هل سألت نفسك يوماً إن كنت حُراً فعلاً؟! ولا أُعني بهذا كونك حُراً في الذهاب والمجيء أو القيام والقعود، هذه حقوقك لا مفر منها، ولكن سؤالي: هل تشعر بداخلك أنك حرٌّ بحق؟
الحرية: كلمة طالما سعى وراءها الجميع من أصغر مفكر حتى أكبر مجرم، الدافع الأوحد الكامن وراء كل أفعالنا ومساعينا، أن تكون حُراً مُستقلاً. فيظن الطفل الصغير أن حريته في أن يسهر ليله أمام التلفاز دون أن يأتي أبوه موبخاً، ويظن الشاب أن حريته في كونه شاباً يفعل ما يشاء أينما شاء دون أن يتدخل أحدٌ بكونه على حق أم لا، وتظن الفتاة أن الحرية أن تتحرر من العادات القديمة وتُنشئ لها بيتاً يناسب طبيعتها وشخصيتها الخاصة، المهم ألا يتحكم بها أي قيد حتى إن كان ذلك القيد هو زمامها، ويكبر الجميع ويصيرون شيوخاً، وحينها ما الحرية التي كانوا يبحثونها حقاً؟ بعد أن حققوا كل الرغبات وتمتعوا بكل الملذات؟ هل كانت هذه الحرية؟ وهل الحرية تقتصر على فترات من العمر؟ هل حينما تقل قدرتك على الاستمتاع تتقيد حريتك؟ أم أننا لم نعرف معنى الحرية بعد!
وما وصلت له -حتى الآن- أن الحرية بكل أشكالها، في كل مناحي الحياة، ليست إلا وسيلة، تُتيح لك كل المنافذ لكُل الطرق بكل مشروعيتها -الحق والضلال- وحدك أنت من تقرر أي حُر أنت؟ فإما أن تكون حُراً تتحلى بمسؤولية حريتك التي قد مُنِحت، فتتخذ طريق الحق، وتبحث بحُريتك في نفسك فتعرفها، وتبحث في العالم فيعرفك، وتفهم أن الحرية ألا يستعبدك شيطانٌ لنفسه، ولا يستعبدك الهوى، فلا تُصبح ذلك الساذج الذي ظن أن الحرية أن يسُب ويلعن كل ما شاء ويأتي الفواحش ويشيع الفجور بين الناس ويشارك صوره وهو يمارس حريته المزعومة في أجواء مترفة تجعل البعض يضعها معاييرَ للحرية، الطريقة نفسها التي تجعل للجمال معياراً وللثقافة معياراً وكأن نظرة شخص ما تتابعه الكتلة الغالبة هي التي تحدد المعايير وسياستها حتى إن كان هذا الشخص شيطان يدعي الفضيلة، ولكن هذا موضوع آخر. أجمل بك أن تكون ذلك الحر الذي عرف أنه سيُسأل ماذا قدم بحُريته، فَهَمَّ بمساعدة أُمته، وراح يقول الحق ولم يخشَ لومة لائم، ولما قام يُروح عن نفسه فأمرته بالسوء قَوَّمها بالعفاف وحفظها بالتذمم وبهذا حرر نفسه من نفسه.
المؤسف في الأمر أن الحرية السلبية أصبحت مبرراً لتفشي الأمراض المجتمعية، تجد أمراً ما لا يصح أن ينشأ في مجتمع يحكمه الدين ويحكمه الشرع وتحكمه الآداب الشرقية فتذهب وتنكر الأمر فيأتي أي شخص خرج من بطن أمه بالأمس القريب قائلاً "كل واحد حُر!"، حسناً أيها الجمع الحُر فلتتركوا النساء أحراراً واتركوا الأبناء كذلك أحراراً ولا داعي لأن تدقق أخلاقهم فهم في نهاية الأمر أحرار، بل إن بشرية المرء تُصبح أيضاً مُبرراً، لا يجد المُذنب مبرراً لذنبه فتجده يقول "كلنا بشر وكلنا بنغلط مش مهم".. نعم ليس على هذه الأرض إلا آثم، ولكننا نأثم لنتوب ونعود، لا لكي نخلق الأعذار، لا تكُن شانقاً نفسك بإثمها نعم، ولكن يا أخي أيضاً لا تتركها هكذا فتعود وتأتيك بالإثم ذاته كل يوم فتعتاد الإثم فيمرض قلبك وأعيذك بالله من هذا.
ولكي لا يُساء فهم كلامي من قبل النسوية أن المرأة حريتها في خلع حجابها والخروج والدخول دون إذن الزوج أو الولي عليها أو لا يجب عليها طاعته عموماً، فلا.. إن كلامي يؤكد أن المرأة الحُرة تطيع الزوج ما دام ناصحاً ناضجاً قواماً سوياً أميناً، بل إن كل حريتها تكمُن في طاعة الله ولن تجد بعد الله ولياً ولا حكيماً، وعلى النقيض كذلك فإن الرجل هُنا لا يجب أن يسيء إلى القوامة الذي منحه إياها ربه فلا يأمر بما لا يُطاق، أو يحسب أنه سيد وهي أمته فيطيح بها كيفما شاء بل إن من واجبه تعزيزها وحمايتها من نفسه ثم الناس، بل بالأحرى ما تقتضيه رجولته إن كان رجلاً بحق، فمتى عرف الاثنان الحد الفاصل بين الحرية والهوى كان لهما السلام، ومن هُنا تتأتى لهما الفطرة الحقيقية التي شرعها الله في الخلائق ويُصبحا سكناً من المودة والرحمة.
إن ما يثير الجدل في عقلي دوماً هو موقف علماء اللغة حينما وضعوا التضاد بين الحرية والعبودية، وأنى أجد الحرية نفسها تسوقك لفكرة تستعبدك وتسلبك من نفسك حتى تحققها، وعلى غرار أن العبودية لا تصح إلا لله، كذلك الحرية لا تصح إلا أن تكون في سبيل هدف سامٍ، فمثلاً ها نحن نحب الله فنعبده، ونحب الوطن فنحرره، فما الفارق بين الحب والحب ليكون فارقاً بين العبادة والحرية؟ إننا أحرار لا مفر، ولكن الحرية وسيلة، قد يتوهم بعضنا أن الحرية أن تفعل ما شئت وقتما شئت وهذه حريته في أن يتوهم ما يشاء، ولكن ما الحرية بالنسبة لك حقاً؟
ظني أن الحرية هي أن تجد شيئاً يجعلك أسيراً له تفني فيه، وليست الحرية فقط في الحروب ومجابهة الأعداء وإن كان تحرير الأوطان الأعظم شأناً، ولكنها أيضاً قد تتمثل في رعاية المرأة لبيتها وتنشئة أبنائها، وهذه أيضاً حرب وحب وحرية مهما سخر منها مدعو التحرر.
سيبقى دور المرأة في مجتمعها الذي فطرها الله عليه هو الغاية التي ستأسر قلبها دوماً لتفني حريتها فيه، ما دام هناك من يجعل الأمر عبادة وليس قهراً أو ينظر لها نظرة لا مفر لها أو أنها قد أوقعت برقبتها تحت قدمه وليس لأنها حرة واختارت أن تكون حرة مسؤولة، ولكن أين تذهب هي ممن لقبوها بالمتخاذلة، لأنها تُحب أن تكون ربة المنزل ويدّعون أنهم يحررون المرأة، إذاً فلتتركوها لحريتها التي اختارت! إلا إذا كانت حريتها لا تتماشى مع هواهم ورغبة أنفسهم في انحلالها وخروجها عن المألوف وتخليها عن زمامها لتُرضيهم فقط، فتُرى هذه حرية المرأة أم إذلال لها؟
كُلها أوجه للحرية، أوجه زائفة وأخرى حقيقية، فتَفكر واختر بنفسك أنت معيار حريتك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.