هل يسعى الغرب إلى جعل قوات سوريا الديمقراطية إسرائيل جديدة بالمنطقة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/01 الساعة 20:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/24 الساعة 08:03 بتوقيت غرينتش
الأكراد يسيطرون على نحو ثلث مساحة سوريا/رويترز

أصبحت القوى الانفصالية الكردية في شمال سوريا تكتسب أهمية كبيرة لدى الغرب بطريقة تشبه الرعاية الغربية لإسرائيل والتي بدأت بالحديث عن المظلومية اليهودية وانتهت بأن احتلت إسرائيل أراضي عدة دول عربية وقمع وطرد أغلبية الشعب الفلسطيني.

والغريب في هذا الموقف الذي تتبناه الدول الغربية ومن بينها فرنسا وألمانيا والديمقراطيون في أمريكا أن هذه الدول ذاتها وحلف الأطلنطي دعموا التدخل التركي في شمال غرب سوريا في محافظة إدلب للتصدي لهجوم قوات النظام السوري على معاقل المعارضة، بينما عارضوا بشدة التدخل التركي في شمال شرق سوريا حيث يسيطر الأكراد، نهاية العام الماضي، رغم أن هذا التدخل جاء بسبب عدم التزام القوات الكردية بتفاهمات التزموا بها أمام الأمريكيين بالانسحاب من مناطق معينة لأن أنقرة ترى أن وجودهم فيها يهدد أمنها القومى.

الأهم أن هذه الإدارة الكردية تمثل خطراً على وحدة سوريا، البلد الذي يعاني من الحروب وشبح التفتت أكثر منها خطراً على تركيا.

حزب ماركسي صديق للسوفييت ومعادٍ للناتو

يتجاهل الخطاب الغربي ما تمثله هذه الإدارة الكردية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري من مخاطر على وحدة سوريا والعراق وتركيا، والأهم تجاهل هذا الخطاب حقيقة مثبتة في تقارير غربية أكاديمية وبحثية عن أفراد هذه الإدارة وأن من أسسها هم من الأعضاء السوريين لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا وكل الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة.

وكانت الولايات المتحدة أدرجت حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" ضمن قوائم المنظمات الإرهابية في عام 1997 وتعاونت مع أنقرة  في التصدي لأنشطة هذا الحزب بأوجه عديدة من أهمها تبادل المعلومات الاستخبارية حول نشاطه.

وآنذاك عقدت مع تركيا اتفاقاً كانت الاستخبارات الأمريكية تقوم من خلاله بأنشطة استطلاع وجمع معلومات عن قيادات حزب العمال الكردستاني وأنشطته وخططه وإبلاغ أنقرة بها.

فهذا الحزب الذي يتبنى الماركسية اللينينية، كان إحدى أدوات الاتحاد السوفييتي في مناكفة تركيا والغرب وحلف الناتو، حسبما ورد في تقرير لمعهد واشنطن الأمريكي للدراسات السياسية.   

وفي أواخر السبعينيات، عندما كانت سوريا دولة حليفة للاتحاد السوفييتي، بدأ "حزب العمال الكردستاني" بزعامة عبدالله أوجلان حملة تمرد طويلة ضد تركيا، جرى في إطارها أحياناً تنفيذ بعض العمليات من وادي البقاع اللبناني الذي كان محتلاً من قبل سوريا، من بين مواقع أخرى.

وبالتالي فإن الحزب الماركسي تاريخياً يعتبر معادياً للغرب وليس لتركيا فقط.

و"حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الذي أسس الإدارة الذاتية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، هو حزب كردي سوري نافذ أسّسه في عام 2003 مقاتلون سوريّو الأصل ينتمون إلى "حزب العمال الكردستاني" في جبال قنديل في شمال العراق، وفقاً لتقرير لمركز كارنيغي.

ويقول التقرير إن "حزب الاتحاد الديمقراطي" ينكر أن يكون له أيّ ارتباط بحزب العمال الكردستاني نظراً إلى الضرر الذي يمكن أن يلحق بصورته. لكن حتى لو تجاهلنا أن بعض القادة الكبار في "حزب الاتحاد الديمقراطي" يتحدّرون من "حزب العمّال الكردستاني"، تعكس اللغة والرموز (وأكثرها وضوحاً للعيان صورُ زعيم "حزب العمال الكردستاني" المسجون عبدالله أوجلان)، والهياكل التنظيمية (ولاسيما وجود نساء مقاتلات في الرتب الدنيا)، تلك المستعملة في "حزب العمال الكردستاني". فضلاً عن ذلك، ليس واضحاً كيف تمكّن الأكراد السوريون من أن ينشئوا بمفردهم الإطار اللوجستي والبنيوي الضروري لتشكيل قوّة عسكرية فعلية من أكثر من 10 آلاف مقاتل بعد اندلاع الثورة السورية مباشرة (أصبحت الآن أكبر بكثير).

ولاحظ التقرير أنه منذ اندلاع الأزمة في سوريا، ينفّذ "حزب العمال الكردستاني" مزيداً من العمليات في جنوب شرق الأناضول، مع تسجيل زيادة لافتة في أعداد المقاتلين من أصل إيراني-كردي في صفوف الإصابات من الجانب الكردي، في حين أن "حزب الحياة الحرة الكردستاني" (PJAK) (النسخة الإيرانية من حزب العمال الكردستاني) أوقف تقريباً عملياته على الأراضي الإيرانية. حتى إن بعض التقارير تورد نظريات تتحدّث عن أنه في ذلك الوقت نشأ تحالف استراتيجي بين "حزب العمال الكردستاني" وإيران في محاولة لممارسة ضغوط على تركيا، وتعزيز موقع الأسد من جديد.

وبالتالي فإن محاولة الفصل بين حزب العمال الكردستاني وبين الإدارة الكردية في شمال شرق سوريا لا تقف أمام أي محاولة للنقاش العلمي ويظهر ذلك بشكل واضح في تقارير ميدانية لمراكز بحثية غربية.

رفضوا التعاون مع المعارضة السورية ضد الأسد

كان الأكراد أحد أبرز ضحايا النظام السوري، الذي حجب الجنسية عن أغلبهم (لأن جذور كثير منهم تعود لتركيا، حيث هاجروا منها بعد فشل ثورتهم ضد كمال أتاتورك).

ولكن حزب الاتحاد الديمقراطي السوري رفض الانضمام للمعارضة السورية بل نسق مع النظام في أغلب الأوقات، وذلك رغم انضمام العديد من النشطاء الأكراد المستقلين للمعارضة السورية ضد الأسد، بمن فيهم عبدالباسط سيد الذي ترأس المجلس الوطني السوري، الكيان الذي جمع أبرز جهات المعارضة السورية في ذروة الثورة السورية.

وهكذا فإن هذا الحزب تعاون مع الأسد رغم جرائمه ضد الشعب السوري، والتي كان أقساها جرائمه ضد الأكراد السوريين، لدرجة أن قوات النظام انسحبت من المناطق ذات الغالبية الكردية الواقعة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد منذ صيف 2012، لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي، مما أتاح الفرصة له لاستغلال انشغال المعارضة السورية في المعارك ضد النظام لتأسيس كيان شبه مستقل في شمال سوريا.

العداء مع الزعامة التاريخية للأكراد والنشطاء

حزب العمال الكردستاني وبالتالي فرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، كانا دوماً في صراع مع آل برزاني الذين يمثلون الزعامة التاريخية لأكراد العراق، ولهم نفوذ على كل الأكراد بالمنطقة، فمشاكل الحزب ليست مع تركيا فقط، بل محيطه الكردي والعربي.

ومع اندلاع الثورة السورية، تقاسم "حزب الاتحاد الديمقراطي" السلطة مع نحو 15 حزباً كردياً (شكّلت "المجلس الوطني الكردي") في إطار "المجلس الأعلى الكردي" من خلال جهود الوساطة التي قام بها مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان العراق في ذلك الوقت وزعيم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الذي هو من الأحزاب الكردية الأساسية في العراق.

لكن على الأرض، يعتبر "حزب الاتحاد الديمقراطي" أن شركاءه الأكراد في المجلس هم مجرّد عملاء للبرزاني نفسه الذي ينظر الحزب بكثير من الشك والريبة إلى علاقته الوثيقة بتركيا.

فضلاً عن ذلك، منع "حزب الاتحاد الديمقراطي" أيّ وجود كردي مسلّح من خارج دائرة الموالين له في "وحدات حماية الشعب"- وقد تحدّثت تقارير عن مناوشات مسلّحة مع "حزب الوحدة الكردي" في سوريا (يكيتي) في مدينتَي الدرباسية والقامشلي في بداية الثورة السورية، حسب تقرير لمركز كارنيغي.

وتفيد تقارير متعددة بأن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يمارس سياسة التضييق على العمل المدني واﻹنساني في مناطق سيطرته شرق الفرات، حيث شنت اﻷجهزة اﻷمنية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية حملات اعتقالات واسعة طالت العديد من ناشطي المجتمع المدني في محافظة الرقة على سبيل المثال.

وأفاد تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان في أغسطس/آب 2019 أن قرابة 3 آلاف شخص كانوا قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري لدى قوات سوريا الديمقراطية التي باتت تُضيِّق على منظمات المجتمع المدني عبر ممارسات قمعية تشبه ممارسات التنظيمات المتطرفة.

تفاصيل تهميش الإدارة الكردية لعرب سوريا

وحالياً يسيطر هذا الحزب الماركسي على نحو ثلث سوريا وتنظر لهم الأغلبية العربية كاحتلال، حسب تقرير آخر لمركز كارنيغي.

فقد أتاح القضاء على تنظيم داعش ككيانٍ جغرافي في مارس/آذار 2019، لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، السيطرة على نحو ثلث الأراضي السورية، حيث يُقيم ملايين السوريين ومعظمهم من غير الأكراد.

ويقول السكان المحلّيون في المدن ذات الأكثرية العربية الخاضعة لسيطرة "قسد"، إن تهميش العرب من آلية الحكم في مناطقهم يولّد مشاعر استياء لدى العرب المثقّفين.

ويدير الحزب أوضاع هذه المنطقة الشاسعة، والتي تضم أعداداً كبيرة من العرب السنة، ومجموعات إثنية أخرى عبر استخدام أحزاب تحمل كواجهات سياسية من هذه القوميات والطوائف، مثل "الهيئة الوطنية العربية"، و"حزب الاتحاد السرياني"، وتنظيمات كُردية وعربية وسريانية أخرى، وفقاً للتقرير.

ولقد حاول الحزب احتكار الشأن العام عبر هذه التحالفات صورياً، من خلال إلزامهم بالسير على نهج اخترعه، سمّاه "نهج الأمة الديمقراطية"، حسب التقرير.

وسبق أن انتقد تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، نهاية مارس/آذار 2019، إقصاء المكوّن العربي عن مفاصل اتخاذ القرارات، داخل المؤسسات العسكرية والمدنية التابعة لقسد".

ويقول الصحفي الكردي السوري، فاروق حاجي مصطفى، مؤسس مركز براتشاف للإعلام والحرية في مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا: "إن حزب الاتحاد الديمقراطي كان يتمتع بشعبية فعلية لأنه كان يتصدى لمشاكل السكان الأكراد. فأعضاؤه براغماتيون ومنظمون على عكس الأحزاب الكردية الأخرى التي فشلت في مواجهة تلك المشاكل".

ولكنه استدرك قائلاً "الحزب بات حزباً شمولياً، ورافضاً لمظاهر معارضة حكمه، وتعامل بعنف ضد البعض في مجتمعه".

المبرر الأقوى للغرب لتأييد قسد هو محاربة داعش.. لكن الحشد الشعبي لعب دوراً أيضاً بهذه المعركة

تقوم الحجة الرئيسية للتأييد الغربي لأكراد سوريا إنهم كانوا أبرز قوة عسكرية حاربت داعش.

والحقيقة أنهم أثبتوا شجاعة لافتة في محاربة داعش، ولكنهم لم يكونوا وحدهم ولم يدفعوا الثمن الأكبر.

فالذي دفع الثمن الأكبر في محاربة داعش هو قوى المعارضة السورية، التي تعرضت للإبادة من قبل التنظيم الوحشي، وتركهم العالم دون نجدة، والدليل على ذلك هو انهيار هذه القوى بعدما كانت تسيطر على معظم الأراضي السورية.

كما أن كل القوى العسكرية في المنطقة لعبت دوراً في حرب داعش، وذلك لم يكن عملاً خيرياً، ولكن لأن داعش استهدفت الجميع، فالجيش اللبناني والعراقي حاربا داعش، وأكراد العراق حاربوا داعش، والجيش التركي حارب داعش وتعرض لخسائر فادحة في بعض المعارك.

والجيش الروسي حارب داعش، وحزب الله والحشد الشعبي حاربا داعش.

فلماذا تحظى القوات الكردية فقط بهذه الحصانة عما ترتكبه من أخطاء وما تمثله من تهديد لوحدة سوريا والعراق وتركيا، والأهم ما تمثله من نظام عنصري في حكمها للعرب في شمال شرق سوريا.

سر تأييد الغرب لقسد

أسباب تأييد الغرب لقوات سوريا الديمقراطية مركبة وتتداخل فيها المصالح مع التصورات الرومانسية.

أولاً: عادة الغرب يتعاطف مع أي أقلية بالمنطقة أكثر من بقية السكان، ويظهر ذلك في سوريا واضحاً، حيث نال سنة سوريا نصيباً من التعاطف أقل من الأكراد وغيرهم، بينما هم الأكثر تعرضاً للتهجير والإبادة بفارق هائل عن بقية المكونات السورية، والأمر حدث مع سنة العراق.

الأمر الثاني أنه رغم عداء الغرب التاريخي للأحزاب الشيوعية اللينينية التي كانت تهدف أصلاً لإسقاط نموذجه والتي قامت على أيديولوجيا ماركسية متطرفة تميل للعنف، وفرض النهج الشيوعي على المجتمعات بالقوة مثلما حدث في الصين والاتحاد السوفييتي وفيتنام، فلقد تحولت نظرة الغرب إلى المقاتلين اليساريين إلى تصور رومانسي حالم بعدما اختفى الاتحاد السوفييتي، وأصبح شبان الغرب يضعون صور جيفارا الذي كان يمثل أكبر عدو للغرب في يوم ما.

كانت هذه الصورة الرومانسية تتركز في الدوائر اليسارية الغربية، ولكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي انتقلت إلى الدوائر الليبرالية وحتى اليمينية خاصة مع تدهور اليسار في الغرب وتحوله إلى مجرد فرع من الدوائر الليبرالية، ولكن هذا وسع من تأثيره الثقافي.

في المقابل، بدأ الغرب يضع تدريجياً الإسلام أو التيارات الإسلامية كعدو بديل للماركسية.

لا يخلو الأمر من أشياء رمزية مثل مظهر النساء الكرديات اللاتي يحاربن متطرفي داعش، هو مظهر رومانسي في منطقة تعج بالمحجبات وخاصة أن لدى الغرب انطباع سلبي عن وضع النساء والحريات بها سواء كان صحيحاً أو غير صحيح، هذه النظرة تتجاهل الطابع الإقصائي الذي يميز الماركسيين الأكراد، ومحاولتهم لفرض نموذجهم على المجتمعات الكردية والعربية المحافظة أو حتى الليبرالية ولكن غير يسارية.

وبالإضافة إلى هذه العوامل الرومانسية الحالمة، فأجهزة الاستخبارات والجيوش الغربية، ترى في الأكراد حليفاً مسلحاً وقوياً في منطقة انزوى فيها النفوذ الغربي بعد التدخل الإيراني الروسي، وخاصة مع ابتعاد تركيا عن الغرب، بل دخولها في خلافات معه، وحملة العداء الغربي ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومحاولة التقليل من التجربة الديمقراطية التركية، والمبالغة في انتقاد سلبياتها.

ولكن هناك أسئلة لم يسألها الغرب لنفسه، هل عرب شمال شرق سوريا راضون عن هذا الوضع؟!

والسؤال الثاني للغرب، أنتم تنتقدون الديمقراطية التركية، رغم أن المعارضة فازت في إسطنبول في آخر انتخابات بلدية وتحكم العديد من المناطق التركية، ولكن هل سمعنا يوماً أن قوات سوريا الديمقراطية أجرت أي انتخابات في مناطق سيطرتها؟ 

الأهم: كيف يمكن قبول أن تسيطر أقلية كردية على أغلبية عربية، أليس هذا نظاماً للفصل العنصري، أم هناك من يريد خلق إسرائيل جديدة، إسرائيل سيكون أول المتضررين منها هم الأكراد أنفسهم الذين ستتدهور العلاقة التاريخية بينهم وبين جيرانهم وإخوانهم من شعوب المنطقة من عرب وإيرانيين وأتراك؟

فالقيادات الكردية تتناسى أنه ستذهب القوات الغربية يوماً ما من المنطقة، ولكن الشعوب لن تذهب.

علامات:
تحميل المزيد