علاقة لن تحظى بطابع شخصي بعد الآن.. كيف يمكن لبايدن إعادة التوازن في العلاقة مع السعودية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/02/04 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/04 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش
ضغوط على إدارة بايدن لإيقاف الصفقة - هربي بوست

"حان الوقت لإعادة تقييم العلاقات الأمريكية السعودية". هكذا أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن نواياه بوضوح: يجب أن ينتهي "الضوء الأخضر" الذي منحته إدارة ترامب للقيادة المتهورة والغاشمة على نحو غير مسبوق لحكام السعودية الحاليين. وكان بايدن قد قال ذلك من قبل في عام 2019، عندما سئل عن كيفية تعامله لو كان في موضع المسؤولية مع حلول أزمة اغتيال خاشقجي، "أود أن أشدد على أننا لم نكن لنبيع لهم مزيداً من الأسلحة.. في الواقع كنا سنجعلهم يدفعون الثمن، وكنا سنجعلهم يعيشون واقع كونِهم منبوذين كما هم". 

هذا الأسبوع، يبدو أن إدارة بايدن قد بدأت تفي بذلك الوعد من خلال إعلانها تجميد وإعادة تقييم مبيعات أسلحة منتظرة إلى السعودية والإمارات. بعبارة أخرى هناك نوع من الوضوح والتدقيق ستفرضه الإدارة الأمريكية الجديدة على علاقة الولايات المتحدة بتلك الدول، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.

السعودية تريد أن تكون العلاقة "طبيعية"، ويجب على بايدن إعطاؤها ذلك دون مميزات

ومن المفارقات إلى حدٍّ ما، أن جعلَ العلاقات "طبيعية" هو ما طالبت به السعودية أيضاً. فالسعودية تبحث عن مكان لها على الساحة العالمية، وبصفتها الدولة المضيفة لمجموعة العشرين في عام 2020، كانت تطلعاتها الأساسية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية هي السعي وراء الشرعية الدولية والعودة إلى العلاقات الطبيعية والاحترام لها كوجهة للاستثمار الأجنبي والسياحة الدولية.

ويذهب مقال Foreign Policy إلى أن بايدن يجب عليه أن يمنح السعودية ما تريده بالضبط، أي أن تعامل مثل أي دولة أخرى لديها التزامات ومسؤوليات ويُفرض عليها تدقيق خارجي لأفعالها وسياساتها في الداخل والخارج. غير أن ذلك سيكون صعباً على المدى القصير، خاصة مع إلحاح العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران (الاتفاق النووي)، إذ يتطلب التوصل إلى  سياسة أمريكية ناجحة مع إيران علاقةً ثنائية فعالة وتعاونية مع السعودية.

سيكون التحدي الأبرز هو اعتراف الولايات المتحدة بدورها في التغاضي والصفح عن انتهاكات المملكة في الداخل والخارج، ثم إنشاء إطار عمل جديد للتعامل مع الدولة، التي حتى وإن لم تعد مركزاً لتصدير النفط إلى الولايات المتحدة، فإنها تظل دولة مهمة للولايات المتحدة على مستويات عدة. كما أن إقناع أعضاء الكونغرس والمواطنين الأمريكيين بأن علاقةً ثنائية صحية بين الولايات المتحدة والسعودية هو أمر يصبُّ في مصلحة الولايات المتحدة سيكون محوراً ضرورياً لإدارة بايدن إذا أرادت تحقيق أجندتها السياسية في الشرق الأوسط، حتى وإن كانت أجندة محدودة.

علاقة لن تحظى بطابع شخصي بعد الآن

لم تعد مكانة الرياض إقليمياً كما كانت عليه مع بدء عهد الملك سلمان، فباتت السعودية متورطة في "دم" اليمنيين، فيما جنت الإمارات وحدها الثمار في "البلد السعيد" سابقاً حتى الآن، وصارت هي المهيمنة على قرار المملكة في بعض الملفات، وهذا بلا شك أزعج كثيرين في أروقة الحكم بالرياض. 

وتعاملت الولايات المتحدة مع السعودية على أنها حالة خاصة لعقود من الزمان، ولطالما قدمت أعذاراً وتسويغات لسياساتها الداخلية الوحشية أثناء محاولة الحفاظ على شراكة يحتل النفط والأمن مركز الأولوية فيها. وفي الآونة الأخيرة، تبين أن الولايات المتحدة ساعدت في بناء واحد من أفضل الجيوش تجهيزاً وأسوئها أداء في العالم، فيما يتعلق بالجيش السعودي، وذلك ما أظهرته بوضوح الضربات الجوية المفتقرة إلى الكفاءة والدقة في جميع أنحاء اليمن، لتتحول الحرب هناك إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم، في الوقت الذي تستمر فيه القنابل الأمريكية في السقوط على المدنيين.

في ظل إدارة ترامب، ترسخ الطابع الشخصي للعلاقة بين البلدين. وتجلّى النفوذ السعودي في اختيار الأطراف التي تخاطبها في الولايات المتحدة، وتحديداً استبعاد وزارة الخارجية لصالح فتح خطٍّ مباشر مع صهر ترامب، جارديد كوشنر، أو حتى ترامب نفسه، ومن ثم أفضى تقليص المشاركة للجهات الدبلوماسية إلى تخلٍّ شامل عن القيم والمبادئ المعلنة الأمريكية في مواقف شملت اغتيال صحفيين وابتزاز رجال أعمال وخطف رئيس وزراء. مع ذلك وإن فاقم ترامب الأمر سوءاً، فإن نمط التغاضي هذا لطالما كان موجوداً منذ سنوات طويلة.

لماذا يجب على بايدن إعادة التوازن للعلاقة مع السعودية؟

في غضون ذلك، وفي الوقت الذي  كانت فيه العلاقات الأمريكية السعودية تشهد ذلك التأرجح، كانت المملكة تمر بتغييرات كبيرة. فمنذ عام 2015، بدأت الحكومة في إصلاح المؤسسة الدينية، وإتاحة الفرص لمشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، وفتح الحدود أمام الزوار والمستثمرين الأجانب، وتنظيم الأسواق وفقاً لمعايير التجارة الدولية. 

السعودية وجيلها القيادي الجديد في عهد الأمير محمد بن سلمان تريد أن تكون "قوة إقليمية من العيار الثقيل" على مستوى السياسة الخارجية، وأن تكون القوة الاقتصادية الأبرز في الشرق الأوسط. وتستند في ذلك إلى حجمها وأصولها الاحتياطية واستثماراتها ومعداتها العسكرية وقدرتها على التدخل في الاقتصادات السياسية للأطراف الإقليمية الأخرى، مثل السودان ومصر وباكستان وإثيوبيا.

وبالطبع هناك النفط، فالسعودية تمتلك بعضاً من أنقى وأرخص مصادر إنتاج النفط على الكوكب. وفي هذا السياق، عززت السعودية ومنتجو النفط الآخرون في الخليج شراكتهم الاقتصادية مع الصين، ما يعني أنه إذا كانت مواجهة الصين من أولويات الأمن القومي للإدارة الأمريكية، فإن العلاقات مع السعودية ودول الخليج ستكون مؤثرة في هذا السياق.

أولاً، حددت إدارة بايدن بعض الأهداف ضيقة النطاق لها في الشرق الأوسط، مع وجود آمال لها في تقليص أهمية المنطقة في جدول أعمالها الأساسي. لكن الشرق الأوسط لديه طرق عدة للعودة إلى صدارة الأهمية، لاسيما في ظل التعافي الاقتصادي العالمي من الوباء، فالشرق الأوسط سيكون معرضاً على نحو خاص لتحديات بارزة مقبلة: ارتفاع مستويات الديون السيادية، والعوائق الهيكلية التي تحول دون خلق فرص العمل في القطاع الخاص، وشبكات الأمان الاجتماعي المثقلة بالأعباء والتي لا تكاد تلبي مستحقات الرواتب في القطاع العام، والرعاية الصحية، وتحفيز الشركات الصغيرة، ومشكلات التدريب على الوظائف ودعم الفقراء. وهذه الخلطة من المشكلات خلطةٌ مثالية لاضطراب مدني ونزاعات جديدة على النظام السياسي، والتي لا يزال الكثير منها يغلي بالفعل منذ الربيع العربي.

ثانياً، اقترحت إدارة بايدن القادمة إعادةَ التوازن إلى المشاركة الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط، لكن ربما تأتي خطط بايدن لتمثل تصحيحاً مفرطاً، بمعنى أن إدارة ترامب حققت بعض "المكاسب" للمصالح الأمريكية هناك.

ثالثاً، والأهم من ذلك، تعهدت إدارة بايدن بإعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، التي انسحب منها ترامب في عام 2018، وهي لن تكون عودة سريعة إلى ما جرى الاتفاق عليه في 2015، بل ستكون مجموعة معقدة من المفاوضات التي يجب أن تأخذ في الاعتبار الآن الوجود الإقليمي المتعاظم لإيران في اليمن وسوريا، ونمو برنامجها للصواريخ الباليستية، بمعنى أن إعادة الدخول في اتفاق مع إيران سيكون أمراً شديد التعقيد ويتطلب مشاركة إقليمية وتعاوناً مكثفاً مع السعودية والإمارات على الأقل.

في المقابل، فإن معاملة السعودية بوصفها دولة طبيعية، وقوة إقليمية لها نفوذ مصالح، سيعني أن الرياض ستضطر أيضاً إلى تحسين وضعها الدبلوماسي، وسيتطلب الأمر مزيداً من الشفافية في التقارير الخاصة بأدائها العسكري في اليمن، علاوة على المساءلة وتيسير سبل التقاضي محلياً. وإذا أرادت السعودية تمييز نفسها عن إيران وتقديم نفسها شريكاً في مواجهة أنشطة إيران في المنطقة، فعليها أن تسمح بالتحقيق في اتهامات الإرهاب التي توجهها لمواطنيها.

السعودية في مرحلة جديدة: إعادة تقديم الذات والبداية من جديد

يحاول محمد بن سلمان تكرار تجربته في الصعود مجدداً وإعادة تقديم نفسه باعتباره يمكن الاعتماد عليه، ومهتماً بالبعد الاقتصادي والدور الذي يمكن أن تلعبه المملكة في المنطقة والعالم. 

وظهرت نتائج عودة السياسة السعودية لما قبل محمد بن سلمان مع وصول بايدن لرئاسة أمريكا واستحواذ السعودية على مساحة كبيرة من اهتمامه سواء في الحملة الانتخابية أو تصريحاته عقب الفوز.

وأنهت قمة العلا التي عقدت بالمملكة، في 5 كانون الثاني/يناير 2021، حصار قطر بضغط أمريكي وبعض دول الخليج. ورغم تزامن هذه المصالحة مع فوز بايدن واعتبار الكثير من المحللين أن هذا الفوز هو السبب، فإنه لا يمكن التسليم بهذه الفرضية بصورة كاملة، فقد كان من المحتمل أن ينجح ترامب، ومن ناحية أخرى الدول الثلاث الأخرى لا تأخذ المصالحة بنفس درجة الاهتمام والجدية السعودية، مع عدم التقليل من مركزية العامل الأمريكي في قضايا الشرق الأوسط بشكل عام، وهذه القضية بشكل خاص، سواء مع الإدارة السابقة أو اللاحقة. 

أما في ملف حقوق الإنسان، فقد اتخذت السعودية عدة خطوات مهمة في هذا السياق، تستهدف بالأساس تغيير هذه القناعات الغربية والأوروبية حول حقوق الإنسان في السعودية، إذ أصدرت المحاكم السعودية مؤخراً أحكاماً مخففة لبعض النشطاء، ومنهم لجين الهذلول، التي من المتوقع الإفراج عنها خلال الشهر المقبل، كما أظهرت وثائق محكمة استئناف سعودية أن المحكمة خففت حكماً بالسجن 6 سنوات على طبيب أمريكي من أصل سعودي، وليد فتيحي، إلى نصف المدة تقريباً وأوقفت تنفيذ بقيتها.

في النهاية، يستهدف الحرس القديم السعودي الحفاظ على السعودية في المقام الأول، وحفظ كيان الأسرة الحاكمة التي تعرضت لهزات جديدة منذ تولي الأمير محمد بن سلمان مقاليد الأمور بصورة فعليه مع تولي والده سدة الحكم في السعودية، وبات المناخ الدولي والإقليمي مواتياً لأن يتم استعادة السعودية لسياستها الهادئة، والتخلص من سيطرة الإمارات، خصوصاً الأمير محمد بن زايد، الذي يتبنى صعود الأمير محمد بن سلمان لسدة الحكم في السعودية. 

وبالعودة لمقال فورين بوليسي، تقول المجلة الأمريكية إن الولايات المتحدة قد تقبل في النهاية بفكرة مرور السعودية بمرحلة تحول، وإن محمد بن سلمان سيصعد إلى سدة الحكم ويبقى في السلطة لفترة قادمة. ومع ذلك، فإن إدارة بايدن عليها أن تضع بعض الحواجز والقيود على تلك العلاقة، بمعنى أن الولايات المتحدة يمكن أن تعامل السعودية بوصفها القوة الإقليمية التي تريد أن تُرى عليها، لكن مع توضيح أن ذلك سيأتي معه التزامات أخرى سيتعين على تلك القوة الإقليمية الوفاء بها.

تحميل المزيد