عرفته أوروبا من الدولة العباسية، وتحوّل أداةً للصراع السياسي، ولكن: كم يجني لاعبو الشطرنج؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/15 الساعة 08:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/15 الساعة 08:16 بتوقيت غرينتش
iStock - كم يجني لاعبو الشطرنج؟

نسمع عن أرباح الشطرنج الكبيرة التي يجنيها اللاعبون المحترفون من لعبة بدأت في القرن السادس الميلادي باسم "تشاتورانجا"، وهو اسم سنسكريتي لمعركة مذكورة في ملحمة ماهابهاراتا الهندية -أحد الملحمتين الكبيرتين المكتوبتين بالسنسكريتية في الهند القديمة- لذلك يذهب المؤرخون إلى نشأتها من الهند (شمال شرق).

بحلول القرن العاشر الميلادي؛ باتت لعبة الشطرنج هي المفضلة لدى خلفاء الدولة العباسية بعد انتقالها إلى دول المشرق، إذ تذكر موسوعة Britannica أن مخطوطة تعود إلى القرن العاشر الميلادي تشير إلى أن ثلاثة من الخلفاء العباسيين المتعاقبين كانت الشطرنج لعبتهم المفضلة. 

ثم وصل الشطرنج إلى أوروبا عن طريق صقلية وإسبانيا المسلمتين آنذاك، ومنهما انتشرت اللعبة في باقي ربوع أوروبا حتى وصلت إنجلترا، وبالرغم من أن اللعبة حُظرت في البداية ( في القرن الثالث عشر) من قبل الكنيسة والملوك الأوروبيين، إلا أنها انتشرت فيما بعد بين الملوك وأصبحت لعبة ملكية بامتياز؛ إذ لعبها العديد من الملوك في أوروبا وصولاً إلى روسيا، وهو ما صبغ اللعبة بصبغة أرستقراطية، بحلول القرن الخامس عشر.

صبغ الشطرنج بصبغة أرستقراطية، بحلول القرن الخامس عشر - مصدر الصورة: iStock
صبغ الشطرنج بصبغة أرستقراطية، بحلول القرن الخامس عشر – مصدر الصورة: iStock

قبل الهوس بأرباح الشطرنج.. عن "التشاتورانجا" الملكية 

بدأ الشطرنج في الانتشار بين عامة الناس وأصبحت اللعبة ذات طبيعة تنافسية، في القرنين السادس والسابع عشر، إلا أنه لم يكن هناك أي مشاركات دولية بين اللاعبين من الأقطار المختلفة بسبب عدم وجود كيانات تنظم اللعبة عالمياً أو تصنف مستوى اللاعبين حول العالم أو في القطر الواحد طبقاً لمعايير محددة، لكن ذلك استمر حتى العام 1834

حيث شهد العالم في هذا العام أول مباراة دولية بين كبير لاعبي بريطانيا ألكسندر ماكدونيل والفرنسي لويس دي لا بوردونيه الذي انتهى بفوز الثاني، وهو ما مهد الطريق أمام المسابقات الدولية بين لاعبي الشطرنج الذين أرادوا لعب الشطرنج من أجل المتعة والتنافس. 

حتى هذا الوقت لم يكن هناك كيان أو اتحاد يدعم تلك المنافسات، لكن مع مرور الوقت بدأ شكل جديد في الظهور -بسبب أن اللاعبين أصبحوا يتنافسون على اللعبة من أجل المال- وذلك عن طريق دفع أنصار كل لاعب اشتراكاً من المال، ويذهب إجمالي المبلغ للمنتصر في تلك المنافسات، ووصلت المبالغ إلى 100 جنيه إسترليني. 

السعي وراء تشكيل الاتحاد، والثروة أيضاً 

انتشرت فكرة الاشتراكات المالية التي تُعطى للمُتوَّج بالبطولة حتى وصلت إلى الولايات المتحدة، حيث نُظمت أول بطولة وطنية في نيويورك في العام 1857 ليفوز بها بول مورفي بلقب بطل أمريكا. بعد ذلك قام مورفي بمنافسة الألماني أدولف أندرسن ليُصبح بطل العالم، ولكن حتى الآن كان هذا التتويج غير رسمي.  

بعد اعتزال مورفي الشطرنج، أصبح اللاعب النمساوي ويليام شتاينيتز بطل العالم بشكل رسمي أيضاً، بعد أن تمكن من هزيمة كل اللاعبين بمن فيهم أندرسن في العام 1866، وعلى إثر ذلك وضع شتاينيتز سلسلة من القواعد والشروط المالية التي بموجبها أراد الدفاع عن مكانته باعتباره بطل العالم الرسمي الأول في العالم، وكان أحد أهم الشروط هو وجوب أن يحصل بطل العالم على مقابل مادي للتنافس معه من قبل أي لاعب، وهو ما حُددت قيمتها في وقت لاحق – في العام 1922 – بمبلغ قدره 10 آلاف دولار

بعد سنتين، وتحديداً في العام 1924 وُلد الاتحاد الدولي للشطرنج في فرنسا المعروف باسم (FIDE)، والذي تشكل من اتحاد 15 دولة، وتولى منذ ذلك الوقت تنظيم البطولات الدولية والإقليمية وعلى رأسها بطولة العالم. 

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في خمسينيات القرن الماضي وعلى مدار عقدين؛ شهدت لعبة الشطرنج زيادة عدد لاعبيها بشكل كبير، إذ سجل الاتحاد الدولي للشطرنج زيادة عدد الأعضاء الذي قفز من 2100 عضو في العام 1957 إلى أكثر من 70 ألف عضو العام 1973، إلا أن هذا الصعود في عدد الأعضاء صاحبه مشهد آخر أثناء الحرب الباردة؛ كان عنوانه الأبرز الصراع بين القوى العظمى – الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي – في ذلك الوقت، والذي اصطبغت به لعبة الشطرنج وبقوة. 

الشطرنج أداةً للصراع السياسي وجمع المال أيضاً 

منذ العام 1951 إلى 1969 سيطر لاعبو الشطرنج السوفيتيون على ألقاب أبطال العالم كلها، بل وانحصر كل المنافسين على اللقب على لاعبين سوفيتيين، ما أعطى الاتحاد السوفيتي سمعة حول العالم كونهم سادة اللعبة الأكثر ذكاء ومكراً في العالم.  

وبينما كان الصراع في أوج قوته بين القوتين، انسحب الصراع على جميع المجالات المختلفة السياسية منها والعسكرية والعلمية، وأصبح كل إنجاز لأي من الدولتين يُستخدم في الترويج لضعف الخصم، وكان من بين هذه الدعاية الخاصة بالشطرنج، إذ استخدم الاتحاد السوفيتي دعاية مفادها كونه مصنع العباقرة الماكرين لاعبي الشطرنج حول العالم وبدون منافس على مدار عقدين، إلى أن جاء لاعب الشطرنج الأمريكي بوبي فيشر والذي تحدى هذه الدعاية وكتب فصولاً جديدة ليس فقط في لعبة الشطرنج، بل أيضاً في شكل الصراع القائم بين القوتين. 

وُلد فيشر في العام ​​1943 وجذب الأنظار منذ أن كان في السادسة من عمره عندما تفوق على لاعب الشطرنج الدولي دونالد بيرن وحصل على لقب بطولة نيويورك، ومن يومها لم يخسر فيشر أياً من المنافسات داخل الولايات المتحدة، وبذلك أصبح فيشر أصغر من حصل على لقب لاعب دولي في العالم، ما جعل الأنظار تلتف حوله كونه المنافس الأبرز لبطل العالم في ذلك الوقت؛ الروسي بوريس سباسكي.

بعد سلسلة من التجهيزات للقاء المنتظر، انتصر فيشر على سباسكي في العام 1972 والذي اُعتبر انتصاراً للولايات المتحدة على الاتحاد السوفيتي، وأظهر الأمريكيين على أنهم قادرون على هزيمة ندهم.

فيشر لم يعد معروفاً في عالم الشطرنج فقط بل على صعيد السياسة المهتمين بهزيمة أبطال الاتحاد السوفيتي، وقد كان لفيشر أجندة أخرى تتمثل في عدة تغييرات كبرى في الاتحاد الدولي للشطرنج، والتي كان جزءاً منها الحصة المالية المخصصة لبطولة العالم، إذ طالب فيشر في أن تصبح ربع مليون دولار، وقد وافق الاتحاد، ليحصد فيشر حصة المنتصر البالغة 156 ألف دولار، لتصبح هذه أكبر جائزة مالية على مدار تاريخ الشطرنج في ذلك الوقت، وهي الجائزة التي جعلت فيشر ثرياً.  

حتى إنه بعد وفاة فيشر في العام 2008؛ حكمت محكمة آيسلندية – التي حصل فيشر على جنسيتها – أن أرملة البطل اليابانية ميوكو واتاي يجب أن ترث ممتلكاته التي تقدر بنحو مليوني دولار، والتي كانت محل نزاع منذ وفاته، ليظهر أن هذه إحدى أكبر الثروات للاعب شطرنج. 

تصنيفات الشطرنج وألقاب 

في عالم الشطرنج يوجد ثلاثة أنواع أساسية من المباريات؛ النظام الخاطف وهو الذي يحظى فيه كل لاعب من دقيقتين إلى عشر دقائق للفوز، والنظام السريع وفيه يحصل كل لاعب على مدة أطول تتراوح بين عشر دقائق إلى نصف ساعة، فيما يأتي الشطرنج الكلاسيكي بأكثر من نصف ساعة والتي قد تمتد لمدة عدة ساعات لكل لاعب وهي الأكثر انتشاراً وشهرة.  

في كل نوع من تلك الأنواع يوجد هناك تصنيفات للاعبين، إذ يحصل كل لاعب على عدد من النقاط مقابل فوزه في كل مبارة، في حين يخسر من تصنيفه عدة نقاط عند خسارته، وبهذا يصبح لكل لاعب تصنيف أو أكثر إذا كان يلعب باقي الأنواع. 

فعلى سبيل المثال، يحظى بطل العالم حالياً النرويجي ماجنوس كارلسن على ثلاثة تصنيفات، لأنه يلعب الثلاثة أنواع، ففي نظام الكلاسيك يصل تصنيف كارلسن إلى 2856 نقطة وهو أعلى تصنيف في العالم حالياً، وفي الشطرنج السريع يأتي تصنيف كارلسن بـ 2842 نقطة، والخاطف بـ2892 نقطة. 

أما عن طريقة حصول أي من اللاعبين على هذا التصنيف؛ فمن خلال الالتحاق بالاتحاد التابع للدولة التي يعيش فيها اللاعب، ويحصل على رقم تعريف دولي يمكّنه بالمشاركة في البطولات المحلية والإقليمية والدولية ليحصل على تصنيفه، لكن يشترط أن ينافس على أرض الواقع وليس من خلال مواقع لعب الشطرنج المنتشرة على الإنترنت، والتي يوجد بها تصنيفات أيضاً ولكن لا تكون رسمية معترف بها من قبل الاتحاد الدولي أو أي من الاتحادات الوطنية. 

طبقاً لهذه التصنيفات يحصل اللاعبون على ألقاب مختلفة، التي تنحصر في أربعة ألقاب أساسية:

  1. أستاذ دولي كبير: وهو اللقب الأكبر حول العالم في لعبة الشطرنج، والذي يتطلب الحصول على تصنيف 2500 نقطة وتحقيق بعض الشروط اللازمة للحصول على اللقب، لكنه يوفر العديد من الامتيازات من بينها القدرة على المشاركة في البطولات الدولية الكبرى. 
  2. أستاذ دولي: يتطلب الحصول عليه الحصول على 2400 نقطة وتحقيق بعض الشروط التي يحددها الاتحاد الدولي. 
  3. أستاذ اتحادي: هو اللاعب الحاصل على تصنيف 2300 نقطة.
  4. أستاذ مرشح: هو اللاعب الذي حصل على تصنيف 2200 نقطة.  

أرباح الشطرنج: حينما تحولت اللعبة إلى مهنة

تعتقد لاعبة الشطرنج الروسية ناتليا بوجونينا الحاصلة على لقب أستاذ دولي كبير أن الكثير من الشباب اليوم أصبح يتجه إلى الشطرنج بشكل برجماتي تماماً، إذ يقارنون بين احتراف الشطرنج كمهنة وبين الوظائف الاعتيادية التي يمكنهم العمل فيها، وكم سيدر عليهم الشطرنج من المال بالمقارنة بوظائفهم الاعتيادية.  

ففي الحدث الأبرز في عالم الشطرنج "بطولة العالم"؛ يحصل بطل العالم في الوقت الحالي عادةً على مليون إلى 2 مليون دولار، فيما يحصل كل من استحق لقب أستاذ دولي كبير في أي مسابقة يحصل عليها عادةً على 5 آلاف دولار، كما أن أعلى المسابقات – التي تتطلب تنصيفاً أعلى من 2700 نقطة – يحصل الفائز فيها على 20 ألف دولار. 

بجانب أموال البطولات، يحصل لاعبو الشطرنج الممثلون لنوادي الشطرنج على أموال إضافية مقابل مشاركتهم في تلك البطولات، والتي تتراوح بين 5 و20 ألف دولار كما ذكرت ناتليا. كما يحصل أبطال الشطرنج الأعلى تصنيفاً حول العالم على أجور ومكافآت مقابل ظهورهم في بعض أحداث الشطرنج الكبرى والذين يشجعون بدورهم محبي اللعبة للتقديم في تلك البطولات. 

أما في موقع الاتحاد الدولي للشطرنج، فتظهر قائمة أعلى لاعبي العالم وتصنيفاتهم المختلفة في كافة أنواع الشطرنج، كما تظهر قوائم أعلى لاعبين في كل قطر ودولة، وتصنيفات أخرى متعددة. 

في هذا السياق؛ يذكر أندرو هريكولاس – الكاتب والمتخصص في شؤون الشطرنج – تقديراً إجمالياً لما يجنيه أبطال الشطرنج الدوليون في العام الواحد، والذي كان كالآتي: 

  • أقوى ثلاثة لاعبين في العالم، من بينهم بطل العالم: أكثر من مليون دولار في السنة للاعب. 
  • أعلى 10 لاعبين في العالم: أكثر من 200 ألف دولار في السنة. 
  • أعلى 50 لاعباً في العالم: أكثر من 100 ألف دولار في السنة. 
  • أعلى 100 لاعب وكلهم من الأساتذة الدوليين الكبار: من 70 ألفاً إلى 50 ألف دولار في السنة. 

ويذكر هريكولاس أن ثروة النرويجي ماغنوس كارلسن -بطل العالم وأصغر لاعب في تاريخ الشطرنج حصل على لقب أستاذ دولي كبير، إذ حصل عليه وهو في عمر الـ 13 عاماً، كما أنه صاحب أعلى تصنيف في الشطرنج على الإطلاق والذي وصل إلى 2882 نقطة- تُقدر بحوالي 8 ملايين دولار

يذكر أن كارلسون حافظ على لقبه كبطلٍ للعالم منذ العام 2013 وحتى الآن، إذ حصل على لقبه الخامس يوم الجمعة الموافق 10 ديسمبر/كانون الأول 2021. 

الشطرنج في العالم العربي

عرف الغرب الشطرنج من الشرق بعد أن جاءته من الهند، لكن الانتشار الحقيقي للعبة في الغرب أكبر كثيراً مقارنةً بالشرق الأوسط والعالم العربي، لكن بدأ عدد من لاعبي الشطرنج ينشرون ثقافة الاهتمام باللعبة، ويعتمدون على اليوتيوب في تحقيق المشاهدات وبعض الأرباح، كما يوفر العديد منهم -خاصة الحاصلين على بطولات دولية وإقليمية- دورات تدريبية بمقابل مادي غالباً. 

ومن أبرز تلك القنوات العربية، قناة باسم "أمين" المصنف الثاني عربياً في التصنيف العالمي الذي تحصد قناته عشرات الآلاف من المشاهدات، كما تعتبر قناة "كش ملك الخطيب: – لصاحبها بطل الأردن والأستاذ الدولي أحمد الخطيب – إحدى أبرز القنوات العربية على يوتيوب التي تُعلِم الشطرنج وتهتم بأخبار الشطرنج وتقوم بتحليل المباريات والاستراتيجيات.   

أما في رقعة الشطرنج الواقعية، يعتبر اللاعب الإماراتي سالم صالح هو اللاعب الأول عربياً في التصنيف العالمي حالياً، كما أنه اللاعب العربي الوحيد في قائمة أقوى 50 لاعباً حول العالم، حيث إن ترتيبه هو 44 في قائمة أقوى لاعبي العالم بتصنيف 2690 نقطة.

يليه اللاعب المصري باسم أمين في المرتبة الـ58، وهو صاحب أعلى تصنيف في العالم العربي وإفريقيا بتصنيف وصل إلى 2709 نقاط في 2018 حيث احتل المركز 36 بين أقوى لاعبي العالم، كما حصل أمين على المركز الثالث في بطولة العالم للشباب في العام 2008، والعديد من البطولات الدولية والعربية والإفريقية الأخرى.

قد يهمك أيضاً: مع مسلسل The Queen's Gambit وجائحة كورونا.. الملايين يهتمون بلعب الشطرنج

تحميل المزيد