بلا شك الحياة في مجموعات أجمل وألطف، وتستطيع من خلالها أن تستشعر قوتك حين تضعف، فكل فرد يكمل الآخر ويجبر نواقصه بقدراته، فبالمجموعة تستطيع الصبر على الحياة ومواجهة الواقع، ولكن في منظومة الزواج لكي يزدهر يجب على طرفيه أن يكون كل منهما لباساً للآخر ولا يدخل بينهما إنسان، الخصوصية من أهم أسس الحياة الزوجية، ومن أبرز أسباب تكدير العلاقات التداخل والتشابك لأحدهم بين الزوجين.
قد يكون هؤلاء "الآخرون" هم الأم والأب للزوج أو الزوجة! قد يكونون الإخوة والأخوات، قد تكون الزوجة الأخرى في حالة التعدد، وفي كل هذه الأحوال الزواج الذي به أطراف كثيرة ينذر للأسف بأعاصير وزوابع قد لا يتحملها الطرفان فيبوء بالفشل.
من ناحية "بيت العيلة" رغم تصورنا أنه سيساعد في أول الحياة ويقوم بالتيسير على الطرفين، نجدهم يضعون تحديات أكبر عليهما، الزوجان يحتاجان للتناغم في احتياجاتهما، فيجدان أنفسهما مضطرين للتناغم مع احتياجات كل من حولهم، فلا تنمو بينهما القاعدة الراسخة المتينة في فهم بعضهم البعض، لأن هناك من هو رضاه في المقام الأول.
وهذا بلا شك يضع ضغوطاً كثيرة على الطرفين، ويؤدي لكبر الفجوة بينهما، ولهذا فالحدود هامة جداً في العلاقة الزوجية، يجب أن يكون للزوج والزوجة إطار خاص بهما وحدهما، مساحة خاصة يجتمعان فيها على كل الأصعدة دون تداخل أو سيطرة من أحد عليها.
فلا يجب أن يطلع أحد على خصوصيات البيت وأسلوب إدارة الطرفين لعلاقتهما، فكم هي الأمثلة العجيبة التي نسمع عنها في سيطرة أم الرجل على مصروف البيت والقيام هي بشراء المستلزمات كلها!
وكم هو عجيب أن يكون أبو الزوجة هو الذي يقرر لها ماذا تفعل وكيف تفعله وكأن زوجها ليس موجوداً، والأعجب نظر الإخوة والأخوات لتفاصيل المصروفات فقط لأنهم بنفس البيت، مع عدم وضع حدود صارمة لكي لا يعلم خصوصياتهم أحد.
الحقيقة نجد أن يكون للزوجين بيت مستقل مستأجر أفضل من بيت ملك في وسط العائلة، السكن في مجموعة يتطلب الكثير من التقوى وتحكيم شرع الله والعمل بالأخلاق الطيبة، وكم شح هذا في زمننا، وفرغت البيوت من هذه الخصال وصار انتصار الأنفس هو الديْدن، وصار الزوجان في مهب ريح رضا كل من أعطى لنفسه صك التدخل في حياتهما لأنها ملك له، "ربيته وتعبت فيه، ابني بتاعي" وإلى آخره من أوضاع للأسف مليئة بالاعتمادية المسيطرة، وبها الكثير من الإجحاف لرغبة الزوجين في الحياة، فيصيرا متزوجين من العائلة قولاً واحداً، وينسيان لمَ قد تزوجا في المقام الأول!
فهنا تكمن أهمية الخصوصية، والحديث الإيجابي الصحي المتواصل بينكما لكي تقتربا لبعض وتضعا حدوداً تناسبكما سوياً، وإن استطعتما الانفصال بعيداً عن بيت العائلة فهذا أفضل وأصلح، وإن لم تستطيعا فحددا التداخل معه بحدود صارمة، بالأصول والواجب، وبما يناسب قدراتكما، فحياة الزوجين تحتاج للكثير من الصبر والحكمة والمودة والرحمة، فأنْ يكون بينهما العديد من الناس يجعل تقاربهما شبه مستحيل، فلكل رجل قوامة على بيته، مع بر الطرف الآخر، والحفاظ على الحدود، وعلاقتكما سوياً هي الأولوية.
أمك برها أولوية، ولكن حين تسيطر على علاقتك بزوجتك يكون واجبك أنت وضع الحدود بكياسة وبما تفهمه عن طبيعتها، وهكذا إن كانت الزوجة الأولى فعلاقتك بها أولوية لكن بعيداً عن علاقتك بزوجتك الثانية، لا تجعل لإحداهما أولوية على الأخرى، وإن تعارضت رغباتهما، فعليك بالفصل والبت بالعدل في حق كل منهما بعيداً عن الأخرى أيضاً، فلا يجب أن يتنازل طرف ليرضى طرف آخر أبداً.
وللزوجة، لا تجعلي لأمك سلطاناً على حياتك بكثرة الحديث عن مشاكلك، فأنت تنسين له وهي قد لا تنسى، فأشركيها فيما لا يضر بحياتك، تعلمي منها بشكل عام، اسأليها رأيها بعموم الأمور لا بخواص المشاكل، كيف أتودد لزوجي؟ إلخ، من هذه الأسئلة التي يشبع رغبتها دون أن يجعلها تتدخل بينكما.
ولزوجك الأولوية فلا تطيعي والدك على حساب زوجك، وتعلمي الحكمة؛ استرضي أباكِ دون الركون لأمره، وتقوى الله هي المنجاة في كل هذه الحقوق المتداخلة، وكلما زادت الخصوصية قلَّت المشاكل، ونسأل الله أن يجعل بيوت المسلمين سكناً ويبعد عنها نزغ الشيطان، ولْنتقِ الله ونصبر ونعطِ كل ذي حق حقه، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.