قصة الخلاف بين تركيا وأمريكا، وكيف سيكون شكل العلاقة بينهما بعد حل أزمة السويد واقتراب صفقة الإف 16؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/07/16 الساعة 14:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/16 الساعة 14:43 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائه بنظيره الأمريكي جو بايدن في قمة الناتو بالعاصمة الليتوانية فيلنيوس/الأناضول

هل تعود العلاقة بين تركيا وأمريكا إلى سابق عهدها بعد موافقة تركيا على انضمام السويد إلى الناتو، والوعد الأمريكي بإتمام صفقة بيع طائرات إف 16 لتركيا، وهل تتخلى الأخيرة عن صواريخ إس 400 كما سبق أن طلب الأمريكيون؟

وفي ختام قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، الثلاثاء والأربعاء الماضيين، خاطب الرئيس الأمريكي جو بايدن، نظيره التركي رجب طيب أردوغان قائلاً: أشكرك على شجاعتك وقيادتك ودبلوماسيتك التي أظهرتها، وذلك بسبب موافقته على انضمام السويد لحلف الناتو.

وتملك تركيا وأمريكا أكبر جيشين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهذا سبب وجيه لتحافظا على تحالفهما الذي بدأ منذ سبعة عقود،، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.

لكن العلاقات بينهما شابها بعض التوتر؛ على خلفية شراء تركيا منظومة دفاع صاروخي روسية، ودعم الولايات المتحدة لميليشيا كردية سورية تعتبرها تركيا تهديدا قاتلاً، وخلافات أخرى. وهذا الانعدام المتبادل في الثقة تجلى بوضوح في محاولة تركيا المحبَطة لشراء طائرات مقاتلة أمريكية الصنع. 

إذ قال المشرعون الأمريكيون إنهم لن يوافقوا على بيع مقاتلات إف-16 لتركيا ما لم توافق على السماح للسويد بالانضمام إلى حلف الناتو. والآن وقد فعلت، ربما تزداد فرص التقارب بين البلدين، حسب تقرير الوكالة الأمريكية.

فعلى الرغم من ادعاءات كبار المسؤولين الأمريكيين، أصبحت صفقة الـ"إف-16″ مرتبطة بمسألة عضوية السويد في الناتو، وفقاً لما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

لماذا تمثل صفقة الـ"إف-16″ أهمية كبيرة لأنقرة؟

تحاول تركيا منذ عام 2021، شراء 40 طائرة إف-16 جديدة و80 مجموعة عدد وأدوات لتحديث أسطولها الحالي من المقاتلات. وهي تطمح إلى تصنيع طائراتها الخاصة في نهاية المطاف، لكنها ترغب في تحديث طائراتها الـ"إف-16″ كإجراء مؤقت.

وستساعد طائرات إف-16 تركيا على تحسين وضع قواتها الجوية بعد أن منعتها الولايات المتحدة من شراء مقاتلات لوكهيد الأكثر تقدماً، الإف-35، رداً على قرار أنقرة شراء منظومة الدفاع الصاروخية إس-400 روسية الصنع.

تركيا وأمريكا
مقاتلات إف – 16 التابعة لسلاح الجو التركي/Getty.، أرشيفيه

إذ كانت الولايات المتحدة قلقة من إمكانية استخدام منظومة إس-400 لجمع معلومات استخباراتية عن قدرات التخفي لطائرات إف-35، رغم أن تركيا اقترحت تشكيل لجنة فنية لبحث هذا الادعاء، ولفتت إلى أن اليونان ودولاً أعضاء أخرى بالناتو لديها نظام إس 300 الروسي ولم تتطرق واشنطن إلى مخاطره الأمنية، ولكن يبدو أن سبب الموقف الأمريكي هو أن الولايات المتحدة حريصة على منع حلفائها من التعاون مع قطاع الدفاع الروسي.

كيف ستؤثر موافقة تركيا على انضمام السويد للناتو على الصفقة؟

وافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في يوليو/تموز، على إسقاط معارضته انضمام السويد إلى حلف الناتو، وهذا مكّن الحلف العسكري من الإعلان عن جبهة أشد وحدة في وجه الحرب الروسية على أوكرانيا خلال اجتماع في العاصمة الليتوانية فيلنيوس. وفي الاجتماع نفسه، تعهدت الولايات المتحدة "بمتابعة" طلب تركيا شراء طائرات إف-16، وفقاً لمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان. 

ونفى مسؤولون أمريكيون في السابق، أن صفقة طائرات إف-16 كانت مشروطة بتغيير تركيا رأيها بخصوص انضمام السويد إلى الناتو. لكن موافقة الكونغرس على صفقات الأسلحة الأمريكية المهمة للحلفاء الأجانب ضرورية، وقد أبلغت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الرئيس جو بايدن مطلع عام 2023، أن الكونغرس لن يوافق على بيع تركيا طائرات إف-16 حتى تصادق تركيا على عضوية السويد في الناتو.

جذور الخلافات بين تركيا وأمريكا

حصول تركيا على طائرات الـ"إف-16″ سيساعد في تحسُّن العلاقات إلى حد ما. فمنذ عام 2019، حين تسلمت تركيا صواريخ إس-400، حظرت الولايات المتحدة على أكبر هيئة لشراء الأسلحة في البلاد المرور إلى المؤسسات المالية والمعدات العسكرية والتكنولوجية الأمريكية. ومنعت إصدار تراخيص تصدير جديدة لنقل البضائع أو التكنولوجيا الأمريكية إلى هذه الهيئة. وكثيراً ما طالبت الولايات المتحدة أنقرة بالتخلص من منظومة إس-400، لكن دون جدوى. 

ويقول الأتراك إنهم اضطروا إلى شراء صواريخ إس-400، بسبب تمنُّع الدول الغربية عن تزويد أنقرة بنظام دفاع جوي فعال، خاصةً باتريوت الذي تلكأ الأمريكيون في بيعه لأنقرة، مما جعل تركيا البلدَ الوحيدَ الكبير في الشرق الأوسط الذي كان لا يمتلك نظام دفاع جوي متطوراً.

تركيا وأمريكا
صواريخ إس 400 الروسية/ الاناضول

بل إن الولايات المتحدة ودولاً أوروبية أعضاء بالناتو سحبت أنظمة صواريخ باتريوت من تركيا بالتزامن مع إرسال روسيا قواتها لدعم بشار الأسد في مواجهة المعارضة السورية المدعومة من أنقرة والغرب والدول العربية، الأمر الذي وضع أنقرة في موقف محرج، خاصة عندما بدأت الطائرات الروسية في اختراق الأجواء التركية، في أزمة وصلت لذورتها بإسقاط أنقرة طائرة روسية من طراز سوخوي 24 عام 2015، وكان موقف الناتو وأمريكا في الخلاف الذي دار بين روسيا وتركيا العضو بالحلف، أقرب إلى الحياد.

وكانت إحدى نقاط الخلاف الأخرى بين البلدين تسليح الولايات المتحدة للقوات الكردية في سوريا وتدريبها. إذ تعتبرهم تركيا إرهابيين وتهديداً لوحدتها، لأنهم مرتبطون مباشرة بحزب العمال الكردستاني الانفصالي في جنوب شرقي تركيا، وهذه العلاقة تؤكدها تقارير مراكز أبحاث غربية.

أبرز الخلافات الأخرى بين تركيا وأمريكا

 ومن بين الخلافات الأخرى بين تركيا وأمريكا التي أوردها تقرير وكالة Bloomberg الأمريكية وأدت لتوتر العلاقات بين البلدين:

  • مطالبة الولايات المتحدة وحلفائها الآخرسن بالإفراج عن عثمان كافالا، رجل الأعمال التركي (65 عاماً)، الذي سُجن بتهمة التآمر لإطاحة حكومة أردوغان.
  • رفض الولايات المتحدة تسليم فتح الله غولن، رجل الدين التركي الذي يعيش منفياً في ولاية بنسلفانيا والذي يتهمه أردوغان بتدبير انقلاب فاشل عام 2016.
  • وتعد محاكمة أمريكا بنك خلق التركي المملوك للدولة، بتهم جنائية تتعلق بمساعدة إيران على التهرب من العقوبات الاقتصادية، عقبة أخرى في طريق تحسين العلاقات.
  • غضب تركيا من دعم الولايات المتحدة منافسيها في نزاع الغاز الطبيعي مع قبرص وفي صراعات إقليمية أخرى، وميل الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة، إلى اليونان في خلافاتها المتعددة مع تركيا، علماً بأن العلاقات بين أنقرة وأثينا شهدت مؤخراً تهدئة وتحسناً، خاصة بعد التضامن اليوناني مع أنقرة خلال زلزالي فبراير/شباط 2023.

قمة تركية يونانية 

اتفقت اليونان وتركيا، يوم الأربعاء الماضي، على استئناف المحادثات وإجراءات بناء الثقة، حيث أشادا "بالمناخ الإيجابي" الجديد في العلاقات بعد أكثر من عام من التوترات بين الخصمين التاريخيين، وهو أمر قد يكون له تأثير إيجابي على المشرعين الأمريكيين المؤيدين لأثينا والذين كانوا يعارضون صفقة الـ"إف-16″ التركية.

كان العضوان في حلف شمال الأطلسي (الناتو) على خلاف منذ عقود حول مجموعة من القضايا من ضمنها أين يبدأ وأين ينتهي الجرف القاري لكل من البلدين، وموارد الطاقة، والتحليقات في بحر إيجه، وقضية قبرص.

في العام الماضي، أوقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، محادثات ثنائية بسبب خلاف بشأن انتهاكات المجال الجوي، وبعد اتهامه لرئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، بالضغط على الولايات المتحدة لمنع بيع مقاتلات إف-16 لتركيا.

هل تتخلى أنقرة عن منظومة إس-400؟

اشترت تركيا منظومة الدفاع الصاروخية إس-400 بعد توقف محادثات شرائها منتجاً أمريكياً مماثلاً، صواريخ باتريوت، بسبب رفض واشنطن منحها إياه.

وقد رفضت تركيا التوقف عن استخدام إس-400، بل تخطط للذهاب إلى أبعد من ذلك. إذ تتفاوض على نقل تكنولوجيا إس-400 من روسيا وصفقة محتملة لشراء بطاريات صواريخ لإنتاجها محلياً، في إطار جهودها لتعزيز مكانتها بالمنطقة، والاعتماد على الذات في مجال تصنيع الأسلحة. 

وتقول تركيا أيضاً إنها ملتزمة تجاه الناتو، وإن طائرات إف-16 ستعزز أمن الحلف.

ما الأوراق الرابحة التي تملكها تركيا؟

يرى المسؤولون الأتراك أنه لا تزال لديهم أوراق مساومة ثمينة، خاصةً أن أنقرة كانت بمثابة الحصن ضد روسيا خلال الحرب الباردة. وتستضيف تركيا أيضاً رؤوساً حربية نووية أمريكية في قاعدتها الجوية إنجرليك ومنشآت عسكرية تستخدمها الولايات المتحدة للتجسس على روسيا، حسب الوكالة الأمريكية.

ويرى مسؤولون غربيون أن تركيا هي الحاجز الوحيد الذي يمنع ملايين اللاجئين، ومعظمهم من السوريين، من التدفق إلى الدول الأوروبية التي ترتبط بها الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة. وفي الآونة الأخيرة، عززت الحرب في أوكرانيا دور تركيا في الشؤون الإقليمية. إذ زودت أوكرانيا بطائرات مسيرة وذخائر، كما فعَّلت اتفاقية مونترو التي تم إقرارها عام 1936، والتي تتيح لتركيا منع عبور السفن الحربية الروسية من مضيقي البوسفور والدردنيل وقت الحرب.

لكن أنقرة رفضت الانضمام إلى العقوبات المفروضة على روسيا، وسعت إلى التوسط في السلام بين الطرفين المتحاربين. وسلط تعطيل صادرات الحبوب من أوكرانيا عبر البحر الأسود والبحر المتوسط الضوء على الأهمية الاستراتيجية لتركيا أيضاً.

تحميل المزيد