الطريق لقلب أمريكا يأتي من المبيت بتل أبيب.. ما دوافع وزيرة خارجية ليبيا من لقاء نظيرها الإسرائيلي؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/28 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/28 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش
وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في مؤتمر صحفي بعد اجتماعها مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو في أغسطس/آب 2021- رويترز، أرشيفية

"إذا أردنا علاقة جيدة مع واشنطن، فعلينا أن نقضي الليلة في تل أبيب"، قد تكون هذه الكلمات التي قالها وزير مصري يساري في السبعينيات هي التي قد تفسر لغز لقاء وزير خارجية حكومة الوحدة الوطنية الليبية نجلاء المنقوش بنظيرها الإسرائيلي، وهو اللقاء الذي أدى إلى أزمة وقيل إن الوزيرة فرت من البلاد.

فبلا مقدمات أعلنت  الخارجية الإسرائيلية أن وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش التقت وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في إيطاليا قبل أيام، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين.

وبحسب بيان الوزارة الإسرائيلية فإن "اللقاء السري" قد عُقد بوساطة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني.

وقال مسؤول إسرائيلي لوكالة رويترز الإثنين 28 أغسطس/آب 2023، إن الاجتماع الذي استضافته إيطاليا بين وزير الخارجية إيلي كوهين ونظيرته الليبية الأسبوع الماضي تم الاتفاق عليه مسبقاً "على أعلى المستويات" في ليبيا وأضاف أن لقاء المنقوش وكوهين استمر أكثر من ساعة.

وبعد الضجة التي أثارها اللقاء، أعلن رئيس وزراء حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة الأحد 27 أغسطس/آب 2023 وقف وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش عن العمل احتياطياً وإحالتها للتحقيق.

وأفادت تقارير بأن هناك غضباً في ليبيا بسبب هذا اللقاء، ودعا مجلس النواب الليبي لجلسة طارئة، الاثنين، في بنغازي لبحث ما وصفه بـ "الجريمة القانونية والأخلاقية المرتكبة في حق الشعب الليبي وثوابته الوطنية من خلال لقاء وزيرة خارجية الحكومة منتهية الولاية مع وزير خارجية العدو الصهيوني".

تقارير عن فرار وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش

وهاجم الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة بليبيا، خالد المشري، حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، داعياً إلى إسقاطها وذلك رداً على أنباء لقاء وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، ونظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين.

وزعمت تقارير إعلامية بأن وزيرة الخارجية الليبية قد فرت إلى تركيا بطائرة حكومية بينما لم ينفِ الأمن الداخلي الليبي فرارها، ولكن نفى دوره في تسهيل عبورها.

وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إلى تقارير أفادت بـ"هروب المنقوش على متن طائرة حكومية إلى تركيا بمساعدة جهاز الأمن الداخلي الليبي"، إلا أن الجهاز نفى "أنباء غير مؤكدة بشأن السماح أو تسهيل سفر المنقوش"، مشيراً إلى أنها لم تمر عبر القنوات الرسمية بمنفذ مطار معيتيقة سواء الصالة العادية أو الخاصة أو الرئاسية وفق السياق المتعارف عليه. وأكد جهاز الأمن الداخلي رئاسةً وأعضاء وقوفهم صفاً واحداً مع تطلعات الشعب الليبي واحترام مشاعره تجاه كافة القضايا، وخاصةً القضية الفلسطينية، مستنكراً "ما قامت به وزيرة الخارجية بالجلوس مع أحد أفراد الكيان الصهيوني". وأشار إلى أنه أدرج اسم المنقوش في قائمة الممنوعين من السفر لحين امتثالها للتحقيقات.

وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين و نظيرته الليبية نجلاء المنقوش/عربي بوست

وبررت الخارجية الليبية ما حدث بالقول إن ما جرى في روما هو لقاء عارض غير رسمي وغير مُعَد مسبقاً، أثناء لقاء مع وزير الخارجية الإيطالي، ولم يتضمن أي مباحثات أو اتفاقات أو مشاورات، بل أكدت فيه الوزيرة ثوابت ليبيا تجاه القضية الفلسطينية بشكلٍ جَلي وغير قابل للتأويل واللبس.

ونفت الوزارة ما ورد من استغلال من قبل الصحافة العبرية والدولية ومحاولتهم إعطاء الحادثة طابع اللقاء أو المحادثات أو حتى الترتيب أو مجرد التفكير في عقد لقاءات هكذا‏‎، ووفقاً لكل ما سبق تجدد وزارة الخارجية رفضها التام والمطلق للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتؤكد مرة أخرى أن موقفها ثابت تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الشقيق.

إسرائيل تتحدث عن سلسلة اتصالات سرية وليس لقاء فقط

في المقابل، قال كوهين في بيان: "تحدثت مع وزيرة الخارجية الليبية عن الإمكانات الكبيرة للعلاقات بين البلدين، فضلاً عن أهمية الحفاظ على تراث اليهود الليبيين، بما يشمل تجديد المعابد والمقابر اليهودية في البلاد".

وشدد المسؤول الإسرائيلي على أن "حجم ليبيا وموقعها الاستراتيجي يمنح العلاقات معها أهمية عظيمة وإمكانيات هائلة لدولة إسرائيل"، بحسب قناة "أي نيوز 24" الإٍخبارية الإسرائيلية.

وبحسب الإعلام الإسرائيلي، فقد ناقش الجانبان أيضاً "إمكانية التعاون في قضايا عدّة مثل الزراعة وإدارة المياه".

وفي السياق، كشف المعلق السياسي في "القناة 12" يارون أبراهام أن اللقاء بين كوهين والمنقوش في إيطاليا "سبقه عدة مكالمات هاتفية بين الوزيرين".  

ووفق أبراهام، فقد تبين خلف الكواليس أنه "نشأت قناة بين كوهين والمنقوش، حدث خلالها عدة مكالمات هاتفية، إلى أن تطور الأمر إلى لقاء".

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين لم تسمهم، الإثنين 28 أغسطس/آب 2023، أنه خلال التحضير للقاء وزير الخارجية إيلي كوهين مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش في إيطاليا الأسبوع الماضي، "اتفق الطرفان على أن يتم الإعلان عن اللقاء،

المنقوش شخصية مثيرة للجدل أغضب أطرافاً متناقضة من بينها أنقرة والقاهرة

وبرزت المنقوش كشخصية مثيرة للاهتمام والجدل أحياناً، وبدا أنها متمردة على المحاور الليبية التقليدية وتحالفاتها الخارجية، التي تقسم البلاد بين قوى شرقية حليفة لمصر والإمارات، وقوى مركزة في غرب البلاد حليفة لتركيا وقطر، وأثارت المنقوش استياء الطرفين، تارةً بانتقادها للوجود العسكري التركي والحليف لأنقرة في ليبيا رغم أن حكومة الدبيبة صديقة لتركيا وبين طرابلس وأنقرة اتفاقات تنظم المساعدة العسكرية التركية، وتارة بإصرارها على ترؤس اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة رغم تحفظ مصر التي كانت تعتبر حكومة الدبيبة لفترة من الفترات منتهية الولاية الأمر الذي دفع وزير الخارجية المصري سامح شكري لمغادرة قاعة الاجتماع عند ترؤسها الاجتماع الذي عُقد على أراضٍ مصرية في سبتمبر/أيلول 2022.

بينما اعتبرتها صحف عربية تصف نفسها بالليبرالية أو يمينية بأنها المدافعة عن استقلال ليبيا.

المجلس الرئاسي سبق أن علق مهامها بعدما غازلت أمريكا في قضية لوكيربي

في مارس/آذار 2021، سبق أن علّق المجلس الرئاسي الليبي مهام وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، يوم السبت، قبل أيام من انعقاد مؤتمر دولي من المقرر أن تستضيفه باريس في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، بهدف التحضير للانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها في ليبيا في 24 ديسمبر/كانون الأول، في إطار جهود إعادة الاستقرار إلى الدولة التي مزقتها الحرب.

ويعتقد أن القرار جاء بسبب تصريح مثير للجدل تحدثت فيه الوزيرة الليبية مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي" حول إمكانية ترحيل متهم ليبي جديد في تفجير لوكيربي إلى الولايات المتحدة، حيث قالت إن الحكومة الليبية مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بقرار الترحيل، وأضافت أنه يتم إحراز تقدم في هذا الشأن.

وتابعت الوزيرة: "نتفهم الألم والحزن اللذين يشعر بهما الضحايا وأسرهم".

وفي ذلك الوقت، قالت المتحدثة باسم المجلس نجلاء وهيبة، لقناة بانوراما ليبيا التلفزيونية، إن المجلس فتح تحقيقاً في "الانتهاكات الإدارية" التي يُزعم أن المنقوش ارتكبتها، دون الدخول في تفاصيل.

وردت الحكومة الليبية آنذاك قائلة إن المجلس الرئاسي ليست له صلاحية إيقاف الوزيرة عن العمل أو التحقيق معها، وإن المنقوش ستواصل عملها.

من هي نجلاء المنقوش، وكيف وصلت للمنصب، وهل هي محسوبة على حفتر أم الدبيبة؟

لعبت اعتراضات أعضاء مجلس النواب المقرب لحفتر على إسناد حقيبة الخارجية إلى لمياء أو سدرة، القريبة من عبد الحكيم بلحاج رئيس حزب "الوطن"، التي تم ترشيحهما من قبل حكومة الدبيبة دوراً في أن تصبح نجلاء المنقوش وزيرة للخارجية والتعاون الدولي.

فعند تشكيل حكومة الدببية ذكرت وسائل إعلام ومصادر مختلفة أن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة سمى المنقوش في قائمته الحكومية، بديلة عن لمياء أبوسدرة المرشحة السابقة التي لاقت معارضة من بعض أعضاء مجلس النواب الرافضين لتنصيبها بالخارجية في التشكيلة الحكومية.

وفي تعليقه على مواقفها المثيرة للجدل سبق أن قال الدبيبة إن المنقوش وزيرة شجاعة، ووطنية، مضيفاً أن مواقفها تمثل الحكومة بشكل مطلق.

رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة/الأناضول، أرشيفية

إلا أنه أشار في الوقت عينه إلى أن "الإنسان ليس معصوماً من الخطأ لكن الأهم النوايا"، مضيفاً أن "وزيرة الخارجية من أفضل وأشجع الوزراء النشيطين ضمن الحكومة"، وفق تعبيره. كما شدد على محبتها لليبيا ووطنيتها العالية.

ونجلاء المنقوش هي أستاذة قانون، ومحامية في القانون الجنائي، وتركز في بحوثها وعملها على عملية الانتقال من الحرب إلى السلم وبناء السلم، وفقاً لما جاء في سيرتها الذاتية المنشورة على موقع مركز الأديان العالمية والدبلوماسية وحل النزاعات (CRDC).

حصلت على الماجستير في القانون الجنائي من جامعة قاريونس (حالياً جامعة بنغازي)، ثم ماجستير إدارة الصراع والسلم من جامعة إيسترن مينونايت ثم دكتوراه إدارة الصراع والسلم من جامعة جورج مايسون.

وكانت قد حازت منحة برنامج فولبرايت الشهيرة (Fulbright) لتدرس الماجستير في مجال تحويل النزاعات من مركز العدالة وبناء السلام (CJP) في الولايات المتحدة الأمريكية.

وجاء في التعريف نفسه عنها أنها عملت ممثلة محليّة لمعهد الولايات المتحدة للسلام في ليبيا، كما عملت في المجلس الانتقالي الوطني.

عُرفت نجلاء المنقوش فور اندلاع "ثورة 17 فبراير (شباط)" عام 2011 عندما انخرطت في العمل الإعلامي عبر نشاطها وآخرين بتغطية الأحداث الساخنة التي وقعت في بنغازي آنذاك. ويومذاك كانت تتواصل مع الصحافة الأجنبية لنقل الأحداث الجارية، ومنها المأساة التي ألمت بكتيبة بنغازي العسكرية يوم 20 فبراير/شباط 2011.

حينذاك ما كانت المنقوش، المحامية وأستاذة القانون الجنائي بجامعة قاريونس (بنغازي)، صحافية محترفة بالمعنى المتعارف عليه، لكنها اهتمت بنقل وقائع الثورة وإيصال صوت ليبيا إلى العالم الخارجي بطرق عدة، وخصوصاً بعد قطع شبكة "الإنترنت" عن المدينة. وهنا أتاحت إجادة المنقوش اللغة الإنجليزية التواصل مع الجاليات الأجنبية بالمدينة، فراحت تعمل ضمن فريق على تأمين الغذاء والدواء لأفرادها، قبل إجلائهم من البلاد، حسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.

تعيش في بنغازي التي يسيطر عليها حفتر وأصولها من مصراتة المناهضة له

وترجع أصول المنقوش إلى مدينة مصراتة (غرب) التي تعد معقل القوى المعارضة لأمير الحرب الليبي خليفة حفتر، غير أنها ولدت وتعيش منذ سنوات طويلة مع عائلتها في مدينة بنغازي (شرق) التي يسيطر عليها حفتر منذ سنوات.

وقال منتقدون إن دعواتها لمغادرة القوات التركية ليبيا، لم تقابلها انتقادات لوجود مرتزقة روس في ليبيا، وإنها ساوت بين المرتزقة المدعومين من دول أجنبية مثل روسيا والقوات التركية التي حضرت باتفاق، وإن تصريحاتها تسببت بغضب لدى الرأي العام في المنطقة الغربية، بسبب تجاهلها لما حدث في السنتين الماضيتين من الحرب الضروس وهجوم قوات حفتر على طرابلس، والذي لم يتوقف إلا بعد تدخل القوات التركية.

في حين يرى أنصارها أنها كانت متوازنة في دعوتها جميع القوات الأجنبية للرحيل عن الأراضي الليبية، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

في ذلك الوقت، دافع سفير الولايات المتحدة في ليبيا، ريتشارد نورلاند، عن المنقوش، قائلاً إن الانتقادات يجب أن تتوقف. وأضاف: "نؤيد تماماً دعوة وزيرة الخارجية المنقوش الواضحة لرحيل القوات الأجنبية لصالح السيادة والاستقرار الليبيين".

مزاعم عن أنها وثيقة الصلة بحفتر الذي بدوره يقال إن لديه علاقات بإسرائيل

وزعم بعض معارضي المنقوش أنها من مؤيدي اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أمير الحرب المتمركز في شرق البلاد، والذي حاول اقتحام طرابلس في عام 2019، محطماً جهود الأمم المتحدة آنذاك لحل الأزمة الليبية، حسبما ورد في تقرير لـ"بي بي سي".

 وتزعم موسوعة المعرفة للمعرفة المشاعية أنه خلال دراسة المنقوش للدكتوراه في جامعة جورج مايسون بولاية فيرجينيا الأمريكية. تعرفت على أسماء حفتر (ابنة خليفة حفتر) وكوّنت معها علاقة قوية جداً بحكم أفكارهما المتقاربة. عند إعلان حفتر الحرب على بنغازي نجلاء كانت من أولى المؤيدين لهذه الحرب.

الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر/رويترز، أرشيفية

ويعتقد أن هناك علاقة غير رسمية بين حفتر وإسرائيل، حيث أفادت تقارير "خليفة حفتر" تعاقد في عام 2021، مع شركة إعلانات إسرائيلية كي تتولَّى حملتيه الانتخابيّة من أجل الرئاسة، وذلك بحسب ما كشفته صحيفة إسرائيلية، نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2021.

كما أفادت تقارير بأن مسؤولي المخابرات الإسرائيلية التقوا على انفراد في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بـ"صدَّام حفتر" نجل خليفة حفتر لمناقشة ترشُّح الأخير للرئاسة، في إشارة واضحة إلى دعم إسرائيل لمحاولة صعوده إلى رأس السلطة الليبية. وحسبما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن صدام حفتر نقل إلى المسؤولين الإسرائيليين رسالة من والده يطلب فيها مساعدة عسكرية وسياسية من تل أبيب مقابل إقامة علاقة دبلوماسية بين ليبيا وإسرائيل في قادم الأيام، كما أشارت الصحيفة إلى أن اللقاء السري الأخير لم يكن سوى حلقة أخرى من سلسلة اتصالات سرية أجراها أمير الحرب الليبي بالفعل مع شخصيات من جهاز الموساد الإسرائيلي طيلة الأعوام السابقة.

هل هناك دور أمريكي في وصولها للخارجية الليبية؟

 وتم تشكيل حكومة الدبيبة، عبر عملية انتخابات معقدة نظمتها الأمم المتحدة بين القوى السياسية المنقسمة بين الشرق والغرب، وبين مجلس النواب المقرب الذي يقوده عقيلة صالح، وبين مجلس الدولة (امتداد للمؤتمر التأسيسي) المقرب لحكومة الوفاق السابقة المعترف بها دولياً والتي يهيمن عليها الغرب، وقد نالت الحكومة ثقة مجلس النواب في مارس/آذار 2021، بعد ضغوط دولية وأممية.

وأدت الطريقة التي تم بها اختيار الحكومة والمجلس الرئاسي إلى عدم نجاح بعض المرشحين البارزين، بينما صعد محمد المنفي لرئاسة المجلس الرئاسي وعبد الحميد الدبيبة لرئاسة الحكومة، بطريقة حملت تأثيراً كبيراً على الأرجح من قبل الأمم المتحدة والغرب والقوى الخارجية أكثر من تمثيلها للمكونات المحلية.

وبينما تتنوع التقارير بين وصف المنقوش بأنها محسوبة على الدبيبة، وأخرى أنها محسوبة على حفتر، فإن اختيار المنقوش التي تعود جذور أسرتها لمدينة مصراتة معقل نفوذ الدبيبة وتعيش في بنغازي معقل نفوذ حفتر، قد تكون بمثابة حل وسط بين الاثنين، ولكن الأهم أن اختيار المنقوش كامرأة متعلمة في الولايات المتحدة وبمنحة أمريكية، يشير إلى تأثير أمريكي محتمل في قرار اختيارها، خاصة أن بعضاً من مواقفها كانت مؤيدة من قبل أمريكا، كما أن الميل لاختيار نساء في مناصب وزارية في الحكومات الانتقالية في البلدان المضطربة هو سمة رئيسية للحلول التي تطرحها الأمم المتحدة والجهات الغربية (بل بمثابة شرط لتشكيل تلك الحكومات) وفي كثير من الأحيان تكون هؤلاء النساء، ممثلات للمصالح والأيديولوجيا والتصورات الغربية أكثر من كونهن ممثلات للمكونات والأيديولوجيات المحلية.

الطريق إلى قلب أمريكا يبدأ من تل أبيب

وبصرف النظر عمن وراء وصول المنقوش لهذا المنصب الرفيع هل هو حفتر أم الدبيبة أم الأمم المتحدة أم الغرب، فإنه من الواضح أن السيدة لها طموح شخصي وحريصة على إثارة الجدل، واتخاذ مواقف لافتة وتقديم نفسها كسياسية مستقلة وقوية، وتحدي المكونات السياسية التقليدية خاصة السائدة في غرب البلاد، ولقد قوبلت باحتفاء من صحافة بعض الدول العربية الداعمة لحفتر، والتي تحدث بعضها عن أنها مرشحة لرئاسة الوزراء في أي حكومة قادمة، بل تم الترويج لها بأنها مؤهلة لحمل لقب "أنجيلا ميركل ليبيا".

يبدو من خلفيتها الأمريكية، أنها تسعى لجذب انتباه الغرب، ولذلك بالإضافة لتقديم نفسها كامرأة قوية تواجه القوى المحافظة في البلاد، وتقدم خطاباً قومياً ليبيا عابراً للانقسامات، فإن أقرب طريق لقلب أمريكا والغرب هو إسرائيل، كما قال القيادي الشيوعي السابق إسماعيل صبري عبد الله الذي كان وزيراً للتخطيط في عهد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في السبعينات.

الوزير الذي كان يسارياً معادياً للصهيونية قدم آنذاك تفسيراً لمحاولة مصر للتقارب مع إسرائيل.إذ قال: "إذا أردنا علاقة جيدة مع واشنطن، فعلينا أن نقضي الليلة في تل أبيب".

ومثلما تسعى دول عربية بارزة للتقارب مع واشنطن عبر بوابة التطبيع مع إسرائيل يبدو أن نجلاء المنقوش ارتأت تقديم أوراق اعتمادها لواشنطن عبر لقاء مع وزير الخارجية الإسرائيلي، ويبدو أنها أرادت أن يظل طي الكتمان.

ولكن تل أبيب لم تستطِع مقاومة إغواء إفشاء لقاء مع وزيرة خارجية البلد الذي كان يعد من أشد معارضي الصهيونية في عهد رئيسه الراحل معمر القذافي.

وقد يكون ما حدث أكبر من المنقوش إذا ما صح ما تزعمه التسريبات الإسرائيلية بأن اللقاء اُتفق عليه من أعلى المستويات في ليبيا وإسرائيل، في إشارة على ما يبدو لحكومة الدبيبة ومن يدعم المنقوش (قد يكون حفتر)، وقد يكون ذلك في إطار مساعي من هذه الأطراف لتعزيز موقفها أمام الغرب لتنال نصيباً أكبر من كعكة السلطة في البلاد.

ستكشف الأيام القادمة هل كان رهان المنقوش صحيحاً أم خاطئاً، وإذا ما كان رهانها على التطبيع كطريق لنيل رضا الغرب سيكون كافياً لحمايتها من الغضبة التي انطلقت في البلاد المقسمة والتي تفتقد لقبضة حديدية تستطيع قمع الاعتراضات على التطبيع مثلما يحدث في بلدان عربية أخرى، خاصة أن طرفي النزاع في ليبيا أحدهما في الشرق يستند إلى حد كبير لإرث القذافي الذي كان معادياً للتطبيع، والثاني في الغرب به تأثيرات إسلامية قوية هو بدوره مناهض للتطبيع.

هذا الوضع يجعل من المفترض أن مناهضة التطبيع هي من الأمور النادرة التي يتفق عليها محورا الصراع في البلاد، حتى لو كان تيار حفتر يطبع سراً كما يقال. 

تحميل المزيد