لماذا تقلل أمريكا من قرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط، وكيف سيؤثر على التضخم العالمي والمستهلك؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/04 الساعة 11:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/04 الساعة 11:58 بتوقيت غرينتش
تحالف أوبك بلس لإنتاج النفط / رويترز

قفزت أسعار النفط يوم الإثنين، 3 أبريل/نيسان 2023، بعد أن اتفق أعضاء منظمة أوبك بلس على خفض الإنتاج، في الوقت الذي قلّل الرئيس الأمريكي من شأن الخطوة التي اتّخذتها دول نفطية رئيسية، بعدما كان البيت الأبيض قد انتقد الخطوة، مؤكداً في الوقت نفسه محدودية تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي. وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن في تصريح للصحفيين: "لن يكون الأمر بالسوء الذي قد تعتقدونه".

لماذا تقلل واشنطن هذه المرة من قرار "أوبك+" بخفض إنتاج النفط؟

يوم الإثنين، صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي للصحفيين: "لا نعتقد أنّ خفض الإنتاج من قبل أوبك بلس خطوة مستحسنة في هذا الوقت، نظراً لحالة عدم اليقين التي يشهدها السوق". وأضاف أنّ الولايات المتحدة "أوضحت ذلك"، مشدّداً في الوقت نفسه على أنّ واشنطن "تركّز على المضيّ قدماً".

وكانت السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان والجزائر قرّرت الأحد، بشكل منسق، خفض إنتاجها اليومي بأكثر من مليون برميل يومياً بالإجمال، بدءاً من مايو/أيار المقبل وحتى نهاية العام الجاري، في أكبر خفض للإنتاج منذ قرار منظمة الدول المصدّرة للنفط وشركائها في تحالف "أوبك بلس"، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً.

بدورها أعلنت روسيا، المنضوية في تحالف أوبك بلس، أنها ستمدّد خفض إنتاجها من النفط الخام بمقدار 500 ألف برميل يومياً حتى نهاية العام 2023، مشيرة إلى "إجراء مسؤول ووقائي".

وقال كيربي إنّ الوضع شهد تحسّناً منذ أن خُفّض الإنتاج قبل عام، في خطوة أثارت يومها حفيظة الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته، التي كانت تواجه حينها صعوبات في كبح ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة.

وأضاف كيربي: "نحن في موقع مختلف حالياً على صعيد السوق مقارنة بالعام الماضي"، مشيراً إلى أن أسعار النفط الخام تناهز 80 دولاراً للبرميل بعدما كانت قبل عام تناهز 120 دولاراً. وقال "تركيزنا منصبّ على الأسعار".

وردّاً على سؤال حول العلاقات المضطربة مع السعودية، قال كيربي إن المملكة "لا تزال شريكاً استراتيجياً"، لكنّ "وجهات النظر ليست دائماً متطابقة". وشدّد كيربي على أنّ قرار خفض الإنتاج الأخير لم يباغت تماماً الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن واشنطن "تلقّت تنبيهات".

كيف سيؤثر قرار "أوبك+" بخفض إنتاج النفط على المستهلك؟ 

بعد إعلان أوبك بلس خفض الإنتاج، بدءاً من مايو/أيار المقبل حتى نهاية 2023، ارتفعت أسعار النفط بنحو 5% للبرميل ليبلغ 84 دولاراً أمريكياً، فيما ارتفعت أسعار خام غرب تكساس الوسيط 5.84% ليبلغ 79.83 دولار للبرميل، في ارتفاع هو الأقسى منذ نحو عام. 

ويوازي إنتاج مجموعة أوبك نحو 40% من إجمالي إنتاج النفط الخام في العالم، وتبلغ الكمية التي تم الإعلان عن خفضها بين الدول المشتركة نحو 1.66 مليون برميل يومياً.

كيف يؤثر قرار أوبك بلس على نسب التضخم؟

تقول صحيفة الغارديان البريطانية إن خطوة أوبك بلس أتت في وقت سيئ بالنسبة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وغيرها من الدول، حيث تكافح كلها لتقليل الضغط التصاعدي على تكلفة المعيشة. 

وارتفاع أسعار النفط يجعل الإنتاج والنقل أكثر تكلفة، ويقلل من القدرة الشرائية للمستهلكين، وكانت البنوك المركزية تتوقع انخفاض التضخم بشكل حاد هذا العام، على أساس أنه لن يكون هناك تكرار لزيادة تكاليف الطاقة في العام الماضي، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن تهدد حركة أوبك بلس بجعل انخفاض التضخم شأناً مطولاً، بحسب الصحيفة البريطانية.

وتقول أوبك بلس إنها اتخذت هذه الإجراءات من أجل "استقرار الأسواق"، ولكن هناك من يقول أيضاً إن الارتفاع الحالي في أسعار النفط لن يؤثر بصورة حتمية ومباشرة على فواتير الطاقة للمستهلك. المسألة بأية حال غير محسومة، إذ إن ذلك مرتبط بالأسعار في الأسابيع والشهور المقبلة.  

ماذا يعني قرار أوبك بلس مالياً واقتصادياً؟

يرى خبراء أن مجموعة أوبك+ تحاول الحفاظ على سعر 80 دولاراً للبرميل عبر هذه الإجراءات، وذلك على المدى المتوسط، بينما قالت الخبيرة تينا تينغ لشبكة "سي إس بي سي" الأمريكية، إن "أوبك+ تطمح في الحقيقة لبلوغ سعر البرميل 100 دولار".

وقال محللو غولدمان ساكس، الأحد، إن الخطوة كانت مفاجئة، ولكنها تتفق مع عقيدة أوبك+ الجديدة للعمل بشكل استباقي. ويمكن لأوبك بحسب هؤلاء اتخاذ هذا النوع من القرارات دون خسائر كبيرة في حصتها في السوق. 

وكانت أسعار النفط ارتفعت مع غزو روسيا جارتها أوكرانيا، في أواخر فبراير/شباط من العام الماضي، ولكن الأسعار تراجعت مؤخراً إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الحرب. 

ماذا يعني القرار سياسياً واجتماعياً؟

كانت الولايات المتحدة دعت المنتجين مراراً إلى زيادة الإنتاج، من أجل دفع أسعار الطاقة إلى الانخفاض. وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي في نهاية الأسبوع الماضي: "لا نعتقد أن التخفيضات مستحسنة في هذه اللحظة بالنظر إلى ضبابية السوق".

ورغم تقلبات الأسعار في الأشهر الأخيرة، كانت هناك مخاوف من أن الطلب العالمي على النفط قد يفوق العرض، خاصةً في نهاية العام، كما يقول تقرير لوكالة Euronews الأوروبية.

ومن المحتمل أن تؤدي الزيادة في أسعار النفط إلى مزيد من الضغط على التضخم، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة تكلفة المعيشة وزيادة مخاطر الركود.

ومن المرجح أيضاً أن يؤدي خفض الإنتاج إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وكان البيت الأبيض قد دعا المجموعة إلى زيادة الإمدادات لتهدئة الأسعار وفحص الأوضاع المالية الروسية. ومع ذلك، فإن إعلان أوبك بلس يؤكد أيضاً على التعاون الوثيق بين الدول المنتجة للنفط وروسيا.

ماذا يعني القرار لروسيا؟

أدّى قرار خفض الإنتاج إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل سريع، لا سيما أنه يندرج في إطار من الطلب القوي، مع إعادة فتح الاقتصاد الصيني، أكبر مستورد عالمي للنفط.

وهذا الانتعاش في الأسعار يفيد بشكل خاص روسيا، التي تحتاج إلى النفط لتمويل حربها المكلفة في أوكرانيا، كما يرى بيارن شيلدروب، المحلّل لدى مصرف "إس آي بي".

وما يزيد القرار أهمية هو أنّ موسكو تخضع للعديد من العقوبات الغربية رداً على غزوها أوكرانيا. وكان الهدف من هذه العقوبات تحديداً خفض عائدات روسيا من النفط.

ويقول الخبير في "إس آي بي" إنّ القرار يؤكد بالتالي أن "روسيا لا تزال جزءاً لا يتجزّأ ومهمّاً" من مجموعة أوبك بلس. كما يقوّي القرار بشكل إضافي العلاقات السعودية-الروسية، التي لم تهزّها الحرب، بل عززتها، كما يلفت الخبراء الذين يراقبون هذه الجبهة المشتركة القوية في مواجهة الاضطرابات التي حصلت في الأشهر الماضية.

تحميل المزيد