ثمة أمور في الحياة أهم من المال، ورجال الاقتصاد يعلمون ذلك. مع تزايد التقييمات الجديدة لمستويات المعيشة العالمية، وقياس مدى ارتباط الأفراد الأصحاء والسعداء والناجحين بالمكان الذي يعيشون فيه، فإن نمطاً محدداً يظهر ببطء.
هذا النمط كشف أن الدول الأصغر تُهيمن بصورة متزايدة على المراكز الأولى لقوائم التصنيف الصحية، فيما تتراجع الدول الكبيرة ذات الاقتصادات المزدهرة.
ففي تحليل جديد، صنَّف مؤشر الصحة العالمي، الذي نشرته شركة LetterOne الاستثمارية، كندا كأفضل دولة من بين الدول الخاضعة للتقييم، والبالغة 151 دولة.
أما الولايات المتحدة فقد تخلَّفت عن الركب، لتحلَّ في المركز 37.
وفي تصنيف أضيق لدول مجموعة العشرين مع أكبر 20 دولة من حيث عدد السكان، ظهرت جنوب إفريقيا في المرتبة الأخيرة، خلف أوكرانيا، ومصر، والعراق.
وبناءً على مجموعة من المقاييس تتنوع بين معدل الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية، إلى معدلات الاكتئاب، وتعاطي الكحول، والتدخين، والسعادة، وممارسة الرياضة، فإن هذا المؤشر يمثل أحدث محاولات الاقتصاديين لتقييم العالم وفقاً لمعايير أعمق من مجرد النمو الاقتصادي.
والشهر الماضي، اختار مركز الأبحاث التابع لوكالة Bloomberg إسبانيا، لتكون أكثر دول العالم صحة.
These are the world's healthiest countries:
1. Spain
2. Italy
3. Iceland
4. Japan
5. Switzerland
35. U.S.https://t.co/ukCYTeqP6y— Bloomberg (@business) March 2, 2019
دول صغيرة تتصدر مؤشر الصحة العالمي
السمة المشتركة بين الدراستين وغيرها من الدراسات الأخرى، تتمثل في أن دولاً صغيرة تحتل وبشكل متزايد المراكز الأولى.
وهذا الأمر يمكن ربطه بتطوير الباحثين لمقاييس جديدة للعالم الحديث، لا تربط بالضرورة بين صحة الاقتصاد والصحة الفعلية -ناهيك عن العافية- على حساب المقاييس الأخرى الأكثر دقة.
يقول ريتشارد ديفيز، الاقتصادي السابق في Bank of England ووزارة الخزانة البريطانية، الذي جمع مؤشر الصحة العالمي: "القلق القديم من أن النمو لا يشمل كل بلد أو كل فرد في الدول النامية، سيظل قائماً على الدوام".
تصنف لوحة البيانات الخاصة بديفيز كندا في مركز متقدم؛ بسبب تقييمها الجيد في مستوى ضغط الدم، والعمر المتوقع، وإنفاق الحكومة على الرعاية الصحية.
لكنه يولي انتباهاً كبيراً أيضاً لمستويات السعادة المرتفعة في البلاد.
أما جنوب إفريقيا التي كانت يوماً منارةً للنمو الاقتصادي، فقد سجَّلت أرقاماً ضعيفة وسيئة فيما يتعلق بمتوسط العمر المتوقع، وتعاطي الكحول، والاكتئاب، ومرض السكري.
كيف تفوقت كندا في الرسوم البيانية الخاصة بالصحة؟
في القائمة الشاملة، تكافح العديد من الاقتصاديات الرئيسية عند مقارنتها بالدول الأصغر الأكثر صحة.
وتشمل المراكز العالمية العشرة الأولى أمماً ضخمة مثل: الفلبين، وكوريا الجنوبية؛ لكنها أيضاً تفسح مجالاً لدول مثل: عُمان، وأيسلندا، والمالديف، وهولندا، وسنغافورة.
وقد صُنفت المملكة المتحدة في المركز الخامس عشر، متأخرةً بسبب ارتفاع معدل السمنة والكسل.
أما دول كبيرة مثل اليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا فقد فشلت في اللحاق بالدول الخمس والعشرين الأولى لهذا الاستطلاع، بسبب معدلات ضغط الدم المرتفعة.
وتقدَّمت دول الشرق الأوسط نسبياً بسبب مستوياتها الجيدة في معيار تعاطي الكحول.
المال والصحة .. أين تجد السعادة؟
فشلت دول مجموعة العشرين في الوصول إلى المراكز الـ23 الأولى من مؤشر الصحة.
ويقول ديفيز إن الولايات المتحدة أُعيقت بسبب السمنة المفرطة، والاكتئاب، والكسل، وعوامل أخرى مختلفة.
حيث يركز مؤشر الصحة العالمي على عشرة مقاييس رئيسية: ضغط الدم، وجلوكوز الدم، والسمنة، والاكتئاب، والسعادة، وتعاطي الكحول، واستخدام التبغ، وممارسة الرياضة، والعمر الصحي المتوقع، والإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية.
وقد استقى المؤشر بياناته من مصادر قياسية منها: المرصد الصحي العالمي التابع لمنظمة الصحة العالمية، والأمم المتحدة، إلى جانب تقرير السعادة العالمي، وبيانات الصحة العامة، ويعرض الدول تصاعدياً من الأضعف إلى الأقوى في كل مقياس من المقاييس المستخدمة.
واستبعد المؤشر أي دولة تفتقد لأكثر من نقطة بيانات واحدة، لتتبقّى 151 دولة في الترتيب النهائي.
بالإضافة إلى ذلك، أعدَّ المؤشر تصنيفاً خاصاً لدول مجموعة العشرين الاقتصادية، إلى جانب الدول العشرين الأكثر تعداداً للسكان، للوصول إلى قائمة تستبعد الدول الصغيرة، لكنها تغطي أكثر من 95% من البشر في الوقت نفسه.
ارتفاع معدلات الاكتئاب والسمنة في الدول المتقدمة
يقول ديفيز: "في حين أن الدول الغنية تميل إلى قيادة العالم، تسجل العديد من الاقتصاديات الناشئة مراتب أعلى من بعض الأمم المتقدمة".
ويُعزى ذلك إلى الارتفاع الكبير في العمر المتوقع في هذه الدول خلال السنوات الأخيرة، مشيراً أيضاً إلى ارتفاع معدلات الاكتئاب، والسمنة في الدول المتقدمة.
ويضيف: "يُظهر التصنيف المنخفض لدول مثل جنوب إفريقيا -التي تلقَّت الكثير من الإشادة بسبب معدل نموها الاقتصادي في بداية الألفية الثالثة- أن الترتيب المبني على المعايير الاقتصادية التقليدية مثل: إجمالي الناتج المحلي وحده قد يغفل عن أجزاء مهمة فيما يتعلق برفاهية دولة ما".
وبحسب ديفيز، يمكن في النهاية الحكم على اقتصاديات المستقبل على ثلاثة مستويات، تشمل:
- المقاييس التقليدية للاقتصاد الكلي مثل: إجمالي الناتج المحلي، ومعدلات التوظيف.
- المؤشرات التي تظهر مقدار عدالة الدولة ونزاهتها.
- مستوى جديد يشمل مقاييس الصحة والسعادة والرفاهية.
وأضاف: "يكمن التحدي في أن هذه الطبقة الأعلى مرتبة (الصحة والسعادة والرفاهية) قد تكون هي المحور الأهم للرعاية الحكومية، وقد تكون أيضاً الأصعب في القياس".