الرأي العام الأمريكي يغلي ولكن الصحافة لا ترى البخار.. هكذا تقلل من تأثير حرب غزة على شعبية بايدن

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/12 الساعة 15:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/12/12 الساعة 15:37 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلبي بنيامين نتنياهو خلال زيارة بايدن لإسرائيل غقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023-رويترز

"الرأي العام الأمريكي يغلي، ولكن الصحافة لا ترى البخار"، إذ تتراجع شعبية بايدن بشكل كبير لدى أخلص قواعده، بحيث يبدو الرئيس الأمريكي معرّضاً لكارثة انتخابية بسبب فقدان أصوات الشباب، ولكن الغريب أن وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية ترصد تراجع شعبيته، غير أنها تقلل من تأثير حرب غزة على الانتخابات بشكل يبدو متعمداً.

وتُظهر التقارير حول أرقام استطلاعات الرأي أن الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، يواجه مشكلة غير مسبوقة، وهي تراجع شعبيته في أوساط الناخبين الشباب واليساريين والأقليات، خاصة المسلمين، وهي الفئات التي ساهمت في فوزه على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حسبما ورد في تقرير لموقع the Real News  الأمريكي.

وفي انتخابات عام 2020، كانت شعبية بايدن لدى الناخبين الشباب أعلى بنحو 20 نقطة من دعم ترامب؛ ولكن الآن، أصبح بايدن متساوياً فعلياً مع ترامب، فيما يتعلق بتأييد الناخبين الشباب في 5 ولايات متأرجحة رئيسية. 

شعبية بايدن في تراجع.. هذا أمر متفق عليه

العناوين الرئيسية لا تبدو جيدة بالنسبة للرئيس.. وحذرت صحيفة نيويورك تايمز من أن "ترامب يتقدم في 5 ولايات حرجة؛ حيث ينتقد الناخبون بايدن، كما أظهر استطلاع "التايمز/سيينا". 

وجاء في العنوان الرئيسي لمقال آخر نُشر في مجلة بوليتيكو: "حفرة بايدن الكبيرة، وكيفية الخروج منها". إن الشعور بالضيق الذي يشعر به الناخبون يسبق إصدار بايدن شيكاً على بياض لحرب إسرائيل الحالية في غزة، والتي بدأت بعد الهجوم المفاجئ الذي قادته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتصاعدت بشكل كبير مع الحصار والغزو وحملة القصف الوحشية التي فرضتها إسرائيل لاحقاً. لكن الأمر أصبح أسوأ بكثير في الآونة الأخيرة، الأمر الذي دق ناقوس الخطر لدى المانحين وقادة الأحزاب.

ولكن الإعلام الأمريكي لا يسأل عن السبب في ذلك

ويقول موقع the Real News "التقارير الأخيرة عن استطلاعات الرأي السيئة لبايدن في صحيفة نيويورك تايمز، وذا أتلانتيك، وسي إن إن، وإيه بي سي نيوز، ومجلة نيويورك، وفايننشيال تايمز، تتجاهل دور دعم بايدن لقصف غزة بالكامل. 

لم يسأل أي من الاستطلاعات المذكورة المشاركين على وجه التحديد عن دور بايدن في قصف إسرائيل لسياسة الأرض المحروقة وحصار غزة.

من المؤكد أن هذا الانخفاض في دعم الرئيس الحالي يستحق النشر في حد ذاته، ولكن ما الذي يمكن أن يتسبب في استياء الكثير من الناخبين المحتملين من بايدن؟

ويحاول التركيز على القضايا الواسعة التقليدية

تحاول الغالبية العظمى من التقارير السائدة الإجابة على هذا السؤال من خلال الإشارة إلى مؤشرات أوسع متعلقة بمخاوف الناخبين مثل نزاهة الانتخابات وحقوق التصويت، وسياسة الأسلحة، والجريمة، والهجرة، والإجهاض، وتغير المناخ، أما الأمور الغامضة للغاية في هذه التقارير، فهي السياسة الخارجية". 

فما يفتقده معظم هذه التقارير نفسها هو توضيح الدور المحدد الذي يلعبه دعم جو بايدن للمذبحة في غزة بشكل شبه مؤكد في هذا السقوط الحر في الدعم المقدَّم له من قِبل الناخبين الشباب، والناخبين التقدميين، والناخبين المسلمين والعرب، حسب تقرير الموقع الأمريكي.

ويتجاهل أن السبب الرئيسي هو حرب غزة في ظل مؤشرات على غضبة ديمقراطية

لم يسأل أي من الاستطلاعات المذكورة أعلاه المشاركين على وجه التحديد عن مدى تأثر شعبية بايدن لديهم بدوره في قصف إسرائيل لغزة وسياسة الأرض المحروقة وحصار القطاع. وبدلاً من ذلك، ركزوا على قضايا عامة مثل الضائقة الاقتصادية والقضايا "المتأرجحة" الدائمة. وكلها أمور مؤثرة بما فيه الكفاية، لكنها قد لا تكون كافية لتفسير مدى سوء أداء الرئيس، وخاصة بين الناخبين الشباب.

وهذا كله، على الرغم من أن المؤشرات الرئيسية تشير إلى أن هناك تحولات حقيقية تحدث في قاعدة الحزب الديمقراطي. فقد وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في شهر مارس/آذار أن "تعاطف الديمقراطيين في الشرق الأوسط أصبح الآن مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، بنسبة 49% مقابل 38%". ووجد استطلاع منفصل أجرته منظمة "بيانات من أجل التقدم" يومي 18 و19 أكتوبر أن 80% من الديمقراطيين إما "يوافقون بشدة" أو "يوافقون إلى حد ما" على العبارة التالية: "يجب على الولايات المتحدة الدعوة إلى وقف إطلاق النار ووقف تصعيد العنف في غزة. ويجب على الولايات المتحدة الاستفادة من علاقتها الدبلوماسية الوثيقة مع إسرائيل لمنع المزيد من العنف ووفيات المدنيين.

ومع ذلك، فإن بايدن – والأغلبية الساحقة من الديمقراطيين في الكونغرس – لا يواكبون بشكل صارخ هذه التحولات بين قاعدتهم.

المسلمون توعّدوا بعدم التصويت لبايدن

وكما لاحظت شبكة إن بي سي نيوز، فإن "الأمريكيين المسلمين والعرب، الذين دعموا بايدن بأغلبية ساحقة في عام 2020، هددوا بعدم التصويت له في العام المقبل بسبب ما يقولون إنه عدم اتخاذ إجراءات أمريكية لوقف قتل المدنيين الفلسطينيين". 

وجدت دراسة استقصائية جديدة للديمقراطيين في ولاية ميشيغان أن دعمه يتراجع بين العرب الأمريكيين، وتُعد الولاية معقلاً لهم، كما أنه في الوقت ذاته ولاية متأرجحة، وقد تلعب دوراً محورياً في حسم الانتخابات.

ولكن غالبية التقارير التي نشرت في وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية، لا تترك للمرء سوى صورة جزئية عما يمكن أن يؤدي إلى هذا الدعم "المتدهور"، لكن قناة الجزيرة أنتجت مؤخراً مقطعاً يصور الغضب والاشمئزاز بين قاعدة التصويت الديمقراطي الموثوقة من العرب. والمسلمين في ولاية ميشيغان المتأرجحة. إنه بالتأكيد يستحق المشاهدة، حسب الموقع الأمريكي.

شعبية بايدن
احتجاج مؤيد للفلسطينيين في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان بالولايات المتحدة التي توجد بها جالية عربية كبيرة في 18 مايو/أيار 2021.-رويترز

وفي مقال افتتاحي قوي نُشر في صحيفة In This Times في 25 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن ساقيب بهاتي، المدير التنفيذي المشارك لمركز العمل المعني بالعرق والاقتصاد، بشكل لا لبس فيه: "لن أصوّت لجو بايدن في عام 2024". كتب بهاتي: "هناك أشياء قليلة تجرد من الإنسانية مثلما يحدث عندما يعطي أحد السياسيين الذين صوتت لصالحهم الضوء الأخضر للإبادة الجماعية والتجويع المتعمَّد للأطفال الذين يمكن أن يكونوا أطفالك. بالنسبة للكثيرين، مثلي، غزة هي القشة الأخيرة.

حتى لو لم يكن علماء الإحصاءات والاستطلاعات متأكدين من أن تراجع شعبية بايدن سببه سياسته إزاء حرب غزة، وأنها عامل رئيسي في انخفاض معدلات تأييده، فمن المؤكد أنها على الأقل عامل محتمل يستحق بعض الذكر، وفقاً للموقع الأمريكي.

تجاهل هذه الحقيقة يضعف الضغط على البيت الأبيض لوقف الحرب

ويقول الموقع إن غياب وجهات النظر هذه عن الخطاب الإعلامي الشعبي ليس بالأمر الهين؛ وله عواقب سياسية هائلة. 

فتجاهل وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية لحقيقة تضرر شعبية بايدن من دوره في تدمير غزة – ودعمه المستمر لقتل آلاف المدنيين بمن فيهم أعداد كبيرة من الأطفال، أمر مثير للدهشة، خاصة عندما يتم استنتاج هذا الجانب السلبي بسهولة من قبل كل استطلاع للرأي تقريباً. 

ويؤدي ذلك إلى تضاؤل الضغط على البيت الأبيض، ويمكن لأصحاب النفوذ والسلطة أن ينظروا إلى الوضع الراهن باعتباره مستداماً سياسياً. 

ويحرم الجمهور الأمريكي من توصيل صوته

المشكلة أن يُحرم الجمهور الأمريكي من فرصة إبداء رأيه في المذبحة واسعة النطاق التي تدعمها الولايات المتحدة أثناء وقوعها. ومن الممكن أن يخدم الاقتراع، بكل عيوبه، كآلية مفيدة للمساءلة، كما أن الشعبية (أو الافتقار إليها) من الممكن أن تدفع قرارات السياسة العامة. 

لكن من المستحيل تسجيل الغضب الشعبي بشأن غزة عندما لا يسأل منظمو استطلاعات الرأي عن ذلك، وتتجاهل وسائل الإعلام الأمريكية ذلك عندما تحاول حل لغز تراجع شعبية بايدن لدى قاعدة انتخابية كانت الأخلص له والأبعد عن الجمهوريين.

ويقول موقع the Real News إنه من المؤسف أن الساسة يتأثرون بالعواقب الانتخابية أكثر من تأثرهم بالحجج الأخلاقية المقنعة أو التشهير.

شعبية بايدن
طلاب يتظاهرون دعما للفلسطينيين في جامعة هارفارد الأمريكية/-رويترز

إن موقف وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية أصبح لا يمكن الدفاع عنه، حسب الموقع الأمريكي، خاصة أنه مع تجاهله لتصاعد الغضب الذي يقوده الشباب الأمريكي يحاول تجنب الإعلام رصد واقع الإبادة الجماعية، وإنكار ومناقشة أعداد القتلى مع تراكم الجثث بالآلاف، وإضافة لتجاهله محاولة حظر تطبيق TikTok المقترح بدعوى تأييده للفلسطينيين. 

فهناك ندرة في التغطية التي تأخذ غضب قطاع مؤثر من الرأي العام الأمريكي على محمل الجد كقوة سياسية، حتى عندما يخرج عشرات الآلاف إلى الشوارع، وتنتشر أعمال احتجاجية إبداعية على نطاق مذهل في جميع أنحاء الولايات المتحدة تطال أماكن بارزة من محطة غراند سنترال بنيويورك ووسط مدينة شيكاغو إلى تمثال الحرية، لمصنعي الأسلحة، وللموانئ، ومكاتب ومنازل أعضاء الكونغرس. 

ويقول الموقع إننا نشهد طفرة هائلة في التعبئة ضد الحرب، في الولايات المتحدة وخارجها، بحيث يصعب تتبعها. 

الأمر وصل إلى مرحلة الغليان ويهدد بخسارة الديمقراطيين لقاعدتهم

وبالنسبة لأولئك الذين ينتبهون، فمن الواضح أن اليأس الليبرالي والتقدمي بشأن ارتفاع معدل الوفيات والمعاناة في غزة قد وصل إلى مرحلة الغليان، ولكن المشكلة هي أن القوى القائمة لا تستمع، وأن قسماً كبيراً من وسائل الإعلام يعمل على ضمان خفض حجم هذا اليأس والقنوط إلى الصفر.

ويضيف الموقع أن أي حزب أو منظمة أو فئة من سماسرة السلطة السياسية الذين لا يعيرون اهتماماً لهذا الواقع من المحتم أن يخسروا جزءاً كبيراً من قاعدتهم (في إشارة للحزب الديمقراطي). 

أما الصحافة، فمن خلال عزل الجمهور الأوسع من هذه الديناميكية الواضحة الناشئة التي تقود، جزئياً على الأقل، استطلاعات الرأي التي تظهر تراجع شعبية بايدن، لا تساعد فقط في إخفاء الجانب السلبي السياسي لدعم القتل الجماعي في غزة، ولكنها من المحتمل أن تمنع أي تصحيح للمسار.

تحميل المزيد