أي شخص شاهد طفلاً يجري بِحُرية في غابة أو يلعب في مجرى مائي، لا يحتاج دراسة بحثية تخبره بأنَّ قضاء وقت في الطبيعة أمر جيد لصحة الأطفال.
وقالت كارولين شويلر، المؤسسة والمديرة التنفيذية لمركز Wildrock، وهو مركز في فيرجينيا للعب في الطبيعة واكتشافها: "هذا أمر يعرفه معظم الآباء بشكل حدسي. فعندما يحظى الأطفال بفرصة للعب بِحُرية في الطبيعة، يكونون أسعد ويتصرفون على نحو أفضل، ويكونون أكثر ارتباطاً من الناحية الاجتماعية".
يعرف معظم البالغين أنَّ الطبيعة مفيدة لهم هم أيضاً، ولهذا فإننا غالباً ما نترك ضغط العمل ونذهب لقضاء عطلة في أماكن طبيعية جميلة؛ بحسب ما نشره موقع healthline.
لكن كم من الوقت نحتاج تمضيته في الطبيعة لكي نحظى بصحة أفضل؟
حاول فريق تقوده مجموعة من الباحثين في المملكة المتحدة الإجابة عن هذا السؤال، من خلال ما يصفونه بأنَّه أول خطوة نحو التوصل إلى نسخة طبيعية من المبادئ التوجيهية الوطنية للنشاط البدني.
كم من الوقت تحتاج تمضيته في الطبيعة؟
في هذه الدراسة، التي نُشرت يوم 13 يونيو/حزيران 2019، أجرى الباحثون استطلاعاً لأكثر من 19 ألف شخص بالمملكة المتحدة حول الوقت الترفيهي الذي أمضوه في الطبيعة في أثناء الأسبوع الماضي، إلى جانب استطلاع شعورهم بالصحة والرفاهية.
وجد الباحثون أنَّ الأشخاص الذين أمضوا ما لا يقل عن 120 دقيقة أسبوعياً بالطبيعة شهدوا تحسناً في صحتهم العقلية والبدنية، مقارنة بالأشخاص الذين لم يُمضوا أي وقت في الطبيعة.
وقال الباحثون إنَّ حجم الفوائد الصحية كان مماثلاً لما يحصل عليه الأشخاص الذين يلبون المبادئ التوجيهية الوطنية للنشاط البدني.
ومع ذلك، فقد كانت هذه الفوائد صغيرة إلى حد ما، إذ كانت تمثل 1% فحسب من الاختلافات بين المستويات المختلفة للوقت الذي يقضيه الأشخاص في الطبيعة.
ورغم ذلك، لم يكن من المهم طريقة قضاء هاتين الساعتين أو مكان قضائهما، إذ كانت كثير من نزهات المشي القصيرة بالقرب من المنزل فعالة بقدر المشي لمسافات طويلة في عطلة نهاية الأسبوع في الحديقة.
وأشار الباحثون إلى أنَّ هذه مجرد خطوة أولى نحو التمكن من التوصية بأن يمضي الناس فترة زمنية محددة في الطبيعة أسبوعياً.
ومع ذلك، فقد أظهرت أبحاث أخرى أنَّه حتى الفترات الصغيرة التي تمضيها في الطبيعة يمكن أن تكون ذات فوائد صحية.
ففي إحدى الدراسات، شهد الأشخاص الذين يمارسون الرياضة خمس دقائق فحسب بالطبيعة تحسناً في ثقتهم بأنفسهم ومزاجهم.
وترى شويلر هذا النوع من التحول السريع في مركز Wildrock، حتى بين البالغين من أصحاب الوظائف المرهقة للأعصاب.
إذ قالت شويلر: "بعد قضاء ساعة واحدة في الطبيعة، يضحكون ويبحثون عن المؤن ويجمعون الأشياء كأنهَّم في الخامسة من عمرهم".
المبادئ التوجيهية للطبيعة بداية جيدة
وقالت جيسيكا موتينوت-سمول، وهي معالجة نفسانية متخصصة في استشارات الزواج والأسرة بمدينة شارلوتسفيل في ولاية فرجينيا، إنَّ أي مبادئ توجيهية للطبيعة يجب أن تؤكد أنَّ هذا هو الحد الأدنى، وأنَّ الناس سوف تزداد استفادتهم بزيادة الوقت الذي يمضونه في الطبيعة.
لكنها أضافت أنَّ هذه التوجيهات، لو صيغت على نحو ملائم، "يمكن أن تساعد الناس على فهم أنَّه لا يتعين عليهم الذهاب إلى رحلة تجديف في عطلة نهاية الأسبوع ليحظوا بهذه الفوائد الصحية".
ووافقت شويلر على هذا الكلام بالقول: "إذا كان بإمكانك الوصول إلى حديقة بها بضع أشجار، ولديك من الوقت 15 دقيقة، فاذهب، لأنك سوف تستفيد".
وقالت الدكتورة باتريشيا إتش هاسباخ، وهي معالجة نفسانية وبيئية مُجازة في مدينة يوجين بولاية أوريغون، إنَّ عملها مع العملاء يتجاوز مجرد الحديث عن كمية الوقت الذي يمضونه في الطبيعة.
وأضافت: "من وجهة نظر نفسية، فإنَّ من أكثر الأمور فائدةً إدراك العلاقة والتفاعلات بين المريض والطبيعة".
وربما يعرف الأشخاص الذين يعيشون في مناطق طبيعية بالفعل أنَّ الطبيعة جيدة لهم، وسرعان ما يجلبون ذلك إلى عملية استشفائهم، لكنَّ بعض الأشخاص ربما يحتاجون مزيداً من التوجيه.
وقالت هاسباخ: "يمكنك الإشارة إلى حاجة الناس إلى قضاء وقت بالخارج، لكن ما اكتشفته أنَّه عندما يتعلق ببعض الأشخاص، فإننا بحاجة إلى أن نكون أكثر توجيهاً بخصوص كتابة (وصفة طبيعية)".
وقد يشمل هذا مطالبة العملاء باستخدام جميع حواسهم حين يكونون في أماكن طبيعية، مثل ملاحظة أشياء من قبيل طائر يطير، أو حفيف الأوراق، أو رائحة الزهور.
فوائد صحية تتجاوز النشاط البدني
تعود بعض الفوائد الصحية للطبيعة إلى أنَّ الأشخاص يكون نشاطهم البدني أكبر عندما يكونون بالخارج.
لكن تشير الأبحاث إلى أنَّه حتى مجرد الجلوس في مكان طبيعي، كما هو الحال مع "Forest Bathing" أي "حمام الأشجار" -هو قضاء الوقت متأملاً في الغابة- من شأنه تحسين الصحة.
وقالت هاسباخ إنَّ الطبيعة توفر أيضاً استراحة من ساعات "الاهتمام الموجه" المرهقة ذهنياً، وهي الساعات التي نقضيها وتركيزنا منصبٌّ على أعمالنا، وشاشات حواسيبنا، وقيادتنا.
وقالت هاسباخ: "عندما يقاطع الناس الاهتمام الموجه حتى وإن كان ذلك لبرهة قصيرة يقضونها بالخارج، فإنهم يميلون إلى السماح بمزيد من الاهتمام التلقائي، ويصبح هذا الأمر منعشاً للغاية عندما يتعين عليهم العودة إلى الاهتمام الموجه".
ومع ذلك، فإنَّ هذه الفوائد لا تظهر إلا إذا نحَّيت هاتفك الذكي جانباً وأعطيت الطبيعة اهتمامك كاملاً، سواء كان ذلك منظراً خلاباً للأخدود العظيم أو لشجرة بالقرب من شقتك.
وقالت جيسيكا: "إذا دخلت في علاقة مع شجرة على رصيف بطريقة واعية ومدركة، بأن تأخذ أنفاساً عميقة وتكون حاضراً تحت ظل الشجرة، فسوف تحصل على فوائد أكبر بكثير جراء ذلك التفاعل".
وقد يكون ثمة سبب أكثر قدماً يجعل الطبيعة لها قدرة شفائية.
فالإقامة داخل البيوت معظم الوقت أو النظر إلى الحواسيب والهواتف الذكية أنشطة حديثة نسبياً بالنسبة للبشر وأسلافنا، لا سيما بالمقارنة مع ملايين السنين التي قضيناها بالخارج.
وقالت شويلر: "لقد تطورنا في الطبيعة. وكذا، فمن المنطقي أنَّه بالنظر إلى أنَّ هذه هي الطريقة التي تطور بها البشر، وبالنظر إلى أننا جزء من الطبيعة، فإننا سوف نكون أفضل حالاً إذا لم نكن بعيدين عنها".