عندما فاز نوفاك ديوكوفيتش ببطولة ويمبلدون للمرة الخامسة يوم الأحد 14 يوليو/تمّوز، عزا الفضل في ذلك إلى قوة خياله.
وقال البطل الذي أشار أيضاً إلى أهمية القوة العاطفية والنفسية: "أحاول دائماً أن أتخيل نفسي فائزاً".
بالطبع، يمكن للعقل أن يأخذك إلى نقطة معينة فحسب، وإلا سيكون هناك الكثير ممن سيفوزون في اليانصيب أو يقدمون حفلات موسيقية في الساحات المزدحمة.
لكنّ متخصصين في علم النفس للاعبين الرياضيين يشيرون إلى أنه وفقاً للبحث، فإن طريقة "الخيال" تعطي نتائج حقيقية ويمكنها "قطعاً" أن تساعد الناس في المواقف اليومية.
تقول جينيفر كومينغ، الخبيرة في هذه الطريقة في جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة: "إنها واحدة من تلك المهارات غير المستغَلة التي يمكن أن يستخدمها جميع البشر تقريباً" .
تقول الخبيرة إن هناك العديد من الأبحاث حول قوة التخيلات في الحياة العادية.
وتضيف: "يمكننا عادة الاستفادة من هذا، وكلما استخدمنا (الخيال)، زادت فرص تطويره".
تتضمن طريقة التخيل بالأساس إنشاء أو إعادة إنشاء تجربة ما في عقلك.
بحسب موقع النسخة الإسبانية من شبكة BBC البريطانية، تُعدُّ هذه الطريقة واحدة من التقنيات الرئيسية في علم النفس الرياضي التي يستخدمها الرياضيون.
تقول كومينغ: "هناك عدد كبير من الأدلة التي تثبت أن أكثر الرياضيين نجاحاً هم الأكثر استخداماً لهذه الطريقة واعتادوا عليها عندما كانوا صغاراً جداً".
رائحة العشب الطازج
تقول جوزفين بيري، عالمة النفس الرياضية التي تستخدم أسلوب الخيال في عملها مع الرياضيين من عدة رياضات، إن هذه الطريقة قد تبدو "سخيفة" في بعض الأحيان، ولكن أولئك الذين يأخذونها بجدية يمكنهم الاستفادة منها.
تقول بيري: "تُظهر الأبحاث أنه كلما استطعت جعل هذه (الخيالات) واقعاً، كانت هذه الطريقة تعمل بشكل أفضل"، وأضافت: "يتعلق الأمر بالقدرة على استدعاء الروائح، والملمس".
تضرب بيري مثالاً بلاعب التنس الذي عادة ما يفقد السيطرة في الملعب ويلقي مضربه على الأرض.
في هذه الحالة، تخلق "سيناريو" مع اللاعب (عادة في نفس الوقت) حول الطريقة التي ينبغي أن يتصرف بها في هذا الموقف، قبل تسجيله على هاتفه وجعله يستمع إليه باستمرار.
تقول: "إذا كنت في ملعب للجولف، يمكنك أن تشم رائحة العشب الطازج، ويمكنك رؤية العَلم في الخلفية".
تقول بيري إنها استخدمت أيضاً هذه الطريقة مع متسابقي الماراثون لإعدادهم عندما تصل مسافاتهم إلى 30 أو 35 كيلومتراً، وهي المسافة التي يبدأون عندها عادةً في مواجهة صعوبات وتراجع في الطاقة.
تقول الخبيرة: "نجعل الرياضي يشاهد أشياء على يوتيوب لتلك المرحلة تحديداً. ننظر إلى خريطة ونرى ما يوجد على كل جانب".
وتابعت: "نحن نعمل في اللحظة التي يتم فيها تشغيل هذا الإحساس؛ الزر الأحمر.. ونبدأ في كتابة (سيناريو مثالي)".
وتابعت: "سيكون السيناريو كالتالي: لقد كنت أركض تحت الإشارة، وعلى يساري أستطيع أن أرى بعض الحمّامات، وعلى يميني مكان التزوّد بالمياه، وصديقي في الكيلومتر الثلاثين…".
خلق أحد الغطاسين الذي تقوم بمساعدتهم، سيناريو للأمر برمّته، وحتى إضافة صوت تصفيق الجمهور.
كانت أخرى، وهي عدّاءة مسافات طويلة، تخشى الركض نزولاً، لذلك عملت معها الخبيرة على تخيل هذه العملية.
تضيف بيري أن الخيال مفيد، لأنه لا توجد فرصة للتدرب على الأحداث الواقعية مثل فقدان الأعصاب، أو التماسك في سباق الماراثون الذي، بسبب ضيق الوقت، يدربونك فقط على عدم إيذاء نفسك.
واستخدمت الخبيرة هذه الطريقة مع طلاب الطب لإعدادهم للامتحانات العملية.
تقول: "لقد كانوا يعرفون كل شيء، لكن توتر ذلك اليوم منعهم من تذكر ما كانوا يعرفونه وجعلتهم يشككون في كل شيء. الخيال جيد جداً في شيء من هذا القبيل، فهو يساعدك على تجاوز الموقف بثقة" .
وجدت دراسة أجريت في العام الماضي من جامعة بلايموث بالمملكة المتحدة أن طريقة التخيّل ساعدت الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن على إنقاص الوزن.
تقول ليندا سولبريج، العالمة التي قادت الدراسة: "ليس الأمر مجرد تخيل مدى قابلية إنقاص وزنك، ولكن على سبيل المثال، ما الأشياء التي ستتيح لك فقدان الوزن والتي لا يمكنك فعلها الآن".
تقول: "كيف تبدو شكلها، رائحتها، صوتها؟ والفكرة هي تشجيعهم على استخدام كل الحواس".
الخيال وتحفيز المخ
في رأي كومينغ، تشير الأدلة إلى أن فوائد الجمع بين الخيال والممارسة المنتظمة للتمارين متآزرة؛ إذ لن يتمتع الرياضيون بأداء أفضل فحسب، بل سيحصلون أيضاً على فوائد نفسية مثل كونهم أكثر تركيزاً وثقة.
وأوضحت قائلة: "ما نعتقد أنه يحدث، عند استخدام الخيال، هو حدوث تنشيط لمناطق مماثلة في الدماغ تشارك في المهارات الحركية".
وتابعت: "إذا كنت تتخيل ركل الكرة، سوف يزيد نشاط مناطق الدماغ المرتبطة بحركة القدم".
الخيال يحفز عقلك، وهذا يمنحك "فرصة إضافية للممارسة" .
تُضيف كومينغ أن الكثير من الناس يستخدمون بالفعل مستوى معيناً من الخيال، مثلما نفعل عندما نفقد المفاتيح ونعيد إنشاء سيناريو لكل ما قمنا به قبل أن نفقدها.. هذا كان تشغيلاً للخيال.
تقول: "هذا ما يحدث في كل مرة تجرب فيها شيئاً بعيون عقلك.. يستخدم الناس هذه الطريقة طوال الوقت عندما يحتاجون إلى الاستعداد لشيء ما في وقت يتعرضون فيه لضغط ما".
سواء كنت تطلب من رئيسك زيادة في الراتب أو كنت تحضّر لعرض تقديمي، يمكن أن يكون تخيل الموقف بتفاصيل متعددة الحواس أمراً مفيداً.
وتضيف أن هناك من يستخدمونها أيضاً قبل أشياء مثل الذهاب إلى الجيم؛ إذ إن تصوُّر اللحظة التي يرتدي فيها المرء ملابس رياضية يمكن أن يسهم في التحفيز.
عملية متطورة
تعتقد كومينغ أن أفضل الرياضيين، مثل ديوكوفيتش، يستخدمون خيالهم بطريقة "متطورة للغاية وتتسم بالاستراتيجية" وفي مجموعة متنوعة من المواقف، داخل وخارج الملعب، وفي المنزل، وقبل النوم.
وتضيف أن الأفضل في ممارسة هذه التقنية هو فعل ذلك كما لو كنت تشاهد التلفزيون عالي الدقة: "يمكنهم أن يشعروا كيف تنشط عضلاتهم، ويمكنهم أن يشعروا بمضرب التنس، ونبض قلوبهم، وانفعالاتهم…".
في دراسة أكاديمية أُجريت عام 2017 حول الخيال في الرياضة، قال الباحثون إن الخيال كان "تقنية سيكولوجية قوية" وإن هذا "لا يمكن إنكاره".
ومع ذلك، أضافت الدراسة أنه "لا يُعرف الكثير عن الآثار السلبية المحتملة للخيال"، مما يوحي بأنه يمكن أن يكون هناك "جانب مظلم للخيال".