لا توجد معلومات دقيقة عن الشخص الذي قادته الصُدفة لوضع حبات الذرة في إناء معدني، وتركها لفترة معينة على لهب مشتعل، بدلاً من محاولة طبخها مثلاً أو طحنها؛ ليكتشف ظاهرة فيزيائية مثيرة، على حد قول الباحثين في مجال الميكانيكا الحيوية وعلم الصوتيات، من خلال التفسير العلمي لطقطقة حبات الذرة.
ما يتوافر لدينا من معلومات هو أن الفشار اكتُشف للمرة الأولى في كهف، يرجع تاريخه إلى أربعة آلاف عام في المكسيك، أي أن الإنسان القديم هو أول من طقطق حبات الذرة. ولكن الفشار بصورته الحديثة ظهر في العالم للمرة الأولى في العام 1519، خلال الغزو الإسباني للأراضي الجنوب أميركية (المكسيك الآن)، حيث اعتاد شعب الأزتك -قبيلة من قبائل السكان الأصليين التي حكمت ما يُعرف بالمكسيك حالياً-، استخدام الفشار في أغراض الزخرفة والزينة.
وقد ارتبط تاريخ الفشار بتاريخ السينما، ففي منتصف عام 1800، قدمت السينما أعمالها الفنيّة لفئة معينة من الجمهور، وهو جمهور النخبة والمثقفين؛ حيث كانت السينما خلال تلك الفترة الزمنية تهدف إلى التثقيف والتعليم، وبعيدة كل البعد عن التسلية والترفيه، لذلك كان من غير اللائق اصطحاب الطعام إلى قاعات السينما، كذلك مشاهد الفوضى والإزعاج التي يخلفها اصطحاب الطعام لا تتناسب مع ما يُقدم من توعية وتثقيف.
فكانت دور السينما لا تبيع الفشار، لكنه خلال تلك الفترة، كان يُباع في المهرجانات والاحتفالات لسهولة تحضيره وتكلفته البسيطة. وفي عام 1885، صنعت أول ماكينة فشار تعمل بالطاقة البخارية.
ومطلع العام 1927، ابتعدت السينما عن تقديم الأفلام التثقيفية، وبدأ التعامل معها باعتبارها نشاطاً ترفيهياً، ليس حكراً على فئة معينة من المجتمع، وتزامن ذلك مع فترة الكساد الكبير التي شهدتها الولايات المتحدة عام 1929، ومروراً بعقد الثلاثينيات وبداية الأربعينيات من القرن العشرين، وما ترتب على ذلك من فقر، وانتشار البطالة؛ دفعت بالشباب للبحث عن وسيلة للتسلية وتضييع الوقت، وكانت السينما هي وسيلة الهروب في تلك الفترة من الزمن.
شيئاً فشيئاً، انتشر باعة الفشار على أبواب المسارح ودور السينما، لبيعه للوافدين إليها. وعندما أدركت إدارة دور السينما ارتباط الجمهور بعادة شراء الفشار قبل الدخول ومشاهدة الفيلم، ابتاعت ماكينات صناعة الفشار، لجذب الجمهور لشراء تذكرة الفيلم، ففي ظل أزمة اقتصادية طاحنة كهذه، يبحث الجميع عن الربح.
ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، وخلّفت أزمة في السكر، الذي كان يُرسل إلى الجيش؛ فصبّت في مصلحة انتشار الفشار الواسع في الولايات المتحدة، وتوقف عمل مصانع الحلوى والسكاكر لما تمر به البلاد من اقتصاد متعثر. ومن هنا، ارتبط تناول الفشار ارتباطاً وثيقاً بمشاهدة الأفلام، سواء قررت مشاهدته في المنزل أو في دور السينما.
ليس فقط للتسالي
يمكن اعتبار الفشار أيضاً من أكثر الوجبات الخفيفة أهمية، من ناحية القيمة الغذائية؛ فالفشار وجبة قليلة الدهون والسعرات، ولا تُسبب زيادة في الوزن، على عكس المكسرات مثلاً، وغيرها من الوجبات الخفيفة، فهي غنيّة بالألياف التي يحتاجها الجسم، وتُعطي أيضاً إحساساً بالشبع، بجانب مضادات الأكسدة، التي تساعد الجسم على امتصاص المواد الغذائية بشكل أفضل. لذلك ليس من الإنصاف التعامل مع الفشار كونه للتسالي فقط، وإهمال قيمته الغذائية.
ومع أن الفشار على رأس الوجبات الخفيفة التي يتناولها رواد السينما، لكنه ليس الوحيد. فإلى جانب الفشار، هناك أصناف أخرى من الوجبات الخفيفة، يحب الناس تناولها في دور السينما بمختلف دول العالم.. إليكم أمثلة بعض الوجبات، حسب كل بلد.
اليونان
يتناول رواد السينما في اليونان الـ "سوفلاكي"، فهي وجبة اليونان التقليدية المُحببة، وتشبه الكباب، وتصنع من اللحوم أو الدجاج أو حتى الأسماك.
المكسيك
"التوستيلوكس" هي الوجبة التي ترافق رواد السينما في المكسيك، وتُشبه إلى حد كبير الأفلام المكسيكية، فهي خليط من رقائق خبز التورتيلا مع الصلصة الحارة وعصير الليمون والفاصوليا والخيار والفول السوداني.
الصين
الخوخ المجفف والمملح، أو بذور عباد الشمس المحمصة، أو الحبار المجفف، هي الوجبات الخفيفة الأكثر شعبية، التي يُفضل الصينيون تناولها خلال مشاهدة الأفلام.
كولومبيا
الطبق غير الاعتيادي في كولومبيا ، بل والمثير للاشمئزاز، هو النمل المُحمص؛ ويشبه محبوها مذاق النمل المحمص باللحم المقدد!
تايوان
يحظى طبق "فشار الدجاج" بشعبية كبيرة في تايوان، يُباع في دور السينما، ولدى الباعة الجائلين، ويُقدم أيضاً مع الوجبات في المطاعم.
اليابان
تُعد المأكولات البحرية الغذاء الرئيسي في اليابان، وتدخل في إعداد معظم الوجبات، لذلك ليس من العجيب أن يُباع سمك الأنشوجة والسردين المُجفف في دور السينما.
الهند
السمبوسة الهندية عجينة هشّة ومقرمشة، ذات حشوات متنوعة، الجبنة أو الخضار أو اللحمة، وتُضاف إليها الصلصات المختلفة. والسمبوسة من أكثر الأطباق شعبيّة في الهند، وتُباع في مختلف الأماكن، في الأسواق، والمطاعم، وكذلك في دور السينما الهندية.
وعلى كلٍ، هذا يوضح لنا الارتباط الوثيق لعادة تناول الطعام بمشاهدة الأفلام، مهما اختلفت أصناف الوجبات التي اعتاد الناس تناولها، من الفشار إلى النمل المُحمص.