لحى قبيحة وعيون جاحظة.. نظرة على “شيطنة” الملتزمين في السينما المصرية

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/08 الساعة 11:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/08 الساعة 11:39 بتوقيت غرينتش

القاهرة – 1930

الأفلام الأولى في تاريخ السينما المصرية، أفلام تميزت بالطابع الاجتماعي الديني نظراً لنوعية الروايات وشخصيات الروائيين الذين كان يؤخذ عنهم، كالكاتب محمد حسين هيكل وروايته "زينب" التي تتناول الحياة الريفية في المجتمع المصري، والأخلاق السائدة في الحياة الزوجية والعلاقات بين الأفراد.

الأمر الملحوظ أنه كان من الطبيعي أن تجد لكل قرية شيخاً ولكل أسرة رباً، وجميعهم يؤدون الصلوات وأيضاً من الطبيعي أن تصادف أذناك في أفلام هذه الآونة تحديداً كلمات مثل "اتقِ الله يا فلان، حسبنا الله ونعم الوكيل.. إلخ"، والمميز أن الشخص الذي يفعل أياً من هذا يبدو كشخص عادي، كأب أو خال أي أحد منا. وتنوعت الكتابات بين الرومانسية والفكاهة والاجتماعيات والدراما وغيرها حتى ثورة 23 يوليو.

القاهرة – 1960

امتازت هذه الفترة تحديداً وما سبقها بأعوام قليلة بأفلام الحروب وأغاني شد عزم جنودنا في سيناء، ولكن بعد النكبة وبعد أن هبت الدراما تُنسي الشعب ما سُلِب منه كعادتها، وبعد أن تلهّى الشعب عن سيناء الحبيبة، برز النزاع بين السلطات المصرية وأنتج فيلم "الزوجة الثانية – 1967″، وهنا كانت أول مرة في تاريخ السينما المصرية تظهر شخصية الشيخ الضعيف الموالي للسلطات ويشرّع للسلطة باقتصاص الآيات القرآنية، ولكنه كان كذلك يظهره كإنسان فاسد، ومع ذلك كانت هذه فترة القضاء على كل من يقول قال الله وقال الرسول، ولا سيما على كل من يعترض رغبات السلطات.

القاهرة – 1970

في ظل التصالح بين الحركات الإسلامية والرئيس الراحل محمد أنور السادات وخروجهم من سجون ومنافي عبد الناصر بعفو رئاسي، انتشرت الأفلام التي تندد بفكرة البوليس السياسي "المخابرات"، بالإشارة إلى نظام عبدالناصر الذي اعتقل وأعدم الكثير من الشباب الأحرار من أبناء عامة الشعب بتهمة أنهم شيوعيون وإسلاميون، فظهرت أفلام مثل "الكرنك" عام 1975 والذي دقق في اعتقال الفتيات والاعتداء عليهن، وفيلم "إحنا بتوع الأوتوبيس" عام 1979 الذي أظهر وحشية هذه المؤسسة والظلم الذي حل على الشعب منهم، ولكن كل هذا كان إرضاء لتوجهات السلطة فقط وليس أي من الممثلين يمثلون وجهات نظرهم التي أنت أيضاً عزيزي القارئ سينتابك الذهول حول بعض أبطال هذه الأعمال فيما بعد.

القاهرة – 1980 حتى الآن

راح السادات في عملية اغتيال، ولم يكشف لنا حتى الآن عن دليل واحد حقيقي في مقتل رئيس الدولة وسط جمع من الوزراء والضباط والعساكر، فعادت المناوشات بين الإسلاميين والسلطة في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وسبحان ذي الملكوت، من ندد الأمس بظلم الدولة المصرية في حق أبناء الشعب، بأفلام تكشف ما كان في عهد عبدالناصر، صاروا أصحاب الفكر المضاد اليوم ولسان الدولة في عهد مبارك، فكان عادل إمام النجم اللامع في "الإرهاب والكباب"، "طيور الظلام"، الإرهابي"، وأدوار أخرى في أفلامه مثل "بخيت وعديلة"، حتى يراودك السؤال: هل أنت عادل إمام الذي قال "إحنا بتوع الأوتوبيس يا اخوانا" أم "لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي"؟، وكلاهما موقفان ولسانان متضادان، فأي شخص منهما أنت؟ هل الفنان قد يقدم ما لا يؤمن به في سبيل المال والشهرة؟ هل هذه الرسالة التي صدعتم بها رؤوسنا طيلة سنوات بالتحدث عنها، هل الموهبة في نجاحك بتقديم الشخصية حتى إن أساءت لك ولدينك ومجتمعك ولفنك ولسمتٍ معين من الناس؟

وأعمال أخرى لممثلين آخرين، ومن هنا بدأ يتخذ "الإرهابي" شكلاً لم نعرفه في أي من العلماء المسلمين الحقيقيين، وجه غاضب، عيون جاحظة، لحى رديئة، وأخلاق لا تمت للإسلام بِصِلة، كإطلاق النظر وارتكاب الفواحش، ومع ذلك يجعلونه يقول: "الله المستعان" كأنها دليل تعرِّفك على "الإرهابي".

ويأتون بمشهد آخر لهذا الذي يقوم بدور العربيد، وهو يصلي، ولم أفهم أبداً سر هذه المشاهد، وكذلك لم أكن أفهم كيف استطاع المؤلفون استنتاج هذا الشكل للإرهاب وحياتهم اليومية، هل تطوعوا في خلايا من قبل مثلاً؟ وهل يعقل أن الإسلاموفوبيا بدأت منا نحن؟!

الحقيقة أن الأمر لم يقتصر بعدها على اللحية أو الصلاة، بل بدأوا في إدخال الحجاب إلى المسألة، فمتى أردت تجسيد شخصية لامرأة غير سوية، متعصبة، بها كل العبر والصفات البغيضة فقط كل ما عليكِ عزيزتي الفنانة سوى أن تأتي بحجاب شرعي وترتدينه بشكل مقزز لا تستطيع أي فتاة أن ترتديه وهي تنشر غسيلها وارفعي صوتك قدر المستطاع، وتحدثي عن كل شخص بازدراء وتهكم وأظهري كمّاً لا يتحمله الشيطان من الكبر والأنانية، فتكونين بهذا مبارك عليك الدور.

الغريب في الأمر أنه متى أراد المخرج أن يعرض استشفاء هؤلاء الأشخاص فلا بد للملتحي أن ينتهي عن اللحية والصلاة ويبدأ في الخروج والسفر ومن بعدها -سبحان الله- يلتقي بفتاة أحلامه ويقيم معها ارتباطاً غير شرعي -وغير مقبول مجتمعياً على الأقل- وينجح بعمله وترضى عنه الحياة، وكذلك الفتاة تخلع الحجاب أو النقاب وتبدأ في ممارسة الرياضة وتهدأ أعصابها وتلوم نفسها على ما سبق ويعود لها أهلها وأصدقاؤها، كأنهم يقولون لك: عزيزي المشاهد، هل تريد العيش الكريم؟ فقط تخلَّ عن دينك أو حريتك في الملبس والمظهر الذي تريده، فقط إن كنت تبدو ملتزماً دينياً، بهذه البساطة تكون ضمن المجتمع.

ثم نأتي بعد ذلك ونتعجب: لماذا يُرى الإسلام من قبل الكثيرين في الغرب كـ"إرهاب"، وليس كأي ديانة ومعتقد سماوي أو أرضي حتى؟ لماذا يتعرض المسلمون في شتى بقاع الأرض لعواقب الإسلاموفوبيا؟ والإجابة أنه إن كنا نحن نرضى بأعمال كهذه وإن كنا نحن قبلنا على أنفسنا هذا الوصم، فكيف للغرب أن ينظر لنا؟

على مدار سنوات، بل نقول عقود، تحولت ثقافة الدراما المصرية من تعظيم رجال الدين أو احترامهم، إلى وضعهم في أسوأ الصور وأحقر الأدوار، بل حتى متى أرادوا إعطاء دور إمام مسجد فيجلبون كومبارس، شرط أن يكون أملس الوجه يصعد على المنبر فيمجد في السلطات وينسى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إن النموذج الذي عُرض في فيلم "الزوجة الثانية" في شكل شيخ يعظم سلطات مستبدة هو نفسه الدور ولكن من زاوية أخرى يظهر بها بشاشة الوجه وطيب النفس.

ولا عجب أن يتعجب المرء من العوام حينما تتحدث أمامه بالفصحى فتقول "اللهم بارك" مثلاً، فيستنكر لهجتك الفصيحة ويستنكر الدعاء بالبركة؛ لأن كلامك ببساطة يشبه كلمات هؤلاء الممثلين في أدوارهم المذكورة سابقاً.

وأقول: متى أراد مجتمع أن يقاوم الفساد، متى أراد الإنسان أن يعيش حياة كريمة، فالحل قبل الثورات والنقاشات الطويلة، أن يستعيد هويته المسلوبة، عليه أن يعرف مَن هو حقاً: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رضوى موسى
كاتبة مصرية
تحميل المزيد