«الخبرة الكندية».. عن أكثر صعوبات العمل في كندا!

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/06 الساعة 11:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/07 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
اجتماع عمل في إحدى الشركات الكندية / iStock

أَلْفِتُ عناية الحكومة الكندية إلى واحدة من المفارقات التي تواجه القادم الجديد في كندا، وهي ما يسمى "Canadian Experience-الخبرة الكندية".

يأتي المهاجرون ممن استقطبتهم برامج الهجرة من خلال "skilled workers"، ومنهم المعلم والطبيب والمهندس والمحاسب وغيرهم كثير، ويكون كل منهم قد أضنته سنوات الدراسة ثم دخل معترك العمل وحقق خبرة لا يستهان بها في بلده الأم، فإذا ما حط قدماه في بلاد السيدة كندا، وجب عليه أن يصفّر عداد عمره وخبرته من جديد، ليبدأ المعداد سيرته الأولى كأنه قادم إلى الحياة من جديد!

وكلما توجه للتقدم إلى عمل ما يباغته السائل بسؤال بليد: "هل لديك خبرة كندية؟"، دون أي اهتمام بخبرته في بلده الأم! ومن خلال التجربة، لديّ اعتراضان على هذا السؤال التقليدي: أولاً، سؤال كهذا يفتقد المنطق، فكيف لقادم جديد أن يحوز هذه الخبرة وهو اسمه قادم جديد! والاعتراض الثاني -وهو الأهم- أن التقليل من الخبرات السابقة للقادمين الجدد وعدم الأخذ بها يُعتبران نقطة ضعف وتعالٍ في منظومة العمل بكندا.

ولو أن هذه المنظومة غيَّرت من استراتيجيتها، واستثمرت هذه الخبرات، وذللت العقبات أمام أصحابها من خلال إتاحة الفرص للدخول سريعاً في سوق العمل، لأثمر ذلك تنوعاً في الخبرات فريداً من نوعه بالعالم أجمع.

كندا تُفاخر بتعدد الثقافات على أراضيها، فلم لا يكون هناك تفاخر بتعدد الخبرات أيضاً؟ ولِم نضيّق على أنفسنا وعلى المجتمع الكندي ونحصر الخبرة فنجعلها تحت اسم واحد: "الخبرة الكندية"؟! هل هذا نوع من الغرور أو النرجسية تمارسه بعض الجهات التوظيفية في البلد؟! أعتقد أن هذا الأمر لا يستوي مع بلاد تسمي نفسَها بلاد المهجر، وتدفُّقُ المهاجرين فيها يعتبر سبباً حيوياً لاستمرار نبض الحياة فيها.

أتمنى على الحكومة الليبرالية، ممثلة برئيس الوزراء العزيز جاستن ترودو الذي أعتز بالاإنتماء إلى حزبه، ألا يستهينوا بالخبرات والعقول المهاجرة، وأن يعطوها حق قدرها، وأن يكبحوا جماح الشركات الكبرى التي تجعل من الخبرة الكندية شرطاً لازماً للحصول على أي عمل وتتذرَّع بهذا الشرط (وبالمناسبة هو شرط غير قانوني)، لتجبر المهاجر الجديد على العمل التطوعي لديها، ريثما يحصل على الخبرة الكندية، ويسمونه عملاً تطوعياً، ولكنه ينطوي على كثير من الاستغلال والابتزاز. ولقد خصصت مقالة هامة تحدثت فيها عن إشكالية وازدواجية العمل التطوعي "Voluntary work"، عنوانها "العمل التطوعي في كندا بين الفضيلة والاستغلال".

عودة لموضوع المقالة، أرجو السعي جدياً لتخفيف العبء عن المهاجر الجديد، بحيث تكون شروط الدخول إلى سوق العمل عند الحدود الدنيا، وفي كل التخصصات، وخاصة حاملي الشهادات العليا الذين قُبلت ملفاتهم أصلاً بموجب شهاداتهم ومهاراتهم في بلدانهم، فهل يجوز تجريدهم منها بمجرد وصولهم إلى كندا؟! إن هذا الأمر يحمل كثيراً من التناقضات، وبرأيي يترتب عليه سلبيات عدة، يحضرني بعضها الآن.

أولاً: تأخير اندماج المهاجر في المجتمع الكندي، بسبب عدم تسهيل دخوله المبكر إلى سوق العمل.

ثانياً: عدم توافر فرص العمل في وقت مبكر، يبرر للقادم الجديد السعي للحصول على "welfare"، وهذا بدوره يكلف خزينة الدولة ودافعي الضرائب ملايين الدولارات كل عام. وينجم عنه لاحقاً اتكال الشخص على معونات الدولة، فتثبط الهمم وتذبل العزيمة، ويتحول القادم الجديد إلى عالة مبكرة برزت في غير وقتها، بدلاً من استثمار إمكاناته وحرفيته بشكل يجعله يَفيد ويستفيد.

وهناك أمر غاية في الأهمية، أودُّ لفت عناية الحكومة الكندية إليه: إن المهاجرين عموماً -وخاصة القادمين من الشرق الأوسط ومن سوريا تحديداً- معظمهم أناس عصاميون لم يعتادوا أخذ مساعدات مادية من دولهم، بل اعتادوا العمل وبذل الجهد والتكافل فيما بينهم، ومعظمهم يمتاز بكفاءات وخبرات وحرفية عالية قلَّ مثيلها. لذلك، أخشى ما أخشاه أن يألف الناس عيش المعونات فيستغنوا عن أحلامهم التي رسموها في موطنهم الجديد.

ثالثاً: اضطرار البعض إلى العمل بـ"الكاش"، ما ينجم عنه استغلال أرباب العمل إياهم، وربما أكل حقوقهم أحياناً، فضلاً عن خسارة خزينة الدولة جزءاً من عائدات الضرائب، التي يصعب تحصيلها في هذه الحالة.

رابعاً: إن عدم الانخراط في العمل مبكراً يجعل القادم الجديد عرضة للفراغ القاتل، الذي يؤدي إلى كثير من المشاكل الاجتماعية والصحية والنفسية، خاصة عندما يتزامن ذلك مع صدمة الاغتراب الأولى؛ فيزداد "الطين بلة"، وتتضاعف العقبات أمام المهاجرين، وهو ما يضطر البعض إلى التفكير جدياً في العودة إلى وطنه الأم، وقد تنجم عن ذلك تداعيات سلبية على حركة الهجرة إلى كندا عموماً. ولعل هناك سلبيات عدة، أترك لكم وللقارئ الكريم تخيُّل تبعاتها.

اقتراح: إن كان لا بد من الخبرة الكندية، فأقترح على الحكومة إحداث برنامج يمكن تسميته: (Canadian Experience Program" (CEP" برنامج الخبرة الكندية، شبيه ببرنامج الـ"co-op"، ولكن أكثر تركيزاً. يستطيع المهاجر الجديد الالتحاق بهذا البرنامج على مدى شهر مكثف، يطلع خلاله على آليات العمل في السوق الكندية، كل حسب مجاله وتخصصه، ومن ثم يمكن اعتبار حضور هذه الدورة التأهيلية التفاعلية بوابة عبور رسمية لدخول سوق العمل الكندية.

وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولية، أحببت أن أسلط الضوء على هذه المشكلة الحقيقية التي تعرقل مسيرة الكثيرين، فضلاً عن محبتنا هذا البلد العظيم الذي يرحب بكل المهاجرين إليه، ونعتبره وطننا الثاني بكل فخر واعتزاز؛ ومن ثم نغار عليه من أن يعبث به العابثون، أو أن يُساء إلى أحد فيه، أو أن يُستغل على أرضه.

أخيراً، أتمنى على الحكومة النظر في هذه المسألة والمقترح الذي قدمته آنفاً، وإيلاءهما العناية المستحقة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
معتز أبو كلام
مؤسس ورئيس تحرير صحيفة أيام كندية
تحميل المزيد