طريقة بسيطة يمكنها زيادة إنتاجيتك ورفاهيتك في العمل.. ما هي «الاستراحات الصغيرة»؟

يمكن أن تستمر فترات الاستراحة الصغيرة من بضع ثوانٍ إلى عدة دقائق، وتتراوح من صنع كوب من الشاي إلى بعض تمارين الإطالة أو مشاهدة مقطع فيديو موسيقي.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/05/13 الساعة 14:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/12 الساعة 21:19 بتوقيت غرينتش
طريقة بسيطة يمكنها زيادة إنتاجيتك ورفاهيتك في العمل.. ما هي «الاستراحات الصغيرة»؟

هناك مشهد في مسلسل "The Office" الشهير، كان فيه ديفيد برنت، الرئيس النرجسي والأناني، يلقي خطاباً تحفيزياً على موظفيه.

يقول برنت: "الضحك هو أفضل دواء"، شارحاً للموظفين أن هذه الطريقة تقلل من الإجهاد وأنه يحب القيام بذلك عدة مرات خلال يوم العمل، ثم برهن على تلك الطريقة بالانفجار كالمعتوه في نوبة ضحك بمفرده. والجميع يراقبونه في صمت،  لم يستغرق سوى 30 ثانية، إلا أن الأمر بدا لهم كأنه سيستمر للأبد.

لكن يبدو أن تلك الشخصية قد قالت شيئاً مهماً للمرة الأولى. فقد كان برنت يتحدث، دون أن يدرك ذلك، عمّا يطلق عليه الخبراء الاستراحة الصغيرة، وهي أيّ نشاط قصير يساعد في كسر رتابة المهام البدنية أو الذهنية خلال يوم العمل.

مختصرة واختيارية

يمكن أن تستمر فترات الاستراحة الصغيرة من بضع ثوانٍ إلى عدة دقائق، وتتراوح من صنع كوب من الشاي إلى بعض تمارين الإطالة أو مشاهدة مقطع فيديو موسيقي.

على الرغم من أن فترات الراحة صغيرة، إلا أن تأثيرها قد يكون قوياً للغاية؛ بحسب ما نشره موقع BBC Mundo

أظهرت الدراسات أن هذه الطريقة تحسن من قدرة العاملين على التركيز، وتغيّر الطريقة التي يرون بها عملهم، وتساعد كذلك في تجنب الإصابات المعتادة التي يعاني منها الأشخاص المقيدون بالجلوس خلف مكاتبهم طوال اليوم.

الحقيقة هي أنه لا يوجد إجماع على مدة الاستراحة أو عدد مرات الحصول عليها؛ إذ تعتمد الإجابة على ما هو الأمر الافضل لكل موظف.

في الواقع، إذا كنت تميل بانتظام للتحدث إلى الشخص المجاور لك أو لإلقاء نظرة على هاتفك، فقد تكون بالفعل أستاذاً في هذا الأسلوب.

وفقاً لسويول كيم، طالب الدكتوراه بجامعة إلينوي والخبير في فترات الاستراحة الصغيرة، هناك قاعدتان فقط: يجب أن تكون مختصرة واختيارية.

يرى كيم أن الاستراحات هي وسيلة للتعامل مع حقيقة أن معظم الناس يقضون يومهم في العمل.

يقول: "لكن في الواقع، عادة ما تكون الراحة الرسمية لدينا هي وقت الغداء".

تأثير مهدّئ

ابتكر هذه التقنية باحثون في المعهد الوطني للسلامة والصحة المهنية في أوهايو وجامعة بوردو في إنديانا في أواخر الثمانينيات.

أراد الباحثون معرفة ما إذا كانت الاستراحات لفترة زمنية قصيرة يمكن أن تزيد من الإنتاجية أو تقلل من الإجهاد، لذلك قاموا بمحاكاة بيئة عمل للدراسة.

بعد ذلك دعوا 20 مشاركاً إلى العمل هناك لمدة يومين لأداء مهمة روتينية للغاية، وسُمح لكل مشارك باستراحة كل 40 دقيقة عمل.

خلال هذه الاستراحة، التي استمرت بشكل عام 27 ثانية فقط، علّق المشاركون عملهم ولكنهم ظلوا في أماكنهم.

بعد ملاحظة معدلات ضربات القلب وإنتاجية موظفيهم قبل وبعد كل فترة استراحة، اكتشف العلماء أن الاستراحات لم تكن مفيدة كما كانوا يتوقعون.

في الواقع، كان أداء المشاركين أسوأ في بعض المهام بعد الاستراحة، كما يتضح من انخفاض عدد ضربات على لوحة المفاتيح في الدقيقة.

لكن لوحظ أن الأشخاص الذين أخذوا فترات راحة أطول بفارق طفيف يميلون إلى انخفاض معدل ضربات القلب، مما يشير إلى وجود تأثير مهدئ.

بالإضافة إلى ذلك، لم يتطلب العمل الذي أدوه تصحيحاً أو تعديلات كثيرة.

بعد أعوام من الأبحاث، توجد الآن العديد من الاختبارات التي تشير إلى أن هذا الأسلوب يمكن أن يكون مفيداً في تقليل الإجهاد وإبقاء العاملين ملتزمين وجعل العمل أكثر متعة.

تمارين الإطالة أمر مهم

على الرغم من الدلائل التي تشير إلى الفوائد المتعددة للاستراحات القصيرة، فالمجال الوحيد الذي جرى تطبيق هذا الأسلوب على نطاق واسع فيه كان بهدف تقليل خطر حدوث إصابات المكتب.

تقول كاثرين ميرتس، الاختصاصية في علم العمل والعلاج الطبيعي وخبيرة الصحة والسلامة في شركة Posturite الاستشارية: "نوصي جميع عملائنا بهذا".

يُعتقد أن الفواصل القصيرة تساعدنا في التخلص من إجهاد أجزاء معينة من الجسم، مثل الرقبة التي نستخدمها طوال اليوم. وتقول كاثرين: "الأمر المهم هو أن يحدث ذلك بانتظام".

لا حاجة لقول ذلك، ولكن إذا توقفت لمنح جسمك بعض الراحة، لا تشاهد مقاطع الفيديو، فمن الأفضل أن تفعل نشاطاً جسدياً مثل الوقوف أو تغيير وضعية الجلوس.

ثبتت فعالية هذا الأسلوب في مجال الجراحة بشكل خاص؛ ففي هذا المجال الذي يتطلب أقصى درجات الدقة، يمكن أن تكلف الأخطاء حياة المريض، لذلك، كان من المهم إيجاد طرق لمساعدة الجرّاحين على تجنب الألم الذي يؤثر على تركيزهم.

في عام 2013، حللت دراسة صغيرة ما إذا كانت الاستراحات القصيرة قادرة على تخفيف حدّة الإجهاد.

ودرس باحثان من جامعة شيربروك في ولاية كيبيك بكندا 16 جراحاً لمعرفة ما إذا كان للاستراحات الصغيرة لمدة 20 ثانية كل 20 دقيقة تأثير على الإرهاق الجسدي والنفسيّ.

تتبع الباحثان كل جرّاح في ثلاث حالات مختلفة: قبل العملية، وبعد العملية التي سُمح له فيها بالراحة لفترة وجيزة ومرة أخرى بعد الجراحة الخالية من فترات الراحة الصغيرة.

خلال فترات الاستراحة، طُلب منهم مغادرة منطقة العمل لفترة قصيرة وممارسة بعض تمرينات الإطالة.

والمثير للدهشة أن الجراحين كانوا أكثر دقة بسبع مرات في رسم صورة على الورق بعد العمليات التي سُمح لهم فيها بالراحة.

كما أظهروا نصف مستويات الإرهاق البدني وشعروا بألم أقل في الظهر والرقبة والكتفين والمعصمين.

الابتعاد عن العمل

لا تقدم الاستراحات الصغيرة مزايا مهمة فحسب، بل تمنح العاملين أيضاً إذناً للاستمتاع بما كان يبدو سابقاً مضيعة للوقت.

وفقًا لإحدى الدراسات، فإن أخذ استراحة لتصفح الإنترنت أو تأمل المناظر الطبيعية يمكن أن يحسن الإنتاجية ويساعد الموظفين على التركيز.

في الواقع، يعتقد بعض العلماء أن الحصول على فواصل صغيرة هو جزء أساسي من طريقة عملهم.

تتوافق نتائج هذه الاكتشافات مع فكرة أن أسلوب الراحة هذا يسمح بعملية تُعرف باسم "الانفصال النفسي"، التي تحدث عند انفصال الذهن عن المهامّ الإلزامية وتسمح للعقل بالانتعاش.

يتعلق الأمر بتغيير تركيز أفكارك بفعالية، لذلك لا تفكر في العمل أثناء محاولة الاسترخاء.

حلل أندرو بينيت، خبير السلوك الاجتماعي، فترات الاستراحة القصيرة في أطروحة الدكتوراه الخاصة به أثناء دراسته في جامعة فرجينيا كومنولث.

كان اكتشافه الرئيسي هو التحقق من الطريقة التي يمكن بها لمقطع فيديو مضحك أن يحفز الناس ويركز انتباههم.

كان الأفراد الذين شاركوا في الدراسة أقل إجهاداً، وسجلوا تأخيراً أقصر في أوقات استجابتهم خلال تأدية اختبارات معرفية.

غيّر ما يلزم تغييره

بالطبع، قد لا تبدو مشاهدة مقاطع الفيديو جيدة أثناء وجود رئيسك في العمل، لكن هناك العديد من الطرق الأخرى التي يمكنك بها إجراء الاستراحات الصغيرة دون أن تبدو وكأنها استهتار أثناء العمل.

هذه هي نصائح بعض الخبراء:

يقول عثمان: "هناك طريقة جيدة لإجبار نفسك على أخذ قسط من الراحة وهي أن تضع قنينة بحجم لتر من الماء على مكتبك، لذا سيكون عليك أن تذهب إلى الحمام، وهو عذر جيد للنهوض كما أنه يُبقي جسدك رطباً".

أفضل اقتراحٍ لبينيت هو عدم جعل فترات الاستراحة طويلة للغاية: "الاستراحة الصغيرة ليست هي الوقت المناسب لمشاهدة عدّة حلقات من مسلسلك المفضّل".

من جهته، يقول كيم إن اختيار الطريقة التي يقضي بها الناس فترات الراحة يجب أن تعتمد فقط عليهم، لأنه من المحتمل أن كل مهنة تتكيف بشكل أفضل معيّن مع نوع من الراحة.

توصي ميترس بممارسة بعض تمارين الإطالة في المكتب، مثلاً السير نحو النافذة لمعرفة ما يحدث في الخارج.

تقول: "هذا يريح عيني وذهني"، مضيفة: "كما يشجعني على تعديل وضعيتي في مقعدي لبعض الوقت".

إذا كنت قلقاً بشأن تباعد فترات الراحة بالتساوي، يقترح الخبير وضع ساعة رملية على مكتبك.

إذا كنت تنوي أن تطلب إذن رئيسك لتنفيذ هذا الأسلوب، فإن عثمان لديه نصيحة ذكية؛ أثناء المحادثة مع رئيسك لا تُطلق على الأمر استراحة، بل يمكنك تسميتها: "تغيير للنشاط" الجسدي.

في الختام، إذا اكتشفت أن رئيسك يضحك بصوت عالٍ أو إذا رأيت زملاءك يمارسون بعض تمارين الإطالة بين الاجتماعات، فضع في اعتبارك أنهم ربما يعيدون تنشيط عقولهم قبل استئناف عملهم التالي.

تحميل المزيد