عندما تفكر في مرض الإدمان من المحتمل أن تتبادر إلى الأذهان صور المخدرات غير المشروعة أو زجاجات الكحوليات الفارغة، لكن الإدمان لا يقتصر على هذه المواد، في الواقع، قرر الخبراء أن البشر يمكن أن يصبحوا مدمنين على أي شيء لديه القدرة على تخفيف التوتر أو الانزعاج.
ينجذب الناس بشكل طبيعي إلى الأنشطة التي تنتج مشاعر السعادة أو النشوة، خاصةً إذا كانت تُحدث إشباعاً فورياً، وبعد فترة وجيزة من ظهور مشاعر السعادة والنشوة، تتدفق مشاعر الندم والشعور بالذنب، في محاولة للهروب من زوال المشاعر الإيجابية.
ومن الطعام إلى ألعاب الفيديو، طوّر الملايين أشياء مختلفة أدمنوها خارج نطاق المخدرات والكحول، هنا ستجد بعضاً من أنواع الإدمان التي قد لا تتوقعها والأخطار التي تشكلها.
للإدمان أشكال مُختلفة
1- إدمان الوجبات السريعة
أصبحت السمنة أزمة صحية يُعاني منها الكثيرون، ومن الشائع إلى حد ما سماع الأخبار المُتداولة حول شخص ما قريب أو بعيد يُعاني من مشكلات صحية خطيرة ناجمة عن السمنة، وقد تبين أن بعض اللوم من المُحتمل أن يوضع على إدمان الوجبات السريعة.
المشكلة الأساسية هي "السكر"، حيث تقول المكتبة الوطنية الأمريكية للطب "لا يمكن أن يحل السكر محل العقاقير التي تسبب الإدمان، مثل الكوكايين فحسب، بل بإمكانه أيضاً أن يكون أكثر جاذبية".
والمزيج من الملح والسكر والدهون يمكن أن يخلق الرغبة الشديدة في تناول الطعام، والتي قد تصل أحياناً إلى حد تحسين الحالة النفسية، وهي تُشبه بشكل مخيف إدمان المخدرات.
يتضح الأمر أكثر عند محاولة مُدمني الطعام اتباع نظام غذائي صحي، فهم يتعرضون حينها لمشاعر سلبية وتوتر وعصبية تماماً مثلما يحدث في أعراض انسحاب المُخدر من الجسم.
2- إدمان الحب
يذهب بعض الباحثين إلى أن الحب هو أحد أشكال الإدمان، فالحب من الأشياء التي تنشط مسارات في الدماغ هي نفسها التي يتم تنشيطها من خلال تعاطي المخدرات، فاعتبروا الحب أحد أشكال الإدمان من حيث أنماط سلوكه وآلياته الدماغية.
لوقت طويل اعتبر العلماء والناس العاديون الحب الرومانسي جزءاً خارقاً من الطبيعة، فكُتبت الآلاف من أغنيات الحب والقصائد والقصص والأوبرا والباليه والروايات والأساطير، وحدثت أيضاً آلاف الحالات من الانتحار وجرائم القتل، بدافع الحب الرومانسي الذي يُعدّ شيئاً خارقاً وخارجاً عن السيطرة، لكن الأدلة العلمية لا تدعم هذا المفهوم.
يحدث الحب نتيجة اندفاع كيميائي عصبي عند الإعجاب بشخص جديد، وهو أمر لا يستمر طويلاً في حالات الحب المُتبادل والارتباط، فهو اندفاع كيميائي قصير الأمد، لكن قد يُدمن الشخص هذا الشعور المؤقت في حد ذاته، فيكون للفرد تاريخ طويل من العلاقات الرومانسية القصيرة، والتي تنتهي بعد فترة قصيرة؛ نظراً لتضاؤل الإثارة.
3- إدمان جراحات التجميل
الأشخاص المهووسون بأن يكون لديهم جسم "مثالي" أو يشبهون شخصاً مشهوراً ينقلون الأشياء إلى مستوى آخر من خلال الجراحات التجميلية، وعلى عكس الإدمان الكيميائي للهيروين أو الكوكايين، فإن إدمان الجراحات التجميلية هو هوس عقلي يدفع الناس إلى تغيير أجسامهم باستمرار.
يحدث إدمان الجراحات التجميلية بسبب انعدام الشعور بالثقة والأمان وهوس تحقيق تصور غير صحي حول الجمال، يمكن لمعظم الناس الخضوع لعملية جراحية واحدة وتحقيق الشعور بالرضا والابتعاد، لكن هذا لا يحدث في بعض الحالات فيتحول الأمر إلى هوس بتعديل الجسم.
يُشجع على ذلك أن هناك عدداً قليلاً من اللوائح المعمول بها للحدّ من عدد عمليات الجراحات التجميلية التي يمكن أن يقوم بها أي شخص، مما يجعل بإمكان هؤلاء المدمنين على هذا الأمر أن يخضعوا لـ 100 عملية جراحية ولن يكون ذلك كافياً، تماماً مثلما لا يستطيع المدمن أن يسيطر على استهلاكه للمخدرات أو أن تكون كمية مُحددة كافية بالنسبة له.
4- إدمان التسوق
يتميز إدمان التسوق بالوقت المفرط والمال الذي يتم إنفاقه على التسوق، والكذب بشأن الإنفاق وإخفاء المشتريات، في عام 2006، وجدت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أن حوالي 6% من الأمريكيين يعانون من إدمان التسوق، ولكن دراسة لاحقة في عام 2008 في مجلة أبحاث المستهلك وجدت أن المشكلة قد نمت لتشمل 9% من السكان.
يحصل مدمنو التسوق على مشاعر إيجابية مُرتفعة وشعور عظيم بالنشوة من شراء الأشياء، وهو أمر مشابه لما يحدث عند حصول الشخص على المخدرات التي يريدها، يجلب إدمان التسوق أيضاً مشاعر العجز، والفراغ، والغضب، والاكتئاب، والحاجة الماسة لإثبات الشعور بالسيطرة، عندما تكون مدمناً للتسوق، فإنك تشتري أشياء تافهة وتشعر بالذنب بشكل استثنائي فيما بعد.
5- إدمان ألعاب الإنترنت
يُعدّ إدمان اللعب عبر الإنترنت تشخيصاً جديداً نسبياً، لكن هذا لا يعني أنه أقل خطورة، يقول كيمبرلي يونغ، المدير النفسي لمركز إدمان الإنترنت، إن الألعاب القهرية تلبي تماماً معايير الإدمان، وقد شهد يونغ أعراض الانسحاب الحادة التي يعاني منها مدمنو اللعبة.
فيصبحون غاضبين أو عنيفين أو مكتئبين، إذا حُرموا من اللعبة لأي سبب من الأسباب، قد يجلس الطفل في الزاوية ويبكي، أو يرفض تناول الطعام أو النوم أو فعل أي شيء.
يقول يونغ إنه على عكس تعاطي المخدرات، نحن لا نفهم بعد الجانب البيولوجي لإدمان ألعاب الفيديو، لكن تُشير الأبحاث إلى أن المقامرة ترفع الدوبامين، وتقع الألعاب في فئة المُقامرة هذه، وكما أنواع الإدمان الأخرى فإن هذه الألعاب تعطي ممارسها الشعور بالفرار من مشكلاته الحياتية أو الشعور بالرضا عن حياته في مُجملها.
6- إدمان ممارسة الألعاب الرياضية
بالنسبة لكثير من الناس، فإن فكرة إدمان ممارسة الرياضة تبدو غريبة، ففي ظل مشكلة سمنة عالمية يجب الاحتفال بممارسة الرياضة، لكن الأمر ليس كذلك فقط.
يُعدّ دفع جسمك لأداء تمرين صارم إحدى أفضل الطرق للإشارة إلى إطلاق عقلك للإندورفين، وهي نفس الكيماويات العصبية التي تسببها المخدرات والكحوليات، إن دفعة الإندورفين تجعلك تشعر وكأنك في صدارة العالم، وقد وجدت الأبحاث التي أجرتها جامعة ساو باولو البرازيلية أن 10% من المتسابقين ذوي الأداء العالي و 10% من ممارسي كمال الأجسام مدمنون على ممارسة التمارين الرياضية.
7- إدمان الكذب القهري
نظراً لأن إدمان المُخدرات والكحوليات يعتمد على الإشباع الفوري وتحفيز مراكز المكافأة في الدماغ، فإن فعل الكذب القهري يقع كذلك تحت مظلة الإدمان.
تماماً مثل أي إدمان آخر، يشعر الكذابون القهريون بشعور من المكافأة بعد إخبار غيرهم بنصف الحقائق أو تلوين حديثهم بالأكاذيب، إن المتعة التي يتم الحصول عليها من الكذب تسبب تغيرات فسيولوجية مبهجة في الدماغ والجسم، مما يجعل الفعل جذاباً بشكل خطير ويتسبب في الإدمان الشديد.
وبمجرد أن يُصبح الشخص مُكرهاً على الكذب ولديه رغبة شديدة فيه لا يستطيع مُقاومتها، فإنه يستطيع أن يكذب دون تفكير، وتوضح أيضاً الطرق التي تمكّن بها العقاقير التي تسبب الإدمان والكذب القهري من تغيير النقل العصبي أن يكون للاثنين قواسم مشتركة أكثر مما كان مفترضاً في الأصل.
8- إدمان العمل
أوضحت الأبحاث أن إدمان العمل هو حالة فعلية، ويمكن أن يؤثر سلباً على علاقاتك وصحتك، وقد وجدت دراسة أُجريت في إسبانيا أن حوالي 12% من الأشخاص الذين يعملون في البلاد يعانون من الإدمان.
وفي اليابان، يتسبب "كاروشي" (الموت بسبب العمل الزائد) بحوالي 1000 حالة وفاة سنوياً.
إدمان العمل مثل أي إدمان آخر، هو عدم القدرة على السيطرة على الرغبة في العمل، وهو غالباً ما ينبع من الحاجة القهريّة لتحقيق المكانة والنجاح، أو الهروب من الإجهاد العاطفي، وغالباً ما يكون إدمان العمل مدفوعاً بالرغبة في النجاح الوظيفي، وهو أمر شائع لدى الناس الراغبين في الكمال.
9- إدمان الحصول على تان/ التسمير
تسمير الجلد، أو ما يُطلق عليه "تان" قد يبدو من أوجه الترف والتجميل التي تحصل عليها النساء والفتيات خلال العطلة الصيفية الشاطئية، لكن إذا أصبح سعيِك للحصول على تان شغفاً خطيراً، فربما تعانين من "Tanorexia"، وهو مُصطلح يصف الحالة التي تكتنف الشخص الذي يرغب بشكل مُفرط في الحصول على بشرة داكنة؛ لأنهم يعتبرون أنفسهم شاحبين بشكل غير مقبول.
تشير دراسة نُشرت في مجلة Addiction Biology إلى أن التعرض للأشعة فوق البنفسجية وتسمير الجلد من الشمس يمكن أن يسبب تغييرات في الدماغ التي تشبه إدمان المخدرات، وقال مؤلف الدراسة الدكتور برايون أدينوف، إن المخ يتفاعل مع الأشعة فوق البنفسجية في المناطق المرتبطة بالمكافأة، وهذا هو السبب في أن بعض الناس يدمنون رغبة الحصول على Tan على الرغم من المخاطر الصحية المرتبطة بهذا النشاط.