يؤثر المرض العقلي على الطريقة التي يفكر بها الفرد ويشعر ويتصرف بها، تماماً مثلما تصف عبارة "المرض البدني" مجموعة واسعة من حالات الصحة البدنية. فما هو المرض العقلي والصحة العقلية، وكيف يختلف عن المرض النفسي؟
نستعرض في هذا التقرير موجزاً عما تحتاج إلى معرفته عن الأمراض العقلية والاختلاف فيما بينها.
ما هي الأمراض العقلية؟
من نواحٍ كثيرة، فإن الصحة العقلية مثل الصحة الجسدية: فالجميع يمتلكها ونحن بحاجة إلى العناية بها.
تعني الصحة العقلية الجيدة القدرة على التفكير والشعور والرد بشكل عام بالطرق التي تحتاجها، بالإضافة إلى عيش حياتك بالطريقة التي تُناسبك وتُفضلها، ولكن إذا مررت بفترة من الصحة العقلية السيئة، فقد تجد الطرق التي تفكر فيها تُصبح مُعتلة، أو يُصبح لديك بعض المُشكلات في الشعور أو رد فعل صحيح للموقف الذي تمر به.
وقد يصبح من المستحيل التعامل مع هذه المُتغيرات، مما يجعلك تشعر بالسوء مثل المرض البدني، أو أسوأ.
تؤثر مشاكل الصحة العقلية على واحد من كل 4 أشخاص في أي سن معينة، وهي تتراوح بين المشاكل الشائعة، مثل الاكتئاب والقلق، إلى المشكلات النادرة مثل الفصام والاضطراب الثنائي القطب.
غالباً ما تكون تجربة مشكلة الصحة العقلية مزعجة ومُربكة ومخيفة، خاصة في البداية، عندما يشعر صاحبها أنه على وشك أن "يفقد عقله".
غالباً ما يتم تعزيز هذه المخاوف بطريقة غير واقعية في الغالب، يظهر بها الأشخاص سلباً على شاشات التلفزيون والأفلام ووسائل الإعلام.
يمتنع الكثيرون عن التحدث عن مشاكلهم، أو طلب المساعدة، فيزيد الأمر سوءاً.
كيف نكتشف وجود مرض عقلي؟
غالباً ما يكون من الصعب التمييز بين الصحة العقلية الطبيعية والمرض العقلي؛ نظراً لعدم وجود اختبار سهل لإظهار ما إذا كان هناك خطب ما أم لا.
ويمكن أيضاً أن تُحاكي أعراض الاضطرابات الجسدية حالات الصحة العقلية الأولية.
لا تنتج حالات الصحة العقلية عن اضطراب جسدي ويتم تشخيصها وعلاجها بناءً على العلامات والأعراض، بالإضافة إلى مدى تأثير الحالة في الحياة اليومية، على سبيل المثال، يمكن أن تؤثر حالة الصحة العقلية في:
1- السلوك: قد يكون غسل اليدين الوسواسي أو تناول الكثير من الكحول علامة على الإصابة بحالة صحة عقلية.
2- المشاعر: في بعض الأحيان تتميز الأمراض العقلية بحزن عميق أو مستمر، أو نشوة أو غضب.
3- التفكير: الأوهام، والمعتقدات الثابتة التي لا تكون قابلة للتغيير في ظل الأدلة المتضاربة، أو الأفكار الانتحارية، قد تكون أعراضاً لحالة من المرض العقلي.
من أجل تحديد التشخيص وفحص المضاعفات، ربما يقوم الطبيب أو الإخصائي النفسي بما يلي:
1- إجراء فحص بدني: سوف يحاول الطبيب التأكد من مدى توافر المشكلات الجسدية التي ربما تتسبب في ظهور الأعراض.
2- إجراء اختبارات معملية: وقد تشتمل هذه، على سبيل المثال، فحص وظائف الغدة الدرقية أو فحوصات تعاطي الكحوليات والعقاقير.
3- التقييم النفسي: يتحدث الطبيب أو مُقدِّم الرعاية الصحية حول الأعراض والأفكار والشعور وأنماط السلوك، ومن المُرجح أن يسأل أخصائي الصحية النفسية عما يلي:
1- تصورات المريض حول نفسه: تشمل مدى تأثير الأعراض والعلامات على أنشطته اليومية.
من الممكن أن يشعر بالحزن أو فقدان الأمل أو الإحباط، إذا كان لحزنه سبب معين، مثل الطلاق، قد تكون مشاعرك طبيعية وردة فعل مؤقتة، لكن إن كانت الأعراض شديدة أو لا تنتهي، فمن الممكن أن تكون حالة صحة عقلية.
2- تصورات الآخرين: تصورات الإنسان وحده لا تعطي صورة دقيقة عن سلوكه أو معتقداته. يستطيع الآخرون المساعدة في فهم ما إذا كان سلوكه صحياً أم غير ذلك.
ما الفرق بين المرض العقلي والمرض النفسي؟
يجب أن يتم التمييز بين ما إذا ما كان المرض عقلياً أو نفسياً، فالمرض النفسي يتميّز بوجود اضطرابات عصابية، والمرض العقلي يتميز بوجود اضطرابات ذهانية.
المريض النفسي يختلف عن المريض العقلي بأنه يكون عالماً بحالته وبأنه مريض وهو لا يتقمص الشخصيات، ويكون سلوكه مقبولاً.
بعكس المريض العقلي، الذي لا يكون على علم بما يحدث معه أو من حوله، والذي يمكنه تقمّص الشخصيات والعيش على هذا الأساس وتصبح شخصيته مختلفة بشكل تام، وسلوكه غير الطبيعي يكون واضحاً تماماً لمن حوله وهو غير مقبول اجتماعياً.
هذا المريض غالباً ما تحدث له الهلاوس، التي يعيشها ويصدقها وكأنها حقيقية تماماً.
قد ينتج المرض النفسي عن التعامل اليومي مع بعض الظروف الحياتية الصعبة والقاسية، دون وجود أي مشاكل عضوية أو خاصة بالمخ.
أما المرض العقلي، فهو خلل في تركيبة الدماغ أو الوصلات العصبية، ما يؤدى إلى تغير في سلوك المريض، ويكون في هذه الحالة خطيراً على نفسه ومن حوله.
عدم وجود مرض عقلي لا يعني بالضرورة أن الشخص يتمتع بصحة نفسية جيدة.
الصحة النفسية تتعلق أكثر بالقدرة على التفكير والتعبير والتصرف بشكل مناسب فيما يتعلق بمشاعرنا، معرفة الفرق أمر مهم، لأنه على الرغم من أنك قد تعتقد أن ضيقك ناتج عن مرض عقلي، إلا أنه قد يكون مشكلة نفسية.
العديد من مدمني الخمور والمدمنين يسيئون استخدام المواد لتخفيف الانزعاج من المشاعر المختلفة.
علامات وأعراض الأمراض العقلية
تختلف أعراض الأمراض العقلية اعتماداً كبيراً على الحالة، وإن كانت جميع الأمراض العقلية ترتبط بكونها تجعل الشخص المُصاب يمر بضائقة كبيرة أو تتداخل مع قدرة الشخص على العمل.
من أجل تلبية معايير المرض العقلي، يجب عموماً أن تتداخل أعراض الفرد مع أدائه الاجتماعي أو المهني أو التعليمي.
الجميع يختبر القمم والوديان في صحتهم العقلية، فتجربة مرهقة مثل فقدان أحد أفراد الأسرة، قد تُقلل مؤقتاً من سلامة الشخص النفسية، لكن هذا لا يعني أنه مريض عقلياً، فتتطلب معظم الأمراض العقلية أن تستمر الأعراض لفترة معينة من الزمن.
بعض الأفراد لديهم نظرة ثاقبة فيما يخص مرضهم ويدركون أنهم يواجهون مشكلة.
على سبيل المثال، شخص ما يعاني من اضطراب القلق، من المُحتمل أن يدرك أن أعراض هذا الاضطراب تؤثر على حياته اليومية، ومع ذلك، قد لا يدرك شخص مصاب باضطراب ذهاني أن أفكاره مشوهة.
بشكل عام، قد تتضمن الأعراض الشائعة للمرض العقلي أشياء مثل: فقدان الاهتمام بالأنشطة، التغيرات في النوم، التغيرات في الشهية، الانسحاب والرغبة في العزلة، الأعراض الجسدية غير المُبررة، مثل الصداع وآلام المعدة، صعوبة في التركيز، التغييرات الحادة في المزاج.
أسباب الأمراض العقلية
هناك بعض الأسباب التي قد تؤدي إلى الإصابة بالأمراض العقلية منها:
1- الصفات الموروثة: يشيع المرض العقلي أكثر لأسباب وراثية، فقد تُزيد بعض الجينات من خطورة الإصابة بالمرض، كما قد تعمل المواقف الحياتية التي تمر بها على تحفيزه.
2- عوامل التعرض البيئي قبل الولادة: في بعض الأحيان يُمكن أن يكون التعرض للضغوطات البيئية أو حالات الالتهابات أو السموم أو الكحوليات أو العقاقير في الرحم مرتبطاً بالإصابة بالمرض العقلي.
3- كيمياء الدماغ: تؤدي الناقلات العصبية إلى ظهور المواد الكيميائية بالدماغ، والتي تحمل إشارات إلى باقي أجزاء الجسم والدماغ، بشكل طبيعي. عندما تكون الشبكة العصبية التي تشمل تلك المواد الكيميائية ضعيفة، تتغير وظيفة المستقبلات العصبية والأجهزة العصبية، مما يؤدي إلى الاكتئاب.
4- الأمراض العضوية الناتجة عن وجود مشكلة في الدماغ، كالخلل في تكوين المخ وخلاياه.
5- الأمراض الوظيفية كعجز أحد أعضاء الجسم عن القيام بعمله بالشكل الطبيعي.
6- الأمراض التسممية، كأن يحدث تسمم في بعض أعضاء الجسم نتيجةً لتناول المواد السامة.
7- قد يتسبب نقص في كمية بعض أنواع الفيتامينات في الجسم، أو نقص الأملاح المعدنية في الإصابة بالمرض العقلي.
8- الأمراض العقلية المرتبطة بأسباب خارجية كأن يتلقى الشخص ضربة قوية على الرأس مسببة له الارتجاج في المخ، أو تعاطي أنواع مختلفة من المخدرات، أو الكحول.
9- الأمراض العقلية عند الأطفال، نتيجة حدوث مشاكل أثناء فترة الحمل.
الأشخاص مُعرضون أكثر للأمراض العقلية
هناك بعض العوامل التي قد تُزيد من خطر الإصابة بمشكلات الصحة العقلية، وتتضمن ما يلي:
- إصابة أحد أقارب الدم، مثل الوالدين أو الأشقاء، بمرض عقلي.
- التعرض لمواقف حياتية تشكل ضغطاً نفسياً عصيباً، مثل المشكلات المالية، أو موت أحد الأحباء، أو الطلاق.
- حالة مرضية (مزمنة)، مثل داء السكري.
- تلف الدماغ نتيجة التعرض لإصابة خطيرة (إصابات الدماغ الرضحية)، مثل التعرض لضربة عنيفة بالرأس.
- التعرض لتجارب صادمة، مثل المعارك العسكرية أو التعرض للاعتداء.
- تناول الكحوليات أو المخدرات الترفيهية.
- التعرض للإيذاء أو الإهمال أثناء طفولتك.
- وجود عدد قليل من الأصدقاء أو العلاقات الصحية.
- سوابق الإصابة بمرض عقلي.
تنتشر الإصابة بالأمراض العقلية، ويمكن أن تبدأ الأمراض العقلية في أي سن، بداية من مرحلة الطفولة وحتى مراحل سن البلوغ المتأخرة، لكن معظمها يبدأ مبكراً.
ويمكن أن تكون آثار المرض العقلي مؤقتة أو طويلة الأمد، كما يمكن أن يُصاب الشخص أيضاً بأكثر من اضطراب في الصحة العقلية في نفس الوقت.
مُضاعفات الأمراض العقلية
يمكن أن يُحدث المرض العقلي مجموعة متنوعة من المضاعفات في حياة الشخص المُصاب، وتشمل المضاعفات الشائعة: الصراعات العائلية، فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كانت ممتعة في السابق، العجز الجنسي، زيادة الغياب في العمل أو المدرسة، انخفاض الأداء في المدرسة أو العمل، الفقر، التشرد، مشاكل الصحة البدنية، زيادة خطر الانتحار، القضايا السلوكية.
أنواع الأمراض العقلية
يُصنف الدليل التشخيصي والإحصائي للجمعية الأمريكية للأمراض النفسية (DSM) عدة مئات من الأمراض أو الاضطرابات العقلية المحددة، التي يتم تقسيمها إلى فئات أو أنواع محددة، وتشمل:
- اضطرابات النمو العصبي: يغطي هذا النوع فئة كبيرة من المشاكل التي تبدأ عادة في فترة الطفولة المبكرة، تتضمن الأمثلة اضطراب طيف التوحد، واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط واضطرابات التعلّم.
- فصام واضطرابات نفسية أخرى: تسبب الاضطرابات النفسية الانفصال عن الواقع، مثل الأوهام والهلوسة والكلام والتفكير غير المنظّم، من أكثر الأمثلة المعروفة على ذلك الفصام، على الرغم من أنه يمكن أحياناً إلحاق فئات من الاضطرابات الأخرى بالفئة نفسها.
- اضطرابات ثنائية القطب وما يرتبط بها من اضطرابات: تتضمن هذه الفئة من الاضطرابات حلقات متناوبة من الهوس والإحباط، حيث يُعرف الهوس بأنه فترات متتابعة من النشاط والطاقة والإثارة.
- اضطرابات اكتئابية: يشمل هذا الاضطرابات التي تؤثر على الشعور العاطفي، مثل مستوى الحزن والسعادة، والتي يمكنها إعاقة قدراتك الوظيفية.
- اضطرابات القلق: القلق هو شعور يتسم بتوقع الخطر وسوء الحظ المستقبلي مصاحباً لقلق بالغ، تضم هذه الفئة اضطراب القلق المعمم واضطراب الهلع والمخاوف المرضية.
- اضطراب الوسواس القهري والاضطرابات المرتبطة به: اهتمامات أو هواجس وأفكار وأفعال متكررة، تضم الأمثلة اضطراب الوسواس القهري واضطراب الاكتناز واضطراب شد خصل الشعر (هوس نتف الشعر).
- اضطراب الأعراض الجسدية والاضطرابات المرتبطة بها: يمكن أن يعاني الشخص المصاب بهذه الاضطرابات أعراضاً جسدية دون سبب طبي واضح، لكن هذه الاضطرابات مرتبطة بضيق واختلال واضح، (عُرفت سابقاً بتوهم المرض).
- اضطرابات الأكل: تضم هذه الاضطرابات المرتبطة بالأكل، مثل فقدان الشهية العصابي واضطراب نهم الطعام.
- الضعف الجنسي: يتضمن هذا اضطرابات الاستجابة الجنسية، مثل سرعة القذف واضطراب الذروة الجنسية عند النساء.
- الانزعاج النوعي: يرجع هذا للخلل المصاحب لرغبة الشخص في تحوله لجنس آخر.
- اضطرابات السيطرة على النفس: تتضمن هذه الاضطرابات مشاكل عاطفية وسلوكية في السيطرة على النفس.
- اضطرابات عصبية معرفية: تؤثر الاضطرابات العصبية المعرفية على قدرتك على التفكير والمنطق، هذه المشكلات المعرفية المكتسبة تتضمن الهذيان والاضطرابات العصبية المعرفية الناتجة عن حالات أو أمراض مثل إصابات الدماغ الرضحية أو مرض الزهايمر.
- اضطرابات الشخصية: تتضمن الاضطرابات الشخصية نمطاً دائماً من عدم الاستقرار العاطفي والسلوك غير الصحي، الذي يسبب مشاكل في حياتك وعلاقاتك. تتضمن الأمثلة اضطراب الشخصية الحدّية واضطراب الشخصية الانطوائية واضطراب الشخصية النرجسية.
العلاج
عدد كبير منها غير قابل للشفاء ولكنه قابل للعلاج، وهذا يتوقف على نوع المرض العقلي، بعض الأمراض العقلية مثل الاضطرابات النفسية قد تستجيب بشكل جيد للدواء.
الحالات الأخرى، مثل اضطرابات الشخصية، قد تستجيب بشكل أفضل للتحدث مع المعالج، يمكن أن تختلف النتائج أيضاً اختلافاً كبيراً على المستوى الفردي.