من منا جرب مائدة لبنانية دون الأطباق الجانبية الشهيرة، مثل الفتوش، والتبولة، وفتة الحمص؟ وكما نستمتع بمذاقها اللذيذ، قد نستمتع بقصصها التي تتجاوز طرق تحضيرها، فمثلاً تاريخ الفتوش يفرد له بعض المؤرخين صفحات عند ذكر تاريخ اضطهاد مسيحيي لبنان.
إذ يعتقد بعض المؤرخين أن تاريخ الفتوش بدأ على موائد مسيحيي لبنان المهجرين من الجبل، ثم انتقل إلى مائدة إفطار مسلميه، بينما يذهب مؤرخون آخرون إلى أن الطبق قد يكون ذا أصول تركية، وكذلك اختلف أصل التسمية ونسبه إلى اسم عائلة لبنانية، أو إلى سيدة فضولية تُدعى فاطمة.
تاريخ الفتوش.. من موائد مسيحيي لبنان الصائمين
تقول الرواية التاريخية التي تنسبه إلى مائدة طعام مسيحيي لبنان إنه مرتبط بتعرُّض المسيحيين في جبل لبنان إلى الاضطهاد عام 1868، واضطرارهم للنزوح إلى مدينة زحلة، حيث قابلهم أهل المدينة بالترحاب وموائد الطعام من اللحم والخبز والسلطات، لكن لمصادفة ذلك مع وقت صيامهم الكبير الذي يسبق عيد الفصح، لم يقربوا أطباق اللحم، واكتفوا بأكل الخبز مع السلطة.
تستكمل القصة أصل التسمية إلى عائلة سكنت مدينة زحلة عُرفت بـ"آل فتوش"، وأنه حينما لم يقرب الضيوف اللحوم على مائدة طعامهم، قال أحد الحضور لكبير العائلة: "فتوش، شوف ضيوفك عم ياكلو السلطة بالخبز. هيدي أكلة جديدة".
وعندها اقترح البطريرك غريغوريوس يوسف (رئيس بطريركية أنطاكية والإسكندرية واورشليم وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك) الذي كان ضمن حضور المأدبة، أن تسمى وجبة السلطة مع الخبز بالـ"فتوش" تكريماً للعائلة التي أكرمتهم بالطعام، كما أشار موقع محطة تلفزيون LBC اللبنانية.
وعائلة فتوش هي عائلة إقطاعية زحلاوية استوطنت سهل البقاع إبان الحكم الفاطمي، وهم من عرب الجزيرة، وقد اعتنقوا المسيحية مطلع القرن الـ18 مع وصول البعثات التبشيرية الكاثوليكية، وأصل تسميتهم أخذ من التركية (Fatuş) وهو لقب اسم "فاطمة"، حسب المصدر اللبناني نفسه.
وحسب القصة التي رواها أيضاً بعض ضيوف فيلم وثائقي عن الطبق اللبناني الشهير أنتجته فضائية "الجزيرة الوثائقية"، فإن حدوث تلك القصة صادف مع شهر رمضان، وحينها اعتمد المسلمون أيضاً هذا الطبق على مائدة الإفطار، وبذلك انتقل الطبق من مائدة مسيحيي جبل لبنان، الذين انتقلوا إلى زحلة، إلى مائدة إفطار مسلمي المدينة، ومنها إلى كل لبنان، حتى بات واحداً من أشهر الأطباق اللبنانية.
فتوش.. فاطمة العثمانية الفضولية البخيلة!
هناك رواية أخرى عن أصول الطبق التي يرجع اسمها إلى سيدة عثمانية تُدعى فاطمة، إذ تقول هذه الرواية التي نقلها موقع "العربي الجديد" إن فتوش هو اسم سيدة عثمانية فضولية وبخيلة تدعى فاطمة، وكانت تتعمد زيارة جيرانها قبل الإفطار، وتدعو نفسها إلى تناول الطعام معهم بشكلٍ مستمر.
ولتجنب حضورها غير المرغوب، قرر بعض جيرانها إعداد الطبق نفسه كل يوم، وكان طبقاً عبارة عن خضروات متنوعة مع خبز يابس متبقٍ من مائدة اليوم الذي يسبقه، وذلك في محاولة منهم لكفها عن التطفل على مائدتهم واستغلال كرمهم، وتقول الرواية الشعبية هذه أن اسم سلطة الفتوش جاء من هنا.
عن طبق الفتوش
يتكون طبق الفتوش من الخضار مع قطع الخبز، غالباً يشمل الخضار البقدونس والنعناع والخس والخيار والثوم والبصل الأحمر والأخضر والزعتر والفجل والجرجير، ويضاف له نكهات دبس الرمان وزيت الزيتون وقشر الليمون والسماق وقليل من البهار والملح، وقد يزينها حب الرمان أيضاً، لكن بالطبع قد تختلف مقادير وطريقة صنع الطبق من منطقة لأخرى ومن بيت لآخر.
ولأن الطبق يكون بالأساس مليئاً بالخضروات باختلاف أنواعها، فهذا يجعله غنياً بالألياف المعدنية والفيتامينات، بالإضافة طبعاً إلى النشويات من الخبز.