ما هو السبب الحقيقي لعدم قدرتك على تجاوز المشاعر السلبية عندما يخطئ الآخرون بحقك؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/27 الساعة 09:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/14 الساعة 14:09 بتوقيت غرينتش
iStock\ التسامح مع الآخرين

هل شعرت يوماً أنك تجد صعوبة في التسامح والعفو عن الآخرين عندما يخطئون؟

أو هل أساء إليك أحدهم وسبب لك جرحاً لم تتمكن من تجاوزه؟

من المحتمل أن هناك سبباً وجيهاً وراء ذلك، وقد لا يكون هو ما تعتقده.

التسامح والعفو.. ما هما؟

بادئ ذي بدء، من المهم أن تفهم أن قدرتك على الصفح عن أحدهم لا تتعلق في أغلب الأحيان بهذا الشخص أو ما فعله.

ويُعرِّف قاموس ميريام ويبستر الأمريكي كلمة الصفح "Forgiveness" بأنها "التوقف عن الشعور بالاستياء ممن سبب الأذى" أو "التوقف عن الشعور بالاستياء إزاء الإساءة أو المطالبة بتعويض".

إنها حالة داخلية ولا تتعلق بأي شخص غيرك.

لذا وبحسب موقع Mind Body Green الأمريكي، إذا أردت أن تفهم السبب وراء صعوبة صفحك عن الناس، فعليك أن تنظر داخلك  أولاً.

هل تجد صعوبة في الصفح عن أحدهم؟ ربما تكون أنت السبب

عندما يتعلق الأمر بالتسامح بين الناس وغفران الأخطاء، غالباً ما نجد نوعين لا ثالث لهما:

فهناك أناس من أنصار "عدم الصفح عن أي شخص وإضمار الضغينة إلى الأبد"، بينما نجد أناساً يتبنون عبارة: "التسامح ليس ضعفاً، سامح الجميع".

وفي أغلب الأحيان، هناك مواقف نعتقد فيها أننا سامحنا أحدهم ولكننا لم نفعل حقاً، ويعاودنا الشعور بالضيق والاستياء في كثير من الأحيان.

لكن، قلما نجد مَن يدرك أهمية مسامحة نفسه في المقام الأول قبل اتخاذ مواقف من الآخرين.

أغلبنا اعتاد على أن يطلق على نفسه الأحكام القاسية.  

فحتى لو لم نكن من أولئك الذين ينشدون الكمال، لكن قد يستقر داخلنا صوت ناقد حاد وقاسِ.

ويحدث كثيراً أن نسترجع مراراً اللحظات المحرجة التي مررنا بها وجعلتنا نتمنى أن تبتلعنا الأرض ابتلاعاً.

يحدث أيضاً أننا نشعر في بعض الأحيان بأننا لسنا جيدين بما يكفي، بغض النظر عن إنجازاتنا الخارجية.

هذا يجعلنا نطلق الأحكام على أنفسنا، ونصبح باللاشعور غير قادرين على التصالح مع ذواتنا، وغير قادرين على مسامحة أنفسنا عندما نرتكب الأخطاء.

فإذا كنا ننظر هذه النظرة القاسية لأنفسنا، كيف سنتمكن من تفهم مواقف الآخرين وتقبلهم ومسامحتهم عندما يخطئون؟

iStock التسامح مع الآخرين
iStock التسامح مع الآخرين

سامح نفسك أولاً

يظهر البحث الذي أجرته برين براون، الباحثة في مجال الشعور بالخجل والضعف، أن هناك علاقة بين القدرة على قبول المساعدة والقدرة على إظهار التعاطف مع الآخرين ومسامحتهم.

عندما لا يمكننا قبول المساعدة أو الدعم من الآخرين بسبب الأحكام التي نطلقها على أنفسنا (أي أننا لا نستحق المساعدة أو أن قبول المساعدة يعبر عن "ضعفنا" بصورة أو بأخرى)، فإننا بذلك ننشئ رابطاً إدراكياً بين القدرة على العفو وحكمنا على ذواتنا.

لذا، عندما نكون في موقف نُظهر فيه تعاطفنا مع شخص آخر ونستطيع الصفح عنه، فهناك رابط خفي بين هذا الشعور وحكمنا على أنفسنا، رابط لا يمكننا حتى إدراكه.

وإذا لم نتمكّن من الفصل بين قبول المساعدة والحكم على أنفسنا ولم ننجح في محاولتنا للشعور بالتعاطف مع أنفسنا، فعندئذ يصعب علينا أن نعفو ونسامح.

بمعنى آخر، ينبع عجزك عن تقبل أخطاء الآخرين ومنحهم فرصاً ثانية من أحكامك القاسية على ذاتك.

عندما لا يكون بإمكانك أن تسامح نفسك وتتعاطف معها، فإنك تعامل الأشخاص الآخرين استناداً إلى المعايير نفسها، وتظل عالقاً.

إننا بحاجة إلى الشعور بالتعاطف مع أنفسنا قبل أن يصبح بإمكاننا التعاطف مع الآخرين، والعفو عنهم.

عدم مسامحة الآخرين.. قتل بطيء للنفس

الصفح هبة وفن في الوقت نفسه؛ إذ إنه التوازن بين الحركة الدقيقة التي تشملك أنت وأناساً آخرين وتصورك عن نفسك وتصورك عن الآخرين.

عندما يتعلق الأمر بمسامحة النفس، فأنت ترى نفسك من خلال عدستين؛ عدسة شخص ارتكب "خطأً"، وعدسة شخص تسبب تصرف ما في إيذائه.

ونقيض الصفح معقد أيضاً؛ إذ إنه مزيج من الغضب والاكتئاب واللوم.

لكن الأهم من ذلك كله أن نقيض الصفح هو الجمود.

أن تصبح أسيراً لمشاعر مرتبطة بحادث معين، فهذا يعني أنك لن تستطيع الاستمتاع باللحظات الراهنة من حياتك ولن تستطيع المضي قدماً، ستأسر نفسك في سجن مظلم اسمه الماضي.

فالتأثير الأكبر للصفح (أو غيابه) يقع على شخص واحد فقط، هو أنت، عدم صفحك عن شخص معين قد لا يؤثر عليه أبداً، لكنه سيعكر صفو حياتك أنت؛ إذ سيبقى صدرك ضيقاً بمشاعر الضغينة السلبية.

هناك عبارة شائعة تقول: عدم مسامحة الآخرين بمثابة قتل بطيء للنفس.

وعندما نأخذ ذلك في الاعتبار عند الحديث عن مسامحة النفس، فنحن الجاني والضحية في الوقت نفسه.

من كلا المنظورين، فإننا نصنع حالة نلحق فيها الضرر بأنفسنا.

iStock التسامح مع الآخرين
iStock التسامح مع الآخرين

كيف نتقبل الآخرين ونستطيع العفو عنهم؟

هل تريد ألا تتسرع في الحكم على الآخرين؟

عليك أولاً أن تقضي بعض الوقت في التعرف على الطرق التي تحكم بها على نفسك.

على سبيل المثال، عندما نركز على "أخطائنا"، فإننا نواجه الماضي (الذي انتهى ولم يعد بإمكاننا تغييره).

وعندما نركز على ما "قد" يحدث، فإننا نواجه المستقبل (الذي لم يحدث بعد ولا يمكننا التدخل فيه).

لذا لابد لك  بدلاً من ذلك، من التركيز على الحاضر.

اضبط نفسك عندما تجدها غارقة في دوامة من انتقاد النفس والشعور بالقلق.

وفيما نشغل أنفسنا بالوقت الحاضر، يمكننا أن نتعلم من هذا الموقف.

وإليك الخطوات العملية التي يمكنك اتباعها لتصبح قادراً على الصفح في الوقت الحالي:

  1. تحدث عن ألمك بوضوح.
  2. اتخذ قراراً بتجاوزه.
  3. تقبل الموقف ونفسك وتعاطف معهما.
  4. لا تطلق أحكاماً.

تنفس بعمق بضع مرات، ويُمكننا أيضاً التدرب على التعاطف مع أنفسنا من خلال التواصل مع الآخرين وتحرير أفكارنا وعواطفنا.

ويمكننا دمج ما نتعلمه أثناء تدربنا على التعاطف مع ذواتنا في تعاملاتنا مع الآخرين لنتمكن من الصفح عنهم.

وعلينا أن نلجأ إلى أفضل الطرق لنصل إلى قرار يجنبنا تراكم الأحزان والضغائن والأحكام تجاه الآخرين ففي النهاية هذا لن يفيد أحداً.

وتذكر أننا نستحق الحب والرعاية والتعاطف، من أنفسنا ومن الآخرين، وتجاه أنفسنا وتجاه الآخرين فقط لأننا بشر.

فكلنا بشر، وكلنا لسنا بكاملين، وكلنا نستحق الحب والاهتمام.

وحتى لو جرحك أحدهم لدرجة يصعب عليك نسيانها، فاتخذ من هذا الجرح درساً يعلمك كيفية التعامل مع هذه المواقف في المستقبل.. لكن لا تحمل الضغينة في قلبك؛ لأنك وحدك من سيتأذى.

علامات:
تحميل المزيد