سكانها الدروز ظلوا محايدين خلال الثورة.. قصة محافظة السويداء السورية، ولماذا انتفضت مؤخراً ضد الأسد؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/12/12 الساعة 07:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/12 الساعة 07:38 بتوقيت غرينتش
قتل مدني وأصيب 4 آخرون بجروح، الأحد، جراء إطلاق قوات النظام السوري النيران على متظاهرين في محافظة السويداء جنوبي البلاد/ وكالة الأناضول

كان موقف أهالي محافظة السويداء بجنوب سوريا أثناء الثورة السورية مختلفاً عن بقية البلاد، فقد بقوا على الحياد، واجتنبوا الحرب بدرجة كبيرة، ولكن هذا لم يمنع سكانها ذوي الأغلبية الدرزية من تنظيم احتجاجات غاضبة على السلطات في دمشق بين الحين والآخر دون رد عنيف، ولكن ما حدث مؤخراً يثبت أنه قد فاض بهم الكيل.

فألسنة اللهب التي زحفت على مبنى محافظتها في ساحة المشنقة يوم الأحد 4 ديسمبر/كانون الأول، والتقارير التي أفادت بمقتل متظاهر ورجل شرطة أشعرت السوريين في السويداء بأن هذه الاحتجاجات الأخيرة على الوضع الاقتصادي المتدهور "غير مسبوقة"، حسب وصف موقع Middle East Eye البريطاني.

محافظة السويداء ذات غالبية درزية تتمع بقدر من الحكم الذاتي

ومحافظة السويداء تتمتع بحكم شبه ذاتي، وتتحمل ميليشيا درزية تُعرف باسم رجال الكرامة مسؤولية الحفاظ على أمنها.

والعلاقات بين المحافظة والسلطات السورية متوترة، فكثيراً ما تشتعل الاشتباكات والمواجهات بينهما. على أن التظاهرات الأخيرة اندلعت فجأة بعد إعلان تدابير التقشف على مستوى البلاد.

فقد أدى تضاؤل مخزون الوقود، إلى جانب الزيادة الحادة في الأسعار، إلى شلل امتد تدريجياً إلى أرجاء سوريا، وكان تدهور الخدمات عاملاً محفزاً للاحتجاجات. واحتجاجات السويداء قد لا تكون إلا البداية.

المتظاهرون مزقوا صور بشار الأسد

حاصر المتظاهرون في السويداء مقر الحكومة في المدينة قبل أن يقتحموه، ويمزقوا صور الرئيس بشار الأسد ويرددوا شعارات مناهضة للحكومة.

ووصفت وزارة الداخلية السورية المتظاهرين بأنهم "مجموعة من الأشخاص الخارجين عن القانون وبعضهم يحمل أسلحة فردية، قطعوا الطريق بالإطارات المشتعلة بجانب دوار المشنقة في محافظة السويداء".

وأضافت الوزارة أنهم "دخلوا المبنى بقوة السلاح، وحطموا الأثاث وسرقوا محتويات المبنى التي تضم وثائق رسمية، وأضرموا النار في المبنى".

المتظاهرون مزقوا صور بشار الأسد/الأناضول

لكن الروايات متضاربة، إذ قال ريان معروف، من صفحة السويداء 24 الإعلامية المعارضة، لموقع Middle East Eye: "الاحتجاجات كانت متمركزة بالقرب من مبنى المحافظة. والوضع كان شديد التوتر بين المتظاهرين وقوات الأمن. ورد المتظاهرون على استفزاز قوات الأمن باقتحام المبنى كان عفوياً، وقُتل متظاهر وأصيب 18 آخرون، وقُتل شرطي أيضاً".

وقال معروف إن العديد من العوامل أدت إلى هذه الموجة الجديدة من الاحتجاجات. وأضاف: "ما تشهده المدينة غير مسبوق. هناك انهيار كامل في الظروف المعيشية، والوضع الاقتصادي كارثي".

وقال معروف: "وهذا سببه إهمال الدولة السورية لمسؤولياتها، لأنها فشلت في تقديم الخدمات لمواطنيها".

شيوخ الدروز يلجأون للتهدئة

وكانت ردود الفعل متباينة؛ إذ اتهم الصحفي الموالي للحكومة حيدر مصطفى المتظاهرين بالتحريض على العنف في منشور على فيسبوك، قال فيه إنه "إذا لجأ المتظاهرون إلى الاحتجاج باستهداف مواقع حكومية مثل مبنى المحافظة أو مركز الشرطة، وأضرموا النيران فيه وحطموه بطريقة همجية وغير حضارية فكيف يكونون على حق"؟.

على أن آخرين رفضوا الانجرار إلى التصعيد. إذ اعتبر الناشط الإعلامي ناصر ديوب هذا الوضع في محافظة السويداء إنذاراً لدمشق: "ما حدث في السويداء تحذير خطير مثل إنذار حريق يخبرنا أن المجتمع يمر بأزمة كبيرة ينبغي حلها. ومن الضروري محاسبة الفاسدين وتحسين ظروف الكهرباء والتدفئة والوقود والرواتب والأسعار".

وسارع شيوخ الدروز إلى التهدئة. فقال الشيخ حمود الحناوي للتلفزيون السوري الرسمي: "البلد في أزمة والظروف قاسية على الجميع، وعلينا مواجهتها بالصبر والحصافة والتعاون مع الجميع".

إجازة إجبارية وتأجيل للدوري.. محنة الاقتصاد بسوريا تصل لمستوى لا يطاق

أدى تأخُّر شحنات النفط القادمة من إيران إلى سوريا إلى نقص حاد في الوقود، لدرجة أن السلطات أعلنت عطلة إجبارية للحد من استخدامه.

وستغلق الهيئات الحكومية أبوابها لمدة يومين في ديسمبر/كانون الأول بعد تأثر وسائل النقل العام بنقص الوقود، وهذا سيمنح الموظفين إجازة طويلة، وحُظرت بالفعل ساعات العمل الإضافية.

والوضع متدهور لدرجة أنه حتى الاتحاد السوري لكرة القدم أعلن تأجيل الدوري السوري الممتاز حتى عام 2023، لأن ندرة الوقود ستعيق قدرة اللاعبين على التنقل.

ورفعت وزارة التجارة الداخلية أسعار الديزل والبنزين بشكل مثير للجدل أيضاً، ما أدى إلى تضاعف أسعار وقود السوق السوداء خلال الأسبوع الماضي. وبعد أن كان سعر البنزين غير المدعوم حوالي 125 ألف ليرة سورية (22 دولاراً) لكل 20 لتراً، ارتفع سعره في الوقت الحالي إلى ما يزيد عن 250 ألف ليرة في السوق السوداء.

مشهد لتصاعد أعمدة الدخان في محافظة السويداء السورية خلال المواجهات/الأناضول

يقول حسن حزوري، أستاذ الاقتصاد بجامعة حلب، لصحيفة الوطن المدعومة من الدولة إن عطلة اليومين الإضافيين ستوّجه الموارد الحيوية إلى الأماكن التي تحتاجها.

وقال: "تعليق عمل بعض الهيئات العامة قرار سليم سيوفر المال ويخفض تكاليف تشغيل المؤسسات الحكومية العامة والمشتركة. وهذا سيوفر مزيداً من الوقود اللازم لنقل الموظفين، لكن هذا ليس الحل الأمثل للمشكلة".

احتجاجات السويداء بداية لأزمة ممتدة

ومع استمرار تدهور الاقتصاد السوري واقتراب الشتاء القاسي، فالاحتجاجات التي تشهدها محافظة السويداء ليست أكثر من بداية لأزمة ستستمر لبعض الوقت.

إذ قال تيمور نور الدين، الناشط الذي شارك في احتجاجات السويداء الأخيرة، لموقع Middle East Eye إن هذه الاضطرابات ليست موقفاً منعزلاً.

وقال: "محافظة السويداء كانت دوماً محايدة، لم تبايع الحكومة أو تقف ضدها. شيوخ المحافظة هم من اتخذوا هذا القرار بعد رؤية الحرب متعددة الأطراف التي طالت مذابحها الجميع".

وأضاف: "لكن هذا الوضع سيتفاقم مع استمرار انهيار الخدمات. اليوم في السويداء، وغداً من يدري أين. سوريا كلها تعاني اقتصادياً اليوم".

تحميل المزيد