شهدت المنطقة العربية احتجاجات وانتفاضات متعلقة بالخبز ولقمة العيش، إذ خرجت انتفاضات الخبز في الدول العربية ضد الظروف المعيشية وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية وعلى رأسها الخبز، ما جعل هذه الهبات الشعبية تعرف بأسماء تتعلق بالخبز.
انتفاضات الخبز في الدول العربية
يجمع التقرير أبرز انتفاضات الخبز في الدول العربية منذ السبعينيات وحتى الآن، والتي خرجت رفضاً لغلاء أسعار السلع الأساسية واليومية، وكيف قابلت الأنظمة العربية هذا الغضب الشعبي.
مصر: انتفاضة الخبز 1977
في 18 يناير/كانون الثاني 1977 خرجت قطاعات عريضة من الشعب المصري للميادين العامة رفضاً لرفع أسعار الخبز والسلع الأساسية، وذلك بعد قرارات اقتصادية في عهد الرئيس الراحل أنور السادات ترفع أسعار العديد من المواد والسلع الأساسية.
جاء ذلك بعد يومٍ واحد من إعلان ميزانية هذا العام أمام مجلس الشعب وضمت إجراءات تقشفية لتخفيض العجز، وربطت هذه الإجراءات بضرورة تدبير الموارد المالية للاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
استمرت التظاهرات في الشوارع على مدار يومين، قبل أن ينزل الجيش المصري إلى الشوارع لقمعها في يوم 19 يناير/كانون الثاني، وأعقب ذلك إعلان حالة الطوارئ وحظر التجول لـ12 ساعة يومياً، تبدأ من السادسة مساءً.
وبالتوازي؛ شنت السلطات المصرية حملة اعتقالات ضد المتظاهرين، وقد نشرت صحيفة "البداية" أسماء عشرات المتهمين الذين أحيلوا للنيابة والمحكمة التي برأتهم لاحقاً.
السادات وصف انتفاضة الخبز بأنها "انتفاضة حرامية"، واتهم الشيوعيين بمحاولة قلب نظام الحكم والتآمر ضده، لكن لاحقاً ألغى القرارات الاقتصادية التي أعلنتها حكومته وأثارت غضب الشارع.
برز شعار ينادي بالعيش مرة أخرى خلال ثورة 25 يناير 2011 في الشعار الشهير "عيش، حرية، عدالة اجتماعية". ورغم أن أزمة غلاء الأسعار وانتشار الفقر كانت من أسباب غضب المصريين ضد نظام حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، لكنه لم يكن السبب الرئيس أو الوحيد، إذ ذهبت شعارات الثورة لمطالب تتعلق بالحريات وضد القبضة الأمنية والفساد.
تونس.. انتفاضة الخبز 1983
في 29 ديسمبر/كانون الأول 1983، تسبب قرار حكومة الحبيب بورقيبة بمضاعفة ثمن الخبز (من 80 إلى 170 مليماً) ورفع الدعم عن بعض السلع الأساسية في غضب الشارع التونسي، إذ خرج في احتجاجات عمت مدن الجنوب التونسي مثل مدينة قبلي، ومدينة سوق الأحد، والحامة، وقابس، وقفصة.
بلغت ذروة الاحتجاجات في تونس في 3 يناير/كانون الثاني 1984 حينما امتدت لتصل إلى العاصمة التونسية.
فيما قابلت السلطات المظاهرات بالقمع، كما خرج الجيش لمواجهة الغضب الشعبي، وتسبب ذلك في قتل نحو 84 مواطناً وأكثر من 900 جريح وفق المصادر الرسمية، لكن مصادر أخرى مثل ما نقله موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس أشارت إلى سقوط 100 قتيل على الأقل، بينما ذهبت مصادر أخرى إلى مئات القتلى وآلاف الجرحى.
أعلنت السلطات التونسية أيضاً حالة الطوارئ، وشنت حملات اعتقالات في صفوف المتظاهرين الذين وصفوا بـ"المخربين"، وجرى إحالة عدد منهم لمحاكمات انتهت بأحكام إعدام (ألغيت لاحقاً)، كما أشارت منصة "إنكفاضة" التونسية في تقرير لها عن تاريخ المحكوم عليهم بالإعدام في انتفاضة الخبز.
ورغم ذلك؛ تراجع بورقيبة عن قراراته وأعلن في 6 يناير/كانون الثاني 1984 إعادة أسعار الخبز كما كانت قبل الاحتجاجات.
الجزائر.. انتفاضة 1988
في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1988، خرجت تظاهرات مطالبة بتحسين الظروف المعيشية والعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية في الجزائر في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد (1979-1992).
خرجت التظاهرات من وهران إلى قسنطينة وعنابة وبيجاية، وامتدت في 70% من الولايات الجزائرية حسب جريدة "الشروق" الجزائرية.
سقط في بلد المليون شهيد 120 شخصاً على الأقل، إذ كان هذا الرقم الرسمي المعلن لعدد ضحايا الانتفاضة، بينما أشارت مصادر أخرى إلى مقتل أكثر من 500، فيما جرى اعتقال وتوقيف نحو 15 ألف مواطن جزائري، حسب "الجزيرة الوثائقية".
وبعد يومين؛ أعلن الشاذلي فرض حظر التجول ليلاً في العاصمة الجزائر وضواحيها، وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول خرج في تصريح متلفز يدعو فيه المواطنين للتعقل، ووعد بإصلاحات اقتصادية وسياسية.
ظلت السلطات الجزائرية تنظر إلى انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988 أنها مجرّد "شغب أطفال" و"طيش شباب"، لكنها وصفت رسمياً لأول مرة بأنها "ثورة شعبية" في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
السودان 2018
في يناير/كانون الثاني 2018 خرجت تظاهرات في العاصمة السودانية الخرطوم ومدينة سنار جنوب شرق البلاد، وغرب دارفور وولاية النيل الأزرق، بعد قرار مضاعفة السلطات السودانية أسعار الخبز.
جاء ذلك على إثر إلغاء الدعم أواخر ديسمبر/كانون الأول لموازنة 2018، وقرار الحكومة بالتوقف عن استيراد القمح، وإسناد ذلك للقطاع الخاص.
فيما قابلت الشرطة التظاهرات بإطلاق الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين الذين رددوا شعارات ضد غلاء الخبز، ووقع قتلى وجرحى من المواطنين المحتجين على السياسات الاقتصادية التي أقرتها الحكومة.
حينها؛ أوقفت قوات الأمن السودانية ثلاثة من قادة المعارضة وصادرت ست صحف خاصة وحزبية إثر انتقادهم ارتفاع أسعار السلع والخبز.
سبقت هذه الانتفاضة ثورة شعبية أخرى جاءت بحلول ديسمبر/كانون الأول 2018، والتي أطاحت بالرئيس السوداني عمر البشير الذي قضى عقوداً في الحكم. كانت هذه الانتفاضة غاضبة أيضاً على ارتفاع الأسعار، لكنها ضمت شرائح أخرى بقيادة تجمع المهنيين السودانيين وأصبحت المطالب تنادي بتنحي البشير، والذي تحقق في أبريل/نيسان 2019.