كانا يعيشان في نفس الحيّ، يتقاسمان ذات الظروف، يملكان آمالاً متشابهة ويتشاطران جراحاً متقاربة، انتظرا طويلاً من أرباب السلطة أداء واجباتهما وتوفير وظيفة تليق بشهادتهما، ويبدو أنَّ الانتظار طال وسيطول، فاختار أحدهما أن يبادر للعمل من دون أجر، امتدت هذه الفكرة لتشمل الانضمام لحملات تقوم بتغيير بعض معالم المدينة، وحشّد من حوله لمساعدته في تحسين وضع الزقاق الذي يعيشون فيه، لقد عمل ما عمل بعد أن نفض يديه من المسؤولين عن هذه الخدمات، فشمّر عن ساعديه وسارع إلى فعل الخير، فأصبح نموذجاً يحتذى به واستفاد وأفاد نفسه ودينه ومجتمعه.
لم يكن الفرق بين هذين الصديقين كهذا الفرق الذي كان بين شخصين تذكرهما حكمة مشهورة وهو أن أحدهما كان ينظر من خلف قضبان سجنه إلى السماء والآخر إلى وحل الطريق، بل بذاك الذي تذكره قصة أخرى، وهو الذي أزاح الصخرة بيديه بدل أن يشتمها أو يشتم الذي وضعها في قارعة الطريق، ولم يقم كما قام الكثير بالالتفاف عنها والاتجاه يميناً أو شمالاً أو حتى الصعود من فوقها ليكمل مسيره.
نريد أن نقول إن ليس الفرق بينهما في النظرة الإيجابية للأمور فقط كما نظن، وإن كانت على أهمية، بل بالعمل المترتب عن ذلك المنظار وإن كان المنظر أسود، وبتعبير أدق هو العمل التطوعي الذي قرر صاحبنا أن يضطلع به دون الآخر، ولم يكن ذلك الجهد المبذول سهلاً، وخصوصاً أنه لا عائد مادي سيجنى منه، لكن ذلك كان طريقاً لزيادة خبراته في مجاله واستغلال وقت فراغه وتقديم الفائدة لأبناء مجتمعه، وأيضاً كانت تلك الخدمات سبباً في شعوره بالسعادة والتقرب إلى خالقه كصدقة أو سنّة حسنة يقدمها قربةً له.
يقال: "لن يكون لدينا ما نفعله إذا كان كل شيء في هذا العالم إيجابياً". نعم، فنحن نعيش في عالم يغرق بالسلبية والفساد والظلم وما يترتب عليه من تقصير وإهمال، وهذا الوضع تحديداً هو الذي يحتاج منا إلى الإصلاح ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وبلا شك، ذلك لا يعني الرضوخ للأمر أو الظلم الواقع، بل المطالبة به مع العمل على تحسين الحالة الخاصة أو العامة وإن لم نجد مقابلاً لذلك.
لماذا لا ينخرط شبابنا في العمل التطوعي؟
وبالتفكير قليلاً في سؤال: لماذا لا يضطلع الفرد منّا بأعمال تطوعية تدخل ضمن قدراته أو حتى اختصاصه؟
تلوح لنا عدة إجابات:
الأنانية وحب الذات وتفضيل المصلحة الخاصة على العامة قد تكون سبباً في التقاعس عن هذا العمل. فالكثير من الشباب اليوم لسان حاله يقول: ما شأني، هذا ليس من عملي، ليست تلك المهمة مسؤوليتي… إلخ.
والحق قد يكون معه، فالعديد من الأعمال هي من مهام الدولة والمؤسسات، لكننا إذا انتظرنا تلك المبادرات منها فسنرجع عدة سنوات ضوئية عن ركب الدول المتقدمة مع تراجعنا الواقعي عنها.
ولكي نشجع الشباب على العمل التطوعي علينا بنشر هذه الثقافة وتبيان فوائدها، ونورد بعضاً منها في نقاط باختصار:
– تعزيز الثقة بالنفس بعد استثمار نقاط القوة في الشخصية وتسخيرها في العمل المستهدف وتنمية المهارات واستغلال الفراغ وزيادة الخبرات.
– الظفر بمكانة متميزة بين أبناء المجتمع لمساعدته وإسهامه في تطوره وتقدمه وتحسين صورته ثقافياً أو حتى فنياً.
– ينمّي العمل التطوعي شعور الانتماء والولاء للوطن ويعضّد علاقات الحب والإنسانية بين أفراده.
– الشعور بالسعادة بعد البذل المادي أو البدني أو الفكري في سبيل خدمة الآخرين والتعاون معهم.
– وأخيراً لا ننسى نيل الأجر والثواب، فالنصوص الدينية من آيات قرآنية وأحاديث شريفة تؤكد أهمية السعي في قضاء حوائج الناس ومساعدتهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.