تبدأ كلير ويلسون، وهي صحفية متخصصة في الموضوعات الطبية وسياسات الصحة وعلوم الحياة، وعلوم الأعصاب والعقل البشري؛ مقالها المنشور في موقع مجلة New Scientist البريطاني المتخصص في المنشورات العلمية بقولها:
"في صباح أحد الأيام خلال الشهور القليلة الماضية، رأيت عنواناً صحفياً لإحدى دراسات التغذية أصابني بالإحباط. كان يزعم أن تناول البيض يدفع إلى الإصابة بالأزمات القلبية.
لم ينبع ذلك الشعور من أنني كنت على وشك تناول البيض. بل نظراً إلى أنني صحفية تعمل في المجال الطبي، أدركت أن أصدقائي وعائلتي سوف يسألونني قريباً عن أصل هذا الادعاء. وسوف أحظى بوقتٍ عصيب في الرد على ذلك، بجانب تقديم النصائح لهم بخصوص الطعام المفترض تغييره أسبوعياً".
وتكمل: يعد البيض مثالاً تقليدياً على ذلك. إذ كان البعض يعده طعاماً صحياً من البروتينات والفيتامينات، وهو ما يجعله بدايةً جيدةً لليوم. ولكن في منتصف ستينيات القرن الماضي، استيقظنا جميعاً على مخاطر الكوليسترول؛ فأصبح البيض، الغني بتلك المادة الدُهنية، غير مقبول كالسابق.
برغم ذلك، راجع الخبراء الآراء حول الكوليسترول منذ تقريباً 20 عاماً: إذ توصلوا إلى أن كمية الكوليسترول في غذائنا لم تعد مسألة مهمة، لأنه لا يؤثر بالفعل على مستويات الدم، وبالتالي لا يؤثر على الحالة الصحية للقلب أيضاً. وفي السنوات التي تلت، أصبح من العادي تناول البيض بكثرة من جديد. حتى أوضحت دراسة ظهرت في شهر مارس/آذار عكس ذلك مجدداً، إذ أشارت إلى أن نسبة الكوليسترول في البيض مضرة لصحتنا.
تناقض دراسات التغذية: الاعتماد على دراسة واحدة
تقول كلير إنها أحياناً تتساءل عما إذا كان ينبغي لنا حقاً تصديق كل دراسة تغذية نقرأها عن الطعام. لأن الأمر على النحو الحالي يبدو مبالغاً فيه، لكنه موقف عقلاني على الأغلب. يقول عدد متزايد من العلماء في وقتنا الحالي إن علم التغذية معيب جداً، إذ لا يمكننا حتى تصديق النصائح الأساسية مثل تناول كمية كبيرة من الخضراوات وتجنب الدهون المشبعة. قال البعض في إطار حدود الحس السليم، إن ماهية ما نأكله لن تشكل فارقاً على أية حال. ولكن هل يمكن حقاً أن يكون ذلك صحيحاً؟
عندما بدأت البحث من أجل كتابة هذا المقال، تساءلت عما إذا كان النقاد غير منصفين تجاه هذا الأمر. فلا شك أن وسائل الإعلام تستغل دراسات التغذية التي تظهر بين الحين والآخر وتأتي بنتائج غير مألوفة من أجل جذب عامة القراء. غير أنها ربما كذلك لا تحظى بالقدر المعقول من التمثيل على المستوى الأوسع نطاقاً في هذا المجال. وبالإضافة إلى ذلك، اكتشفت أن هذا هو الرد الأول لعلماء التغذية عندما يحاول أحد الصحفيين أن يسألهم، بلباقة، عن مجالهم، وعما إذا كان قد انفرط عقده. صرّح لويس ليفي، رئيس وكالة الصحة العامة بإنجلترا قائلاً: "يجب أن تحرص على ألا تعتمد على دراسة واحدة اعتماداً أساسياً. بل يجب عليك أن تطلع على أدلة معروفة".
وحتى الآن كلما تعمقت أكثر في الموضوع، اتضح لي بصورة أكبر أنه بالرغم من كون وسائل الإعلام المضللة جزءاً من المشكلة، فإن هفوات المجال مستمرة في التعمق أكثر من ذي قبل. تنشر الكثير من الأبحاث العلمية عن النظام الغذائي سنوياً وتمول الحكومات المعنية بشأن زيادة مستويات السمنة ومرض السكري عدداً كبيراً منها.
ولكن حتى على صفحات المجلات العلمية المحترمة، نجد نتائج متضاربة عن الكمية التي يُسمح لنا بتناولها من البطاطس، ومنتجات الألبان، واللحم المقدد، وعصير الفاكهة، وحتى الماء. ولا يُعد هذا مجرد جدال حول التفاصيل: بل هناك سبب رئيسي يدفع بذلك المجال نحو التساؤل حول الطعام الذي يجب علينا تناوله سواء كان طعاماً قليل الدسم أو قليل الكوليسترول، على سبيل المثال.
أخطاء الدراسات "الرصدية"
نشأت العديد من المشكلات من حقيقة مفادها أن الغالبية العظمى من دراسات التغذية تندرج تحت نوع معين يُسهل لها عملية التنفيذ، لكنه يذهب بها إلى استنتاجات خاطئة في الغالب. ومن أجل فهم نقطة الضعف هنا، يجب عليك أن تنتهج أفضل أنواع البحث العلمي، وهو التجربة العشوائية المحكمة.
وفي هذا النوع من التجارب، يطلب الأطباء من نصف الحالات العشوائية أن تتناول دواءً جديداً، بينما يتناول البقية أقراصاً وهميةً تبدو تماماً كالأقراص الحقيقية لذلك لم يدرك الجميع حقيقة الدواء المزيف. فإن انتهى مطاف أولئك الذين تناولوا الدواء الحقيقي بصحة أفضل، سيكون هناك احتمال جيد يُفضي بأن الدواء كان مضمومناً.
هذا النوع من دراسات التغذية يصعب تطبيقه على الطعام. إذ سيوافق القليل فقط على تغيير نظامهم الغذائي لسنوات عدة اعتماداً على رمية زهر، وسيكون من الصعب أيضاً الحفاظ على سرية الأطعمة المتناولة. فبدلاً من ذلك، يراقب علماء التغذية عادةً ما يتناوله الناس من خلال أن يطلب منهم ملء دفتر يوميات للأطعمة، ومن ثم يتتبعوا صحة المشاركين.
يكمن الخطأ الجسيم فيما يتعلق بتلك الدراسات "الرصدية" في أن تناول أطعمة بعينها يميل إلى أن يُقترن مع غيره من السلوكيات التي تؤثر على الصحة.
لذلك تجد أن البشر الذين يتناولون الطعام الذي يُنظر إليه في الغالب على أنه ضمن نظام غذائي غير صحي -مع المزيد من الوجبات السريعة، على سبيل المثال- يكونون في الغالب من ذوي الدخول المنخفضة ونمط الحياة غير الصحي الذي يتضمن سلوكياتٍ عدة، مثل التدخين وممارسة القليل من التمرينات. وعلى عكس ذلك، فإن تناول الأطعمة الصحية المتعارف عليها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بارتفاع الدخل، بجانب جميع الامتيازات الأخرى التي يوفرها.
حتى النصائح الأساسية فشلت في أن تُتَرجم إلى فوائد واضحة
عُرفت هذه السلوكيات الأخرى بأنها مجموعة من الملابسات، لأنها قد تقودنا إلى اللبس في الدراسات الرصدية، على سبيل المثال، إن لم يؤثر التوت البري على معدلات الإصابة بالأزمات القلبية، فإن أولئك الذين يتناولون الكثير من تلك الفاكهة سوف يتعرضون بصورة أقل للأزمات القلبية، لأن تناول التوت البري هو ببساطة علامة على رفاهية الطبقة الوسطى.
وبالتالي، يسعى الباحثون إلى استخدام الطرق الإحصائية في محاولة لمحو الآثار المُخلّة لتلك الملابسات. ولكن لا أحد يعلم بالتأكيد أياً من تلك الملابسات التي ينبغي العمل عليها، بالإضافة إلى أن الاختيارات المختلفة من شأنها أن تغير النتيجة.
ومن أجل توضيح كيف وحسب أن الاستنتاجات من شأنها أن تتنوع طبقاً لاختيار تلك الملابسات، فسر تشيراج باتل في كلية الطب بجامعة هارفارد، آثار تناول مكمل فيتامين Eإذ استخدم قاعدة بيانات ضخمة وضعت من قبل دراسة أمريكية محترمة يطلق عليها استقصاء الصحة الوطنية وفحص التغذية. وبالاعتماد على مجموعة مكونة من 13 ملابسات محتملة، يبدو من تناول هذا الفيتامين ثلاثة احتمالات: إما أن يقلل من معدلات الوفاة، أو لم ينتج عنه أية تأثير، أو أن يرفع من عدد الوفيات.
يصرح باتل بأن هذه التجربة تظهر قدرة الباحثين على حصولهم على النتائج التي يرغبون فيها من خلال بياناتهم؛ فمن خلال البحث في أدواتهم التحليلية بغض النظر عن الملابسات، سوف تقدم لهم نتيجة تناسب النظام الغذائي المفضل لديهم، سواء كان قليل الدسم، أو قليل الكوليسترول، أو نباتياً، أو معتدلاً. وقال أيضاً: "لدينا دراسات ضخمة تقيس كل الأشياء بشكل فوري- فاختيار الوضع المفضل بالنسبة لك صار الآن ممكناً أكثر من أيّ وقتٍ مضى".
يعرف مصدر آخر للخطأ بـ"تحيُّز النشر": فالدراسات التي تقدم نتائج مثيرة للاهتمام تكون أكثر عرضةً للنشر من غيرها. لذلك إن كان هناك دراستان عن اللحوم الحمراء والسرطان، على سبيل المثال، وأظهرت إحداهما وجود علاقة بينهما، فإنها ستكون الدراسة الأكثر عرضةً للنشر.
يحدث هذا التحيز تقريباً عند كل مرحلة من العملية المطولة في عالم دراسات التغذية منذ البحث الابتدائي حتى النشر في مجلة علمية والأخبار في نهاية المطاف، إذا كتب عنها صحفيون يؤدون مثل عملي. وقد صرّح فيناي براساد في جامعة أوريغون للصحة والعلوم فيما يتعلق بذلك بأن: "ما تراه منشوراً في الأخبار المسائية هو النتيجة النهائية لنظام يتحمس جميع من فيه إلى تحقيق نتيجة إيجابية".
يعمل براساد طبيباً للأورام، وهو الذي أبرز نقص الأدلة وراء بعض الأدوية السرطانية. ومع ذلك، ذكر أيضاً أن البحث العلمي المعني بمجال التغذية في حالة يرثى لها مقارنةً بمجاله. وأضاف: "ولا يبدو أنهم يريدون الارتقاء بأنفسنا".
يستحيل تحديد مقدار الملابسات وتحيز النشر المسؤولين عن تدمير المجال تحديداً دقيقاً. لكنهما كافيان بأن يُحدثا مشكلة تحتم علينا التشكيك في كل النصائح ودراسات التغذية المتعلقة بالأنظمة الغذائية، وذلك حسبما صرّح به جون يوانيديس، وهو صحفي بيانات بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا.
غذاء العقل
قال يوانيديس إن من بين ما يقرب من مليون دراسة تغذية علمية، ما يمكن أن نعده تجارب عشوائية ضخمة وجيدة لا يتجاوز جزءاً صغيراً منها فقط، ربما يُقدّر بالمئات. أما البقية، فهي عبارة عن دراسات رصدية، أو تجارب صغيرة وسيئة التصميم، أو مقالات رأي، أو مراجعات تُلخص نتائج الأوراق البحثية الأخرى، وتضم جميع العيوب المحتمل وجودها في تلك الدراسات. بل إن المبادئ التوجيهية والمحلية للأنظمة الغذائية تعتمد على مثل هذا النوع من العمل.
فما الذي تكتشفه مئات التجارب العشوائية الرزينة هذه؟ هُنا تكمن النقطة الفاصلة: عندما تختبر التجارب النظم الغذائية المقترحة والقائمة على الدراسات الرصدية، تجد أن الاستراتيجيات لا تنجح على الإطلاق تقريباً في إطالة عمر المريض. فإما أن دراسات التغذية هذه لم تجد أي تأثير، أو أنها تجد تأثيراً أقل بكثير مما تنبأت بها الدراسات الرصدية، إذ يكون الأثر قليل لدرجة يجعله غير مجدٍ من الناحية العملية.
يحدث التغيير عادة في المؤشرات الحيوية وليس في معدلات الوفاة أو الأزمات القلبية والسرطان؛ إذ إنها مواد تجري في الدم بشكل عام، مثل الكوليسترول، ولا يتوقع أن تؤثر على المحصلات الصحية، لكن الأدلة لا تزال مبهمة المعالم. يقول يوانيديس: "ليس هناك أي شيء تقريباً يضمن لك حياة أطول".
يُذكر على سبيل المثال فكرة تناول عامة السكان الأصحاء أقراص الفيتامين. إذ اقترحت العديد من الدراسات الرصدية أن تناول المكملات من الفيتامينات المختلفة تحافظ على صحة البشر. ولكن عندما أُختبرت تلك الأفكار من خلال التجارب، إما أن الأقراص لم تحمل أي أثر أو سببت بالفعل في وفاة كثيرين بعد مدة وجيزة.
وقد ثبت أيضاً أن مكملات زيت السمك (الأوميغا 3) لا تمتلك أي تأثير في التجارب الإكلينيكية، برغم أن العشرات من دراسات التغذية الرصدية قد أثبتت العكس. ومع ذلك، لا تزال النصائح المتعلقة بالنظم الغذائية في كثير من الدول، بما فيها أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، تنصح الناس بتناول مكملات زيت السمك بانتظام.
حتى أن العناصر الأساسية للنصائح المتعلقة بالنظم الغذائية في عصرنا الحالي فشلت في أن تُترجم إلى فوائد واضحة عند وضعها تحت الاختبار. يذكر ليفي: "ليس ثمة تجارب عشوائية ومُحكمة تُظهر أن الحبوب الكاملة والفاكهة والخضراوات أو الألياف تؤثر على معدلات الوفاة أو الأزمات القلبية أو السرطان. إذ إن إجراء تجربة بغرض متابعة مجموعة كبيرة إلى حد ما من البشر على مدار مدة زمينة تكفي لمعرفة عدد الوفيات، يُعد أمراً غير معقول".
ذلك الأمر صحيح. بالرغم من كل الجدال القائم حول وجوب تناول مجموعة متنوعة من الأطعمة النباتية المختلفة الألوان، أملاً في أن تصل إلى خمسة أنواع يومياً -أو ربما سبعة أو حتى تسعة أنواع، طبقاً لمصدر المعلومات الذي تنصت إليه- لم تثبت تجربة أن اتباع هذا النظام سوف يمنحنا عمراً أطول.
التجارب لا تستمر لوقت طويل
الأمر سيان عند تناول نوعية أطعمة مثل الخبز والمعكرونة والأرز التي صنعت من الحبوب الكاملة، وهو ما يوصى به لاحتوائه على الألياف. يبقى أفضل دعم قدمته لنا تلك التجارب العشوائية في هذا السياق هو أن نوع الألياف الموجود في الشوفان، الذي يُطلق عليه بيتا-جلوكان، أحدث تطورات طفيفة في ضغط الدم ومستويات الكوليسترول. لكن هذه التأثيرات طفيفة للغاية لدرجة أنه ليس من الواضح إن كان بإمكانها حماية الإنسان من أزمة قلبية، بالإضافة إلى أن تحقيق تلك التأثيرات يتطلب تناول ما يعادل ثلاثة أطباق من العصيدة يومياً- وهي كمية سيجد البشر في تناولها صعوبة بالغة.
ثم سننتقل إلى الضوضاء المثارة حول النصائح المتعلقة بالدهون. إذ توجد عدة مبادئ توجيهية ومحلية تفيد بأنه يمكننا أن نحول دون حدوث الأزمات القلبية عبر تجنب الدهون المشبعة، الموجودة بشكل أساسي في اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان.
ومجدداً، تصرح سوزان جيب من جامعة أوكسفورد، وهي أحد أبرز الباحثات في مجال دراسات التغذية بالمملكة المتحدة، بأنه لم تثبت تجربة عشوائية واحدة لنا أن اتّباع ذلك النظام سوف يُنقذ حياتنا. تُضيف سوزان أن المشكلة تكمن في أن تلك التجارب لا تستمر لوقت طويل بشكل عام، بينما يستغرق النظام الغذائي سنوات من أجل أن يؤثر على الصحة". وتوضح قائلة: "إضافة إلى أن الأشخاص لا يلتزمون بالضرورة بالنظام الغذائي الذي اقترحته عليهم".
تقول سوزان إنه برغم عدم استطاعتهم إثبات أن الدهون المشبعة تنقذ حيوات البشر، غيرت بعض التجارب على الأقل من مستويات الكوليسترول بطريقة تسعى إلى خفض معدلات الأزمات القلبية، من الناحية النظرية. ومع ذلك، فإن الأدلة تتناقض من تجربة إلى التالية. ولا يأتي أي عون من التحليلات الوصفية، التي تجمع النتائج من التجارب المتعددة في محاولة للحصول على الصورة الكاملة. تستنتج إحدى التحليلات الوصفية أن استبدال الدهون غير المشبعة بالدهون المشبعة أمر صحي لمُعدلات الكوليسترول عند البشر، وأثبتت أخرى أن لا تأثير لذلك. وما يزيد من هذا التشتت، أننا نفتقر الفهم الواضح المتعلق بكيفية تأثير الكوليسترول على الشرايين، مما يجعل منه مؤشراً بيولوجياً غير موثوق.
ثم هُناك الجنون حول خفض نسبة الكربوهيدرات، إذ تُظهر بعض التجارب أن هناك فئة من البشر يمكن أن يفقدوا وزناً ويُشفوا من السكري من خلال اتباع نظام غذائي يقوم على نسبة قليلة من الكربوهيدرات، لكنه يحتوي أيضاً على نسبة عالية من الدهون المشبعة. وهذا لا يدفع إلى ارتفاع مستويات الكوليسترول، على عكس ما تقترحه المبادئ التوجيهية المتعلقة بالنظم الغذائية المُدعمة من قبل الحكومة، برغم أنه لايزال غير معروف إن كان ذلك النظام آمناً بالنسبة لأولئك الذين يُعانون من حالة وراثية تُسبب ارتفاعاً في الكوليسترول.
وينبغي أيضاً توضيح أن مسألة الكربوهيدرات المنخفضة لم تظهر في التجارب التي تستهدف إطالة العمر الافتراضي أكثر من كونها مجرد نظم غذائية قليلة الدسم. بالإضافة إلى أن خفض الكربوهيدرات ليس الطريقة الوحيدة لإنقاص الوزن أو التحكم في مرض السكري؛ فالبشر يستطيعون القيام بالمثل مع اتباع نظام غذائي قليل الدسم.
هل علم التغذية لم يُعلمنا شيئاً بالفعل؟
لهذا السبب سوف نسمع خلال أسبوع ما أن الخبراء يوصون بتقليل الكربوهيدرات، ثم سنجد في الأسبوع التالي خبراء يخبروننا بأن نتجنب اللحم وأن نتناول طعاماً قليل الدسم، ونتبع نظاماً غذائياً نباتياً. يقول أنطوني وارنر، وهو طاه في المملكة المتحدة ينتقد بدع الحميات الغذائية في كتبه ومدوناته: "باستطاعتك أن تجد دلائل تدعم أي موقف تريده من أجل التأكيد على معتقداتك الحالية. أيديولوجيات البشر هي تضارب المصالح الوحيد الذي لم يُذكر؛ فكثير من الأيديولوجيات تتداخل مع النظم الغذائية".
يقول يوانيديس إن أبسط تفسير لفوضى التناقضات تلك في دراسات التغذية هو عدم وجود حقائق أولية تنتظر اكتشافها. بل الأمر برمته مجرد ضجيج عشوائي حول البيانات.
وفي نفس الوقت، لا يعني ذلك أن نتناول الكعك كيفما نشاء، لأنه في حال أصبنا بالسمنة، سوف ينتج عن ذلك إجهاد بدني للمفاصل ولجهاز الدورة الدموية. ومع ذلك، يشير الأمر بالفعل إلى وجود تقارب بين طرق التغذية ضمن حدود الحس السليم والاعتدال. تقول إيمي تيتور، وهي طبيبة توليد سابقة وكاتبة تنتقد هي الأخرى أبحاث التغذية: "إذا بالغت في تناول الطعام بشراهة، لن يكون الوضع صحياً إذاً. ثمة مستوى لا ينبغي لك الانتقال إليه. ولكن مع الالتزام بالاعتدال تجاه كل شيء، سوف يصبح الأمر على ما يرام".
لن يكون من المنصف وضع استنتاج يُفيد بأن علم التغذية لم يُعلمنا شيئاً. بفضل دراسات النظم الغذائية، استطعنا تحديد خلل الفيتامين الناتج عن سوء التغذية مثل الكساح الناتج عن نقص فيتامين D. فضلاً عن أن المتخصصين في علم التغذية أوضحوا خلال الآونة الأخيرة قدرة النساء الحوامل على حماية أطفالهن من اضطرابات العمود الفقري (مثل ما يُعرف بـ"الصُلب المشقوق") عن طريق تناول مكملات حمض الفوليك، ويستطيع الأشخاص الذين يُعانون من ارتفاع في ضغط الدم أن يخفضوا من مستواه بالامتناع عن تناول الملح. ومن المثير للاهتمام أن النتيجتين السابق ذكرهما قد نتجتا عن التجارب العشوائية، ما يثبت القدرة على حقيقة نجاح تلك التجارب إن وُجد أثر فعلي.
يذكر يوانيديس أن باحثي علم التغذية في حاجة إلى أن يتبنوا نظرة عالمية فيما يتعلق بالممارسات البحثية الجيدة المنتشرة، مثل التسجيل المُسبق لجميع الدراسات، بما فيها تحديد الملابسات المستخدمة في البحث، بهدف تجنب الاختيارات الهوائية إثر صدور النتيجة. يذهب براساد إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ يرى وجوب وقف النشاط البحثي القائم على الدراسات الرصدية لحين حل المشكلات القائمة. ويقول: "النصائح المغايرة أصابت عامة الناس بالإرهاق حتى أوشكوا على فقدان الثقة في العلم في العموم".
إذ إن الحس السليم والاعتدال يظهران في الوقت الحالي كأنهما مجموعة غامضة غموضاً غير مُرضٍ من المبادئ الغذائية. ويمتلك كثيرون منا بالطبع أسباباً عدة خارجة عن نطاق الصحة للالتزام بنظام غذائي دوناً عن غيره، مثل تجنب تناول اللحوم لأسباب أخلاقية أو بيئية. فالألياف الغذائية على سبيل المثال تساعد على تجنب الإمساك، ولسنا في حاجة إلى تجربة عشوائية لإثبات هذا الأمر.
هل يمكن أن يكون الوضع آمناً إن اتبعنا حدسنا فحسب؟ يُشير دوان ميلر، المُتحدث الرسمي باسم الجمعية البريطانية للتغذية، إلى أن اتباع حدسنا قد يكون أمراً عقلانياً إن لم نكن محاطين بالأطعمة ذات السعرات الحرارية المرتفعة والمغرية، والكثير منا ببساطة لا يقدر على مقاومة الإفراط في تناول الطعام. ويضيف: "لو لم نمتلك أية توجيهات غذائية على الإطلاق، فما الذي من شأنه أن ينظم هذا المجال؟" لا أستطيع التفكير في إجابة مناسبة.
وتختتم كلير تقريرها بقول:
"يتوجب عليّ أن أعترف ببعض التحيزات التي أؤمن منها في عالم دراسات التغذية. فأنا سعيدة بتقبّل حقيقة أن الدهون المشبعة تتعرض لافتراءات جائرة منذ سنوات، ما يعني أنني أستطيع تناول أطعمة مثل اللحوم الحمراء والزبدة. ومع ذلك أجد صعوبة في التخلي عن فكرة أنه من الصحي لحياتي تناول كافة الحبوب والفاكهة والخضراوات. إنني أحاول تناول أنواع كثيرة منها إلى حد ما، غالباً لأنني أفضلها أو ربما لأنني من الطبقة الوسطى. وسوف أستمر أيضاً على ذلك النحو في الغالب، حتى مع تقبلي فكرة وجود قلة من الأدلة التي تؤيد فعلي هذا. ويبدو أيضاً أنني لست في معزل عن الأيديولوجيا".