منذ حوالي 30 عاماً، عندما كان حوالي 15% فقط من الأمريكيين لديهم أجهزة كمبيوتر، ونسبة قليلة منهم فقط لديهم القدرة على الاتصال بالإنترنت، أعد توماس باركينسون عدداً من أجهزة المودم على بعض الرفوف، وبدأ بقبول الطلبات في أول شركة توصيل منتجات بقالة على الإنترنت، شركة Peapod، والتي أسسها مع شقيقه أندرو.
إقناع العملاء صعباً
بحسب التقرير المُفصل المنشور في مجلة The Atlantic الأمريكية، بالعودة إلى ذلك الوقت، كان طلب منتجات البقالة على الإنترنت معقداً، فمعظم العملاء يتصلون بالإنترنت عبر خطوط هاتف أرضية باتصالات بطيئة، وكانت رسومات موقع Peapod بدائية، لذا لم يكن بإمكان العملاء رؤية صور ما يشترون.
وكانت عمليات التوصيل معقدة أيضاً: كان الأخوان يقودان إلى متاجر البقالة في منطقة شيكاغو، ويشتريان ما يطلبه العملاء، ويوصلان البضائع باستخدام سيارتهما هوندا سيفيك المتهالكة. وعندما كان يريد الأشخاص تخزين منتجات معينة، مثل زبادي الفراولة أو زجاجات دايت كوكا، كان الأخوان باركينسون يستنزفان مخزون بعض أقسام متاجر البقالة المحلية.
لا تزال شركة Peapod قائمةً حتى اليوم. ولا يزال كذلك إقناع العملاء بطلب منتجات البقالة عبر الإنترنت صعباً كما كان الحال عام 1989.
إذ يشير تقرير من بنك دويتشه بنك إلى أنَّ 22% من مبيعات الملابس و30% من مبيعات أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات تتم عبر الإنترنت.
مقابل 3% فقط من مبيعات منتجات البقالة. وأخبرني باركينسون من المقر الرئيسي لشركة Peapod في وسط مدينة شيكاغو "كنت أتمنى لهذا الأمر أن يكون في كل مكان، لكنَّ الحصول على أول طلب يمثّل عقبةً وحاجزاً بعض الشيء". (وهو الآن رئيس القسم التقني بشركة Peapod، وشقيقه ترك الشركة منذ فترة).
ما لم تكن شركات توصيل البقالة عبر الإنترنت توصِّل الطلبات لمئات المنازل في نفس الحي، سيكون من الصعب عليها تحقيق أرباح. وعلى الرغم من أنَّ حجم الأعمال بمجال البقالة يبلغ حوالي 800 مليار دولار، إلا أنَّها معروفة بانخفاض هامش الربح؛ فمعظم متاجر البقالة بالكاد تكون مربحةً. بالإضافة إلى تكاليف العمالة والمعدات وتكاليف البنزين لتوصيل الطعام إلى الناس بسرعة وبسعر أرخص، ما يجعل الأمر عملاً محكوماً عليه بالفشل. وتقول سوشاريتا كودالي، المحللة بشركة Forrester للأبحاث: "لم يحقق أي شخص ثروة هائلة من بيع منتجات البقالة على الإنترنت.
بل في الحقيقة هناك الكثير من الأشخاص يخسرون المال في هذا المجال".
من الصعب الوصول إلى غالبية المتسوقين
هذا الكلام لا ينطبق على كل البلدان. فوفقاً لشركة Kantar Consulting، نحو 20% من العملاء في كوريا الجنوبية يشترون منتجات البقالة عبر الإنترنت، وفي كلٍ من بريطانيا واليابان تبلغ النسبة 7.5%.
لكن هذه الدول بها عدد قليل من المراكز السكانية الكبيرة، مما يجعل من السهل على شركات التوصيل إنشاء متجر في بعض المدن الكبيرة والوصول لمجموعة ضخمة من القوة الشرائية. وعلى النقيض، ينتشر السكان في الولايات المتحدة حول المناطق الريفية والحضرية والضواحي.
مما يجعل من الصعب الوصول إلى غالبية المتسوقين بواسطة عدد قليل من المتاجر. وفي كوريا الجنوبية واليابان، يشعر العملاء بارتياح أكبر عند التسوق عبر الهواتف عن العملاء في دول مثل الولايات المتحدة.
لكن لا تزال الشركات في الولايات المتحدة تحاول وتسعى لخوض مجال توصيل منتجات البقالة عبر الإنترنت. واليوم، تعد Peapod واحدة من بين عشرات الشركات التي تقدم خدمة توصيل البقالة للعملاء في بعض المدن الكبرى. وفي يونيو/حزيران عام 2017، اشترت Amazon شركة Whole Foods مقابل 13.4 مليار دولار.
وبدأت خدمات توصيل منتجات البقالة للأعضاء المميزين بالمدن في جميع أنحاء البلاد؛ ويتوقع المحللون أنَّه سيأتي الوقت الذي تتمكن فيه الشركة بإمكاناتها اللوجستية أن تستفيد من متاجر Whole Foods في السيطرة على مجال توصيل البقالة.
قصة Peapod
وفي عام 2017 أيضاً، استحوذت Walmart على Parcel، وهي شركة توصيل في نفس يوم الطلب. وبعد شهرين، أعلنت شركة Target أنَّها تشتري شركة Shipt، وهي خدمة توصيل في نفس اليوم. وأعلنت Kroger في شهر مايو/أيار السابق شراكتها مع Ocado، وهو متجر بقالة إلكتروني بريطاني، لتسريع عملية التوصيل بمخازن تدار آلياً.
وبدأت شركات مثل ALDI، وFood Lion، وPublix في العمل باستخدام Instacart لتسليم منتجات البقالة من متاجرها. وافتتحت FreshDirect مؤخراً مركز تسليم آلي بمساحة 37 ألف متر مربع، وتقول إنَّها تخطط للتوسع في مناطق خارج نيويورك ونيوجيرسي والعاصمة واشنطن في العام المقبل.
تخبرنا قصة Peapod، التي احتاجت إلى 30 عاماً لإتقان فن توصيل منتجات البقالة عبر الإنترنت، إلى أنَّ جني الأرباح والمال من خلال هذا النشاط سيكون تحدياً صعباً حتى لتجار التجزئة المتميزين مثل Amazon.
تمتلك Peapod خبرةً أكبر من أي شركة أخرى لتوصيل منتجات البقالة على الإنترنت، متفوقةً على Webvan، التي جمعت 800 مليون دولار قبل أن تنهار في عام 2001، ومتفوقةً أيضاً على شركات كبيرة أخرى نشأت في خضم طفرة ازدهار شركات الإنترنت في بدايات التسعينيات من القرن الماضي، مثل شركات Kozmo، وHome Grocer، وShopLink.
كانت شركة Peapod نفسها على شفير الفشل في عام 2000، قبل أن ينقذها التكتل الهولندي Royal Ahold NV، الذي اشترى في البداية حصةً مسيطرة، ثم اشترى الشركة بأكملها. وبعد الدمج الأخير.
أصبحت الشركة الأم لشركة Peapod حالياً باسم Ahold Delhaize، وهي تمتلك سلسلة متاجر كبرى مثل Food Lion، وHannaford، وStop & Shop. وفي 2016، قال مسؤول تنفيذي بشركة Peapod لصحيفة The Wall Street Journal إنَّ الشركة تحقق أرباحاً في ثلاثة أسواق فقط.
الأنسب والأرخص لمتاجر البقالة أن يأتي العملاء إليها
إذ لم تتمكن الشركة من الحصول على عددٍ كافٍ من الأشخاص لشراء منتجات البقالة على الإنترنت لخفض تكاليف توصيلها. وإذا كانت شركة بخبرة 30 عاماً في مجال توصيل البقالة لا يمكنها النجاح، فهل بإمكان أي شخص تحقيق ذلك؟
لا يمكن تعبئتها أو تخزينها
مقارنةً بمنتجات البقالة، فإنَّ الملابس والمنتجات الالكترونية وأطعمة الكلاب يسهل توصيلها بشكلٍ خيالي. وشركةٌ مثل Amazon تُجهِّز تلك المنتجات في المخازن في صناديق، وترسلها عبر البريد أو متعهدي التوصيل.
إلا أنَّ منتجات البقالة لا يمكن تعبئتها أو تخزينها في صناديق وإرسالها عبر خدمات البريد.
تخيّل تلبية طلب يتضمن مصاصات، وثمار الأفوكادو، وكيس من الفحم، ورقائق التورتيللا. يجب أن تحافظ على المصاصات باردة، واختيار ثمار الأفوكادو بعناية، والفحم الثقيل، ويجب ألا تتكسر رقائق التورتيللا. والآن فكّر بأنَّ متوسط الطلب الواحد لدى شركة Peapod يتكون من 52 عنصراً.
وتوضح كودالي، المحللة بشركة Forrester للأبحاث، أنَّه بسبب هذه العوامل، كان دائماً من الأنسب والأرخص لمتاجر البقالة أن يأتي العملاء إليها، وتنفيذ أعمال التسوق بأنفسهم، بدلاً من توصيل منتجات البقالة إلى العملاء.
وتضيف كودالي: "في أفضل الأحوال، ستجني نفس ما قد تجنيه في المتاجر، ولهذا لا تبدو هذه الطريقة قناة توزيع أكثر ربحية". كان أحد ابتكارات Amazon الكبيرة في مجال توصيل الطرود تجاوز الوسيط (المتاجر) وبيع المنتجات للعملاء مباشرةً، لتوفير النفقات العامة.
لكن لا يمكن لشركات السلع الاستهلاكية المعبأة تجاوز المتاجر، لأنَّ هذه الشركات لا تمتلك البنية التحتية اللازمة لتوصيل منتجاتها، سواءٌ كانت المثلجات أو الأفوكادو، إلى العملاء مباشرةً.
حاولت Peapod خفض نفقاتها العامة بشتى الطرق. ففي بعض الأسواق، كانت تحتفظ بمواد البقالة في مخازن كبيرة خارج المدينة، مما يوفر المال حيث لا تضطر الشركة لشراء أو استئجار مساحة للبيع في مراكز المدن.
واكتشفت كيفية جعل جزئية التسوق لشراء منتجات البقالة على الإنترنت سريعة نسبياً، مما يعني قدرة موظف واحد على معالجة عشرات الطلبات خلال ساعات قليلة. وفي متاجر أصغر أعلى متاجر البقالة، تكون فيها الممرات أضيق كثيراً مما في متاجر البقالة العادية.
يرتدي الموظفون أجهزة على معاصمهم تخبرهم بوجود المنتج في أي ممر وأي رف، ويقومون بتحميل الأطعمة في السلال بكفاءة، ومسح الرمز الشريطي للمنتجات. ويعتاد العاملون على أماكن العناصر المختلفة سريعاً، مما يتيح لهم التسوق بسرعة أكبر.
عملية التوصيل نفسها قد تكون بطيئة
وعلى الرغم من ابتكارات Peapod، فإنَّ العملية بأكملها تحتاج للكثير من العمالة. وحتى مع سرعة وصول عاملي Peapod للمنتجات المطلوبة بسرعة، يظل عليهم مسح المنتجات المعلبة في طلباتهم ببندقية حرارية للتأكد من أنَّ حرارة اللحوم ليست أعلى من اللازم.
ويلزم عليهم مراجعة حمولتهم للتأكد من عدم كسر أو فقدان أي شيء. (وتلجأ Ahold، الشركة الأم لشركة Peapod، إلى استخدام روبوتات لتسريع بعض أجزاء عملية تعبئة طلبات العملاء).
عملية التوصيل نفسها قد تكون بطيئة أيضاً، خضتُ تجربةً مع أحد سائقي Peapod، في فترة ما بعد الظهيرة من أحد أيام الجمعة، حيث قام بتوصيل منتجات البقالة إلى العملاء في أحد أحياء شيكاغو الثرية. كان مكلفاً التوقف في 169 مكاناً بمنطقة ساوث لوب في شيكاغو، التي كانت مزدحمةً جداً وتتضمن عدداً من المباني السكنية.
كان على بيرنارد إيقاف الشاحنة في أماكن ضيقة، والخروج منها وتفريغ منتجات البقالة على العربة، والاتصال بالعميل من خلال جهاز الاتصال الداخلي، أو أن يسمح له حارس المبنى بالدخول، ثم ينتظر المصعد، ثم يستقل المصعد، ثم ينتظر أن يفتح العميل الباب بحيث يقوم بتسليم المنتجات، في عملية قد تستغرق أكثر من 10 دقائق لكل عميل.
شركات توصيل البقالة الأكثر كفاءة هي الشركات اللوجستية. ينشغل موظفو المقر الرئيسي لشركة Peapod بمتابعة حالة الطرق وأحوال الطقس والحالة المرورية، بحيث يمكنهم إجراء أي تغييرات في حالة حدوث عاصفة أو وجود حفل يسبب اختناقاتٍ مرورية.
كل ذلك سيوفر ثواني أو دقائق من زمن التوصيل. وضعت الشركة توقيتاً لمقدار ما يقضيه السائقون في الطرق؛ ومقدار ما يقضونه بين عمليات التوصيل؛ ومقدار ما يقضونه مع العملاء.
يكافئون السائقين الذين يكملون عمليات التوصيل أسرع من المعدل المتوسط، بشرط الحصول على تقييم مرتفع من العملاء.
قد يكون على شركات البقالة إنفاق المزيد من المال لافتتاح متاجر أكثر لتيسير أعمالهم اللوجستية، والحد من الوقت الذي يستغرقه السائقون على الطريق. وقد كتب توم فورت، المحلل بشركة D.A. Davidson، أنَّه يعتقد بأنَّ Amazon عليها شراء آلاف محطات الوقود لـ"تعزيز جهودها في أعمال التوصيل".
(ورفضت Amazon التعليق على أعمالها في توصيل منتجات البقالة، لكنَّها قالت بأنها توسعت لتوصيل منتجات البقالة في 60 مدينة منذ شرائها شركة Whole Foods فبراير/شباط الماضي).
وعلى الرغم من قضائها سنواتٍ في محاولاتٍ لاقتصاص الثواني من زمن التوصيل، فقد ظلت Peapod تكافح لتحقيق أرباحٍ كافية. تفرض الشركة رسوماً على التوصيل تتراوح من 6.95دولار إلى 9.95 دولار لكل طلب. قد يبدو ذلك كثيراً بالنسبة لأشخاصٍ اعتادوا على خدمات توصيل مجانية لكل شيء.
لكنَّه لا يقترب حتى من تغطية تكاليف توصيل البقالة لأبواب العملاء. وأخبرني كين فيرنارو، كبير مديري تخطيط وتطوير النقل في Peapod، بأنَّ خفض التكاليف عملٌ مستمر. ولن تصبح شركات توصيل البقالة على الإنترنت فعالةً من حيث التكلفة إلا عندما تتمكن الشركات من قضاء الجزء الأكبر من وقتها في جلب البقالة إلى المنازل من الشاحنات، بدلاً من القيادة لمسافات طويلة لجلب البقالة إلى المنازل. وأضاف:
"في عالمٍ مثالي، سنكون مثل ساعي البريد، نطوف بالشوارع لنقوم بالتسليم لكل منزل".
تدفع Peapod بسخاء مقابل وقت العمال. وبيرنارد، مثل كل العاملين في Peapod، يعمل بدوام كامل، برعاية صحية ومزايا أخرى؛ حيثُ تحاشت الشركة حتى الآن نموذج المتعهد، الذي تستخدمه خدمات التوصيل مثل Instacart وUber Eats.
واليوم، الأسواق التي يمكن أن تحقق فيها Peapod أرباحاً هي الأسواق الأكثر كثافة، مثل مدينة نيويورك. حتى Amazon تعاني في الأسواق بمناطق الضواحي.
حيثُ أعلنت في العام الماضي تعليق خدمة التوصيل الطازج Amazon Fresh في مناطق نيوجيرسي، وبنسلفانيا، وماريلاند، مع الإبقاء على الخدمة في مدن نيويورك وشيكاغو وبوسطن.
محلات البقالة في وضع صعب الآن
إذ تواجه تحدياتٍ من كبار تجار التجزئة مثل Walmart وTarget، الذين بدأوا في تقديم المنتجات والأغذية الطازجة، ومن سلاسل الخصومات مثل Aldi وLidl، والذين بدأوا مؤخراً بإضافة متاجر في الولايات المتحدة.
والآن، بدخول Amazon إلى أسواق أكثر، فإنَّها تجبر متاجر البقالة على تقديم خدمات التوصيل أيضا، حتى إذا كانت ستخسر المال جراء ذلك. فإذا لم يقدموا هذه الخدمات.
سيذهب العملاء إلى مكان آخر. تستخدم Amazon مواردها المالية الكثيفة لخفض الأسعار عن منافسيها، لسحب البساط من غيرها من الشركات التقنية الناشئة مثل Uber، والتي حاولت احتكار السوق أولاً ثم تحقيق الأرباح لاحقاً.
بعض المتاجر الكبرى جربت تقديم طرق بديلة عن طريقة توصيل البقالة باهظة التكلفة لتيسير عملية التسوق على المستهلكين. فقدمت متاجر Walmart، وKroger، وSafeway وعددٌ آخر من المتاجر خدمة "انقر واجمع"، التي تتيح للعملاء طلب منتجات البقالة عبر الإنترنت ثم الذهاب إلى المتجر لأخذها.
ووفقاً لبيانات شركة Nielsen، تُمثِّل هذه الطريقة حوالي نصف مبيعات منتجات البقالة عبر الإنترنت، بعد أن كانت تبلغ حوالي 18% عام 2016. وتغطي Amazon كلا الجانبين: فإضافةً إلى خيارات التوصيل المعتادة.
أطلقت الشركة مجموعة متاجر Go في سياتل وشيكاغو وسان فرانسيسكو، والتي تتيح للعملاء التجول في المتاجر، واختيار العناصر، والسير خارجاً دون الانتظار في طابور الدفع.
لكن تظل القدرة على التواجد في كل مكان أهم شيء في خدمات توصيل البقالة، وكل المتاجر تعرف ذلك. لذا فهي تقدم خصومات وعروضاً لتشجيع العملاء على طلب خدمات التوصيل، مما يجعل هامش الربح أقل.
ومعظم خدمات توصيل البقالة على الإنترنت تقدم التوصيل مجاناً لأول طلب على سبيل المثال. ووفقاً لإيلي سيميز، المحللة البارزة بفريق البقالة بشركة Kantar Consulting، فإنَّ السبب الأول للجوء العديد من العملاء لخدمات توصيل البقالة هو وجود حافز لذلك.
لكن عندما تختفي تلك العروض الترويجية، يختفي العملاء كذلك. حيث تظل رسوم التوصيل حاجزاً يمنع العملاء من استخدام خدمات التوصيل.
مُحفزات ضرورية
لكي تتمكن من توفير تلك الحوافز للعملاء دون أن تصل إلى حد الإفلاس، تتفق بعض المتاجر الكبرى مع بعض العلامات التجارية على دعمها في رسوم التوصيل. فيمكن مثلاً لشركة Colgate تقديم خدمة توصيل مجانية إذا طلب العميل عدداً معيناً من منتجاتها.
وقد لا تكون التكلفة هي السبب الوحيد لعزوف العملاء عن خدمات توصيل البقالة. سألتُ عدداً من المتسوقين بمتجر Stop & Shop في ماساشوستس عن سبب عدم الاستعانة بخدمات توصيل البقالة؛ كانوا يدفعون بعربات التسوق في الممرات بينما يقوم عمَّال Peapod بتعبئة البضائع في الدور العلوي وتجهيزها للتسليم.
قال معظمهم إنَّهم يحبون اختيار اللحوم والمنتجات بأنفسهم، وأنَّهم لا يحبون التخطيط قبل التسوق بوقت طويل. ويقول مايك كولودزيج (37 عاماً) إنَّه يحب الذهاب إلى متاجر البقالة. وبحسب تعبيره: "إنَّه وقت الهدوء الخاص بي". إذ لديه خمسة أطفال في المنزل.
ويوضح دافيد ليفينغستون، محلل المتاجر الكبرى بشركة أبحاث DJL Research، إنَّ الأمر على خلاف كونك عميلاً في مجالاتٍ أخرى تدخلت فيها التكنولوجيا، مثل الذهاب إلى مكاتب البريد أو ركوب سيارات الأجرة في مدن معينة، فإنَّ الذهاب لمتاجر البقالة ليس بهذا السوء.
ففي الضواحي، يستقل الناس سياراتهم ويقودون إلى متاجر فسيحة، حيث يمكنهم اختيار المنتجات التي يحبونها واكتشاف منتجات جديدة أيضاً على الرفوف.
وبعض المتاجر تقدم خدمات أخرى، مثل الوصفات الطبية أو تقديم المشروبات، والتي تجعل تجربة التسوق ممتعة؛ حيث تواجه المتاجر هذه المهمة الشاقة لجعل المتاجر أكثر جاذبية مع جعل عملية التوصيل أكثر جاذبية أيضاً.ومع ذلك، يقول المحللون إنَّه قد حان الوقت ليتحول المزيد من العملاء نحو شراء البقالة عبر الإنترنت. إذ يشير استطلاع Deloitte إلى أنَّ 41% من العملاء محايدون تجاه شراء المنتجات مثل المشروبات والسلع القابلة للتلف من متاجر البقالة.
ويقول تقرير Deloitte إنَّ العديد من العملاء "غير مرتبطين عاطفياً بعملية التسوق نفسها، وقد يفكرون في خيارات التسوق الإلكتروني في حال توفرها". ومن بين هؤلاء العملاء جيم وينفيلد، الذي استلم مؤخراً أول طلب لتوصيل منتجات البقالة عبر الإنترنت.
كان يعيش في ضواحي شيكاغو، وانتقل حديثاً إلى وسط المدينة، وقرر تجربة خدمات Peapod. ويقول: "إنَّني كسول بما فيه الكفاية وأتمنى أن يتولَّى الناس عنّي أكبر قدر ممكن من الأعمال". وكان هذا التوصيل الأول مجانياً.
العروض الترويجية..هل تنجح؟
لكي تصل المتاجر إلى العملاء وتقنعهم باستخدام خدمات التوصيل، تنفق المتاجر الكبرى الكثير من المال في العروض الترويجية لمحاولة جعل خيار التوصيل أكثر شعبية بين العملاء. ويأتي ذلك في صالح Amazon بكل تأكيد، والتي تمتلك الموارد المالية الكافية والقدرة على إقناع المساهمين بأنَّ الإنفاق في البداية من أجل الوصول لأبواب العملاء له فوائد على المدى الطويل.
ويقول باركينسون بأنَّ هذه لم تكن قط استراتيجية Peapod، التي تغلبت على منافسين مثل Webvan لأنَّها لم تنفق أبداً مالاً لا تملكه.
لكن حتى Peapod تدخل الآن في المعركة لتحظى بحصةٍ من العملاء. ففي شهر يناير/كانون الثاني فقط من العام الحالي 2019، أعلنت Ahold Delhaize إطلاقها سيارات توصيل بقالة ذاتية القيادة في بوسطن، واستحواذها على سلسلة متاجر كبرى في لونغ آيلند، لتوسيع نطاق وصول الشركة. وتقدم Peapod حالياً خصماً بقيمة 20 دولاراً على منتجات البقالة، وتوصيلاً مجانياً لأول 60 يوماً من استخدام العميل للخدمة.
ويقول باركينسون إنَّه تغلب على منافسيه على مدار العقود الماضية لكونه حريصاً فيما يتعلق بالمال. واليوم، ومع إدراك Peapod لحقيقة أنَّ العملاء يتوجهون دائماً للأرخص، فإنَّ الشركة التي تجعل خدماتها أرخص قد تفوز.