20 مارس/آذار من كل عام هو اليوم العالمي للسعادة، لكنه هذا العام يتزامن مع مرور عام هو الأصعب على البشرية بسبب وباء كورونا، فكيف تأثر مقياس السعادة عالمياً بتأثير الجائحة التي تمثل خطراً أكبر على كبار السن مقارنة بالشباب؟
وتفاعلاً مع الظروف الاستثنائية التي تمر بها البشرية منذ تفشي فيروس كورونا مطلع العام الماضي 2020 وتحوله لجائحة أصابت الحياة بما يشبه الشلل، حاول الباحثون المرتبطون بشبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة دراسة تأثير الوباء على الحالة المزاجية للبشر، بالتزامن مع اليوم العالمي للسعادة هذا العام.
ويتحدث السياسيون والمسؤولون كثيراً عن تأثير "كوفيد -19" في الصحة العامة والاقتصاد، وهذا أمر يبدو طبيعياً في ضوء إصابة أكثر من 123 مليون شخص بكوفيد-19 فقد أكثر من مليونين وسبعمائة وخمسة عشر ألف شخصاً منهم حياته، كما تسببت حالات الإغلاق الاقتصادي في فقدان ملايين الأسر لمصدر رزقهم حول العالم.
لكن بالنسبة لمعظم الناس هذه اعتبارات مُجرَّدة؛ فما يختبرونه كل يوم هو حالات مزاجية، سواء الشعور بالقلق والحزن، أو البهجة والتفاؤل إذا كانوا محظوظين، كلها أمور تبدو ثانوية أو لا يتوقف عندها أحد تقريباً.
كيف يمكن قياس السعادة؟
طرحت شركة Gallup لاستطلاعات الرأي نفس الأسئلة في عشرات البلدان، والسؤال الأكثر دلالة هو الذي يطلب من المُستطلَعة آراؤهم تخيل سُلَّماً بخطوات مُرقَّمة من الصفر إلى عشرة، تُمثِل الدرجة العليا منه أفضل حياة يمكن أن تعيشها، بينما تمثل الدرجة السفلية الأسوأ. فما الدرجة التي أنت عليها الآن؟
وفي ما يثير الدهشة نوعاً ما، أشار الناس في ردودهم على هذا السؤال إلى أنَّ العالم كان سعيداً أثناء مواجهة الوباء المروع بنفس القدر الذي كان عليه قبل تفشي فيروس كورونا المستجد، بحسب تقرير لصحيفة The Economist الأمريكية.
وارتفع متوسط الدرجات على سُلَّم كانتريل في 95 دولة – دون أخذ عدد السكان في الاعتبار- ارتفاعاً ضئيلاً من 5.81 في الفترة 2017-2019 إلى 5.85 في 2020، لكن نمط الرضا عن الحياة قد تغير؛ فقد جعل "كوفيد-19" كبار السن أكثر بهجة، وفي عدد قليل من البلدان، تراجع الشعور بالسعادة بعض الشيء في هذه الفئة العمرية؛ لكنها ارتفعت عند آخرين.
وصحيح أنَّ وباء كورونا يهدد كبار السن أكثر بكثير من الصغار؛ إذ يتضاعف خطر الوفاة بعد الإصابة بالمرض في كل 8 سنوات زيادة من العمر، لكن الوباء ترك شعوراً بالبهجة لديهم. فعلى الصعيد العالمي، ارتفعت السعادة في الفترة من 2017-2019 وحتى 2020 بمقدار 0.22 نقطة على سُلَّم كانتريل بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً.
من جانبها أشارت سيلينا بياتريس، وهي عالمة نفسية تبلغ من العمر 64 عاماً في البرازيل، إلى قائمة بأشياء قد تُفسِد مزاجها؛ ومنها: الوباء والفساد المستشري والحكومة البغيضة وتعاسة الآخرين. ومع ذلك تصف نفسها بأنها تزداد سعادة وتفاؤلاً برغم كل شيء.
منحنى السعادة تصاعدي في بريطانيا
وفي بريطانيا وغيرها من البلدان الغنية، كان التشكيل العمري للسعادة قبل انتشار الوباء يشبه حرف U تقريباً عند وضعه على رسم بياني. فقد بدأ الناس حياتهم البالغة في حالة من البهجة، ثم أصبحوا أكثر كآبة في منتصف العمر. ثم بعد سن الخمسين، بدأوا يشعرون بالسعادة مرة أخرى. ومع ذلك إذا وصلوا إلى سن متقدمة جداً، سقطوا مرة أخرى في حالة كآبة. أما اليوم أصبح نمط السعادة منحنى تصاعدياً.
وحظي الشباب بسنة صعبة، إذ فقد الكثيرون وظائفهم، في الولايات المتحدة على سبيل المثال، قفز معدل البطالة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و24 عاماً من 6.3% في فبراير/شباط 2020 إلى 25.6% بعد شهرين (لكنه انخفض مرة أخرى إلى 9.6% الشهر الماضي). وفي بعض البلدان الغنية عانت الشابات تحديداً من أوقات عصيبة. إذ يعملن غالباً في قطاعات تضررت من الإغلاق، مثل الضيافة. وعندما اُغلِقَت المدارس تحمل الكثيرون منهن أعباء بالغة من رعاية الأطفال.
وكان أداء بعض البلدان أفضل من غيرها. ففي حين تراجعت سعادة البريطانيين في عام 2020، ارتفعت ألمانيا من المرتبة الخامسة عشرة إلى المرتبة السابعة في مقياس أسعد دولة في العالم. وخلال معظم العام الماضي، حاربت ألمانيا فيروس كورونا المستجد أفضل بكثير من معظم دول أوروبا، على الرغم من أنها خَسِرَت في منافسة تطوير لقاح؛ مما دفع صحيفة Bild الألمانية الشعبية، إلى الإعلان في فبراير/شباط: (عزيزتي بريطانيا، نحن نغبطك).
الدول الأكثر سعادة عالمياً لم تتأثر بالوباء
واللافت للنظر أنَّ البلدان التي كانت على رأس مخطط السعادة قبل الوباء ظلت في الصدارة. وكانت الدول الثلاث الأعلى تصنيفاً في عام 2020- وهي فنلندا وآيسلندا والدنمارك- من بين البلدان الأربعة الأولى في 2017-2019. وتعاملت الدول الثلاث جيداً مع "كوفيد -19″، ولديها معدلات وفيات أقل من 21 شخصاً لكل 100 ألف من سكانها. أما آيسلندا فمعدل وفياتها بالسالب.
ويتمثل الاقتراح الأكثر إثارة للاهتمام في تقرير السعادة العالمي في أنَّ بعض الصلات بين "كوفيد -19" والسعادة تسير في كلا الاتجاهين. إذ لا يشير مُعدو التقرير إلى أنَّ السعادة تساعد البلدان على مقاومة "كوفيد -19″، بل يجادلون بأنَّ أحد الأشياء التي تحافظ على السعادة الوطنية وتسهم أيضاً في جعل الدول أفضل في التعامل مع الأوبئة؛ هي الثقة. إذ تكشف استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة Gallup أنَّ العديد من الدول التي تعاملت تعاملاً أفضل مع "كوفيد -19″، مثل دول الشمال ونيوزيلندا، تتمتع بمعدل مرتفع من الثقة في المؤسسات والغرباء.
لماذا انخفضت السعادة في أمريكا اللاتينية؟
إذا كان هذا صحيحاً، فقد يساعد في تفسير التغيير الإقليمي الواسع: وهو انخفاض السعادة في أمريكا اللاتينية وزيادة السعادة في شرق آسيا. أصبحت الأرجنتين والبرازيل وكولومبيا والمكسيك أقل سعادة في عام 2020؛ بينما أصبحت الصين واليابان وتايوان أكثر سعادة، على الرغم من تراجعها في كوريا الجنوبية قليلاً. ويبدو الأمر كما لو أنَّ بلدان أمريكا اللاتينية كانت تتمتع بنوع خاطئ من السعادة قبل عام 2020، حسبما يقول جون هيليويل، الذي كتب جزءاً من تقرير السعادة العالمي، وهي سعادة تستمر باستمرار الروابط الاجتماعية الوثيقة مع الناس، وليس من خلال مستويات عالية من الثقة الاجتماعية.
ووجد استطلاع عالمي في عام 2019 أنَّ 52% فقط من الناس في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي يثقون في جيرانهم- في دراسة قامت على سؤال ما إذا كان الجيران سيعيدون محفظتهم المالية في حال سقطت- بينما اعتقد 41% فحسب أنَّ الشرطة هي من ستعيدها. وهذه هي أدنى حصة مقارنة بالمناطق الأخرى التي شملها الاستطلاع.
ويمكن للناس الابتعاد عن بعضهم البعض، وهم يفعلون ذلك بالفعل، لكن هذا صعب عاطفياً في البلدان التي يكون الناس فيها اجتماعيين عادةً. فقد حُرِم المكسيكيون من وجبات غدائهم الترفيهية أيام الجمعة وفي التجمعات العائلية أيام الأحد (على الرغم من استمرار البعض على أي حال). ويقول إدميلسون دي سوزا سانتوس، عامل بناء في مدينة بارويري البرازيلية: "لقد غير الوباء كثيراً. فقد أجبرنا على التوقف عن عيش حياتنا".