نعيش في عصر متسارع، التطورات فيه تتم باللحظة، هذا التطور الذي سيجعلنا نبلغ المستقبل ونحن نتحكم بكلّ شيء تقريباً داخل عالمنا. يشير الحديث عن الحياة المستقبلية إلى أن الجنس البشري ربما سيستطيع أن يخلّد من خلال ثورة تكنولوجيا يمكنها أن تحدث فارقاً جذرياً في كل شيء.
على سبيل المثال، قبل ما يقرب من عام كشف الملياردير "إيلون ماسك" النقاب عن شريحة كمبيوتر بحجم قطعة معدنية سوف يتم زرعها داخل العقل البشري، وقد تساعد، في المستقبل، في علاج حالات مثل الخرف ومرض الشلل الرعاش وإصابات الحبل الشوكي.
وقال ماسك في بث عبر الإنترنت إن "الأمر يشبه وجود جهاز تتبع في جمجمتك موصول به أسلاك متناهية الصغر"، مشيراً إلى أن هذه الشريحة يمكنها قراءة كلّ أنشطة الدماغ، فضلاً عن المواد الكيميائية، ما يجعلها قادرة على التخطيط وتوقع الوظائف الخاصة بالشخص، كما تتيح المنطقة التي سيتم فيها زرع الشريحة معالجة بعض مشاكل السمع والبصر فضلاً على بعض المشاكل النفسية، كما أنه من الممكن مستقبلاً أن تعالج العديد من الأمراض المتعلقة بالأعصاب، كما يمكن من خلال هذه الشريحة التواصل مع الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وغيرها، مما ستجعل عقلك مرتبطاً بكل شيء حولك.
ويهدف ماسك، على المدى البعيد، إلى الوصول إلى ما يصفه بـ"الإدراك البشري الخارق"، لمواجهة تفوق الذكاء الاصطناعي الذي يعتقد أنه قد يدمر الجنس البشري.
الأمر أشبه بحلقة "The Entire History of You" ضمن أحداث مسلسل "Black Mirror" والذي يعرض من خلال حلقات منفصلة مدى تأثير التكنولوجيا على الجنس البشري في المستقبل، كما يمكنك أن ترى تأثير هذه الشريحة من خلال الفيلم المصري الكوميدي "اللمبي 8 جيجا".
طبعاً وفقاً لمسطرة المنطق لا يمكننا أن ندرك شكل الحياة في المستقبل البشري، مهما حاولنا تخيل الأمر، كما لو أتيح لأسلافنا من العصور الماضية أن ينظروا إلينا الآن وما قد توصلنا لهُ نحن سكان الأرض الحاليين من تطور التكنولوجيا، حتماً سيرون أننا سَحرة ومشعوذون، فكيف سننظر نحن إلى من سيخلفنا بعد قرنٍ من الآن؟ على الأرجح، سوف نعتبرهم أشبه بآلهة الإغريق، وسوف يعطينا العلم الوسائل التي نستطيع بواسطتها تشكيل الحياة على النحو الذي نتصوره.
عندما ننظر إلى المستقبل، يمكننا أن نرى الخطوط العريضة للكيفية التي سيغيّر بها العلم طبيعة الحياة، لكن يبقى السؤال هل سيتاح لنا الوقت الكافي لتحقيق هذا التطور التكنولوجي الذي سيغيّر شكل الحياة البشرية؟
حتماً لا.. فأظن أن عالمنا قد أوشك على الانتهاء، من خلال الكوارث الطبيعية التي لو لم يستطع العلم التغلب عليها، ستكون هي السبب الرئيسي في انقراض الجنس البشري، كما حدث قبل 66 مليون سنة من انقراض للديناصورات نتيجة سقوط كويكب فضائي على الأرض (حسب إحدى الفرضيات).
والآن تشير بعض الأنباء إلى أن هناك كويكباً يطلق عليه "أبوفيس" على اسم إله الفوضى والظلام عند قدماء المصريين، عملاق يقترب من الأرض والذي يعادل حجم الخراب الناتج عنه لحظة ارتطامه بالأرض تأثير ما يعادل مليار قنبلة نووية كالتي ضربت هيروشيما في الماضي، والذي من المتوقع اصطدامه عام 2029، ويحاول علماء الفضاء تحديد مسار هذا الكويكب للتغلب عليه، قبل الموت المحتوم.
ومن ضمن هذه الكوارث التي تهدد شكل الحياة ظاهرة الاحتباس الحراري، والأمراض والأوبئة التي يتعرض لها البشر، و"كوفيد 19″ أكبر دليل على عجز البشر عن وجود حلول سريعة وجذرية لإنقاذ الجنس البشري من أي خطر مفاجئ.
اليوم، حيث نحدّق في المستقبل، نرى أن الأحداث التي وقعت قبل خمسة وسبعين ألف عام قد تكون بروفة لكوارث مستقبلية، بمقياس عشرات السنين، نحن نواجه تهديدات ليست طبيعية، ولكنها من صنع أيدينا إلى حدّ كبير، بسبب حماقتنا وقصر نظرنا.
نحن نواجه خطر الاحترار العالمي عندما ينقلب علينا الغلاف الجوي للأرض ذاتها، نواجه خطر الحرب الحديثة حيث تنتشر الأسلحة النووية والمعارك السيبرانية في بعض أكثر مناطق الأرض بُعداً عن الاستقرار، نواجه خطر الأسلحة الجرثومية والتي يمكنها أن تنتقل من خلال سَعلةٍ أو عطسةٍ، والتي يمكنها أن تمحو أمماً كاملة من الجنس البشري.
ويبقى السؤال ذاته هل سيستطيع البشر الحفاظ على جنسهم من الانقراض، أم ستنقلب الأرض على الإنسان نتيجة حماقته؟
مع مرور الوقت أصبحت أدرك أن أسوأ ميزة تميز بها الإنسان هي الفضول، الفضول إلى دفع النبي آدم ليأكل من الشجرة المُحرمة ونزوله إلى الأرض، ومنذ ذلك الحين وفضول الإنسان كان كفيلاً بخلق الأسباب التي تعبث بأي توازن طبيعي موجود على الأرض، بداية من العلاقات الإنسانية والفتن مروراً بنظام الكون والتدخل في أمور عديدة أدّت إلى فساد الحياة وظهور الأمراض والصراعات والحروب.
أعرف أن البعض يرى هذا الكلام مُبالغاً فيه، لكن مع هذا التطور اللحظي أصبحت على يقين أننا سوف ندفع ثمن فُضولنا هذا قريب جداً.
الإنسان يُدرك حجم الضعف داخله، ومساحة الاحتياج الذي يسعى دائماً إلى تحقيقها، وهذا ما يدفعنا إلى خلق عادات تساعدنا على قتل الوقت لتجعلنا نشعُر أننا ما زلنا على قيد الحياة.
لا يمكننا أن نفعل ذلك من دون خداع أنفسنا، فمن الصعب جداً إقناع أنفسنا أنّه لا جدوى من كلّ ما نعيشهُ. استنتاجي أن الشيء الوحيد الذي يمكننا الاعتماد عليه هو تشتيت العقل، لنحظى بلحظات لا نواجه فيها الواقع.
المشكلة تكمن في محاولاتنا المُستمرة في إدراك الغيب بعقولنا، وما سنصبح عليه بعد سنة أو عشر سنوات، وهذا ما يجعلنا نتخبط في ظلمات الضلال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.