حيوي، متاح تجارياً تحت الاسم التجاري Humulin.
اليوم يأتي الأنسولين بأشكال عديدة، بدءاً من الأنسولين البشري العادي المطابق لما ينتجه الجسم بمفرده، وصولاً إلى الأنسولين فائق السرعة وطويل المفعول.
وبفضل عقود من البحوثات العلمية، أصبح بإمكان الأطباء اختيار ما يحتاجه مرضاهم المصابون بداء السكري من بين مجموعة متنوعة من أنواع الأنسولين.
الاكتشاف الذي أشعل ثورة في عالم الطب
حتى وإن كان فضل اكتشاف الأنسولين يُنسب بشكل أكبر إلى الطبيبين فريدريك بانتينج وجون ماكلويد، فإن للمساعدَين الآخرَين جيمس كوليب وتشارلز هربرت بيست دوراً أيضاً في هذا الاكتشاف، فقد عمِل الرجال الـ4 على إشعال ثورة في الأساس العلمي للطب.
ويقول البروفيسور دانيال دراكر، وهو أستاذ طب في جامعة تورونتو الكندية: "إذا رجعنا 100 عام إلى الوراء، فلن نتمكن حقاً من معالجة السبب الكامن وراء المرض، باستخدام الطب".
وأضاف: "لم يكن اكتشاف الأنسولين مفيداً لمرضى السكري وإنما قدَّم لنا دليلاً على فكرة أن الأطباء في حال فهموا المرض فإن بإمكانهم تطوير دواء لعلاجه".
والأنسولين هو هرمون ببتيدي، يتم إنتاجه وإطلاقه بواسطة خلايا بيتا في جزر البنكرياس، والتي تعمل على ضبط عملية التمثيل الغذائي للكربوهيدرات والدهون والبروتينات التي تحفز امتصاص الجلوكوز من الدم إلى خلايا الدهون والكبد والعضلات الهيكلية.
كما أن اكتشافه ساهم في إنقاذ ملايين الأشخاص المصابين بمرض السكري حول العالم.