هل تعلم أن هناك جانباً إيجابياً للخوف، وأنه يمكن استخلاص بعض الفوائد من هذه المشاعر التي قد تبدو سلبية وسيئة؟
قد نعتبر مشاعر الخوف والقلق نوعاً من المشاعر السلبية التي تعوقنا عن التقدم والنجاح، أو حتى على أفضل تقدير التمتع ببعض الهدوء والطمأنينة، لكن الأمر ليس سيئاً إلى هذا الحدّ.
نتعرف في هذا التقرير على فوائد الخوف التي يمكن أن نحققها كأفراد أو مجتمع:
ما هو الخوف؟
الخوف هو استجابة حيوية لخطر جسدي أو عاطفي تطور مع الجنس البشري باعتباره غريزة للبقاء على قيد الحياة.
إذا شعرنا بعجز عن حماية أنفسنا من التهديدات المشروعة، فإننا نشعر بالخوف.
لكن، وفي كثير من الأحيان فإننا نشعر بالخوف من المواقف التي قد تكون بعيدة كل البعد عن الحياة أو الموت، وهو ما يسمى "الخوف غير المنطقي".
وتُشير سيكولوجيا هذا النوع من الخوف إلى أن للشخص قدرةً على معالجة نوعٍ أعلى من الاحتمالات لشيء قد يحدث فعلياً.
فكثير منا يعلن بسعادة تامة أننا نفضل أن نسافر في السيارات بدلاً من ركوب طائرة على الرغم من كون الإحصاءات تُظهر بوضوح أن عدد الأشخاص الذين يموتون في حوادث السيارات أكثر من حوادث الطيران كل عام.
هذه اللاعقلانية سببها قدرة الشخص على تضخيم احتمالات وقوع حدث رآه يحدث من قبل فعلياً أمامه.
وفي عصرنا الحديث، يتسبب في الخوف أحداث لا علاقة لها بحفظ البقاء أو استمرار الحياة، مثل الخوف من امتحان ما، أو الخوف من إدارة ندوة أمام الجمهور.
رد الفعل الإنساني على الخوف يكون إما بالقتال أو بالهروب.
ما هو القلق؟ وما علاقته بالخوف؟
غالباً ما يتزامن الخوف والقلق معاً، ولكن يرتبط الخوف بتهديد معروف أو مفهوم، في حين أن القلق ينبع من تهديد غير معروف أو غير محدد بشكل جيد.
الخوف والقلق ينتجان ردوداً مماثلة لأخطار معينة، لكن العديد من الخبراء يعتقدون أن هناك اختلافات مهمة بين الاثنين.
يمكن أن تفسر هذه الاختلافات كيفية تفاعلنا مع الضغوط المختلفة في بيئتنا.
يمثل توتر العضلات، وزيادة معدل ضربات القلب، وضيق التنفس، أهم الأعراض الفسيولوجية المرتبطة بالخوف والاستجابة للخطر.
يُعتقد أن هذه التغييرات الجسدية ضرورية للحفاظ على بقائنا، وبدون الاستجابة لهذه التغيرات، لن تتلقى أذهاننا إشارة الخطر التنبيهية ولن تتمكن أجسامنا من الاستعداد للفرار أو البقاء والقتال.
القلق لا يكون نتيجة تهديد معروف أو محدد، بل يحدث نتيجة لرؤية عقلك للمخاطر المحتملة التي قد تنشأ على الفور.
وغالباً ما يصاحب القلق العديد من الأحاسيس الجسدية غير المريحة، والتي تشمل: الصداع، اضطرابات النوم، الشعور بالألم في جميع أنحاء الجسم وخاصة في الرأس والعنق والفك والوجه، ألم في الصدر، الرنين أو النبض في الأذنين، التعرق المفرط والارتعاش.
فوائد الخوف
نعم، للخوف جوانب إيجابية، ومنها:
1- دور الخوف في حفظ البقاء:
دون الخوف كان يمكن أن ينتهي كثير من أنواع الحيوانات، وكان يمكن للإنسان البدائي أن ينقرض أيضاً ويكون مصيره كغداء لحيوان مفترس جائع.
دفعنا الخوف أن نتعلم كيفية صناعة أسلحة الصيد، وهو ما جعلنا نتمكن من الحياة مع الحيوانات المفترسة بل وحماية أنفسنا منها.
2- الخوف والقلق يساعدان على التطور المهني
يولد الخوف شعوراً بالقلق والترقب تجاه الحدث الذي يُسبب لك هذا النوع من المشاعر.
فإذا كنت بصدد إلقاء عرض تقديمي عام أمام جمهور غير مُحدد العدد، فربما يكون هذا حدث مُخيف بالنسبة لك.
الأمر الإيجابي أن الخوف هذا يخلق لديك حالة من التحدي، وهي الحالة التي تجعلك تُقدّم أفضل ما لديك، لأن القلق يمنحك الأدرينالين لتقديم عرض جذاب.
في هذه الحالة غالباً ما يكون تهدئة نفسك أمراً خاطئاً، فقد وجدت الأبحاث التي أجراها أليسون وود بروكس في كلية هارفارد للأعمال، أنه عندما وصف المشاركون أعصابهم بأنها مُستثارة، استطاعوا أن يُقدموا عروضاً عامة أفضل من أولئك الذين حاولوا الاسترخاء وتهدئة أنفسهم.
قد ينشأ الخوف عن تخيل أسوأ السيناريوهات، ما يجعلنا نتلافى حدوثها بالفعل. كما أنه يُعلمنا أن نتعامل مع أفكارنا ونسيطر عليها إذا واجهنا أنفسنا بعدم منطقيتها.
3- الخوف والقلق يساعدان على قرارات أفضل
أثبتت التجارب أنه من الخطأ الاعتقاد بأننا نأخذ قراراتنا بشكل أفضل حينما نتحكم في مشاعرنا ونسيطر على مشاعر الخوف والقلق التي نُعاني منها.
هناك الكثير من الأبحاث التي تبين أن المستويات الأعلى من المخاوف والقلق يمكن أن تجعلنا أكثر كرهاً للمخاطرة عند صنع القرار.
في دراسة أُجريت عام 2009 تطلبت من المشاركين الاختيار من بين مجموعة من البطاقات المحملة بفرص مختلفة من المكافآت والعقوبات، فقد تجد في إحدى البطاقات أنك حصلت على مبلغ مالي، وقد تجد في بطاقة أخرى أن هناك عقوبة يجب أن تُطبق عليك.
وقد وجد الباحثان مارتينا كيرش وسابين ويندمان أن الأطفال والبالغين الذين كانوا أكثر قلقاً أدوا أداءً أفضل، وأظهروا أنهم كانوا أكثر قدرة على تتبع الفوائد وتجنب المخاطر النسبية.
4- الحفاظ على سلوك أخلاقي جيد
وفقاً لتجربة نُشرت في PLoS ONE ، تم تقسيم 177 طالباً جامعياً في تركيا إلى 3 مجموعات:
وأظهرت الدراسة أن المجموعة التي تم تحفيزها بالكلمات التحليلية والعقلانية كانت الحساسية الأخلاقية تتعزز لديها باحترام النظام المدني ونتائج انتهاكه والعقوبات التي ستترتب على هذا الانتهاك.
بمعنى آخر فإن العامل الأساسي الذي يضمن سلوكنا الأخلاقي، بغض النظر عما إذا كان ديناً أو مؤسسة مدنية، هو الخوف.
5- الخوف الذي يقودك إلى القلق يعني أنك شخص أذكى
دراسة أخرى نُشرت عام 2012 كشفت أن الأشخاص الذين يحرزون نقاطاً أعلى في مقاييس القلق يميلون أيضاً إلى أداء أفضل في اختبارات الذكاء، وخاصة الذكاء اللفظي.
يبدو هذا بديهياً، فالخوف والقلق يقودانك إلى البحث في المستقبل وتخيل السيناريوهات المحتملة، بما في ذلك السيناريوهات السيئة.
المهم إذا كنت قلقاً هو ألا تترك خوفك يشلّ طموحاتك، ولا تدفن رأسك في الرمال، بدلاً من ذلك، تصرف بناءً على مخاوفك، قم بالبحث والتحضير.
لن يؤدي هذا إلى تخفيف حدة مخاوفك وقلقك فحسب، بل سيعزز أداءك أيضاً.