تخلَّص من الضغائن والأحقاد.. لن تستفيد منها شيئاً بل ستؤذيك صحياً

ما الذي يجعلنا نتمسك حقاً بالأحقاد؟ وماذا ستكسب من التخلي عنها؟ تخلَّص من الضغائن والأحقاد إذا ما أردت ان تعتني بصحة قلبك وتبعد شبح الأمراض.

عربي بوست
تم النشر: 2019/05/22 الساعة 07:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/21 الساعة 18:44 بتوقيت غرينتش
التدريب على التسامح يساعد على الحد من الإجهاد والضغط الذي نضعه على جهازنا المناعي ودورتنا الدموية/ istock

تعلق في الذاكرة مواقف مزعجة ومؤلمة ترافقنا أحياناً من الطفولة لانتقاد قيل من صديق في المدرسة أو حتى ملاحظة من معلم أو خيانة من صديق أو مدير في العمل. لا ننساها ونحملها حقداً وضغينة لسنوات.

ولكن ما الذي يجعلنا نتمسك حقاً بالأحقاد؟ وماذا ستكسب من التخلي عنها؟

صحيفة The New York Times قررت استكشف هذا الجانب النفسي لدى البشر، وطرحت هذا السؤال على منصة تويتر منذ أسبوع.

وتساءلت إذا كان هناك أحد قد تخلى عن أحقاده، وما هو شعوره بذلك. وأتت الردود مبهجة من كل حدب وصوب.

أجاب أحدهم: "نعم، تخليت عن معظم ضغائني منذ دخولي نادي الثلاثينيات. وكان ذلك أشبه بعملية تطهير تفسح مجالاً كبيراً في رأسك".

وأجاب آخر: "ولا مرة، حرفياً".

وكتب آخر: "لم أشعر بشيء! كأني لم أعد قادراً على تحمل الإزعاج ولكن لم أشعر بالراحة أو بأي شيء. فقط لا مبالاة".

وتواصلت الإجابات: "رائع، شعرت براحة كبيرة"، "لم أنس ضغائني إلا بعد الانتقام"، "كان هناك شعور بالراحة بكل تأكيد، ولكن مع الخذلان. التمسك بالضغائن أمر مثير ومرضٍ في أحيان كثيرة"، "التسامح هو أكثر الدروس التي لن تتوقف أبداً عن التعلم منها"، "شعرت بالملل"، "شعرت بالتحرر. في معظم الأحيان من يكسبون كراهيتي يمتلكونني نوعاً ما".

وأجاب بعض الأشخاص ببساطة: "لا". وبالنسبة لي، فقد تخليت عن كل ضغائني العام الماضي، وكان شعوري مذهلاً.

ولكن الإجابة الأعمق والأكثر شفافية كانت: "لقد شعرت بالنضج. أعترف بأن مشاعري كانت مناسبة لموقفي في ذلك الوقت، ولكني سمحت لنفسي بأن تعيد تشكيل أفكاري/سلوكي بناء على تجاربي الشخصية من حينها. وعلى المستوى البدني، شعرت أني أخف، ولكن ذلك قد يبدو مبتذلاً".

صحيح، قد يبدو ذلك مبتذلاً، ولكنه شعور يدعمه العلم وبعض الأبحاث عن التسامح.

الغضب يسبب الالتهابات والأمراض المزمنة

في دراسة عام 2006 نُشِرَت في مجلة علم النفس السريري ضمن مشروع جامعة ستانفورد الذي يتناول موضوع التسامح.

اقترحت الدراسة أن "التدريب على التسامح القائم على المهارات قد يُثبت فعاليته في السيطرة على الغضب والتغلب على الإجهاد النفسي والإدراكي وأعراض اعتلال الصحة الجسدية"، ومن ثم يمكنه المساعدة على الحد من الإجهاد والضغط الذي نضعه على جهازنا المناعي ودورتنا الدموية.

وهناك أيضاً دراسة نُشِرَت هذا العام وجدت أن التمسك بالضغينة والغضب حتى عمر الشيخوخة يرتبط بمستويات أعلى من الالتهابات والأمراض المزمنة.

كما وجدت دراسة أخرى هذا العام أن الغضب يحد من قدرتنا على رؤية الأمور من منظور الأشخاص الآخرين.

الغضب واليأس يضران بصحة القلب

وقال الدكتور فريدريك لوسكين، مؤسس مشروع ستانفورد للتسامح: "في حقيقة الأمر، التمسك بالضغائن ما هو إلا استراتيجية غير فعالة للتعامل مع مواقف حياتية لم تتمكن من السيطرة عليها أو التعامل خلالها بشكل صحيح".

وأضاف: "كلما أخفقت في استيعاب ما حدث وتأسفت له، فقد تمسَّكت به بطريقةٍ معينة. إذا كان الشعور بالمرارة، فإنك تتمسك به مع الغضب. وإذا كان الشعور باليأس، فإنك تتمسك به إلى درجة القنوط. وما تلك إلا استجابات نفسية-فسيولوجية لعدم القدرة على التكيف، وهي ضارة عقلياً وجسدياً".

واستطرد الدكتور لوسكين: "اليأس يُثبِّط ويوقف الاستجابة المناعية، ويؤدي إلى بعض درجات الاكتئاب. والغضب قد تكون له عواقب ومضاعفات مناعية، إذ يخل بوظائف الجهاز العصبي، وهو بالتأكيد أكثر المشاعر ضرراً للقلب والدورة الدموية. ولكن فوق كل ذلك هناك الأمر الذي حدث ولم تتمكن من التعامل معه، وغالباً نتعامل معه بطريقة أو بأخرى، ولكن دون مهارة".

ويقول لوسكين إن محاولاتنا الضعيفة للتعامل مع الموقف تعكس "آلية المواجهة أو الهروب" في كيفية التكيف مع تلك الضغوط.

وفي نفس الوقت، فإن العكس صحيح؛ يُمكن للعفو والتسامح، بدرجات متفاوتة، عكس تلك التداعيات السلبية للتمسك بمشاعر الغضب والضغينة.

التخلي عن الضغائن أمر جيد؛ ولكن، كيف نفعل ذلك؟

بشكل رئيسي، وفقاً لدكتور لوسكين، هناك 4 إجراءات للوصول لدرجة التسامح الكامل. ولكن قبلها، تحتاج إلى معرفة 3 أمور:

1. التسامح لك، وليس للمعتدي.

2. من الأفضل أن تسامح الآن، وبسرعة.

3. الأمر يتعلق بتحرير نفسك؛ مسامحة شخص ما لا يعني إعجابك بما قام به أو أن تصبحا أصدقاء.

الإجراء الأول، أن تهدئ نفسك في لحظة الانفعال. وهذا يعني مجرد استنشاق نفس عميق لتستجمع نفسك، وهذا لخلق مسافة صغيرة بين ما حدث ورد فعلك تجاهه.

يقول الدكتور لوسكين: "عليك الاستعداد لمواجهة حالات الضغط النفسي عند حدوثها".

الإجراء الثاني: حوّل طريقة تفكيرك وكلامك عن مصدر غضبك. ويقول: "غيّر طريقة سردك من منطق الضحية إلى قصة بطولية".

وآخر إجراءين متلازمان. انتبه إلى الأمور الجيدة في حياتك، بحيث يكون لديك طريقة سهلة لموازنة الأضرار، ثم ذكّر نفسك بإحدى الحقائق البسيطة؛ الحياة لا تسير دائماً بالطريقة التي نريدها.

يقول الدكتور لوسكين إن الجمع بين هاتين الفكرتين يغيّر الكثير، ويقلل من الشعور بالضغط النفسي والعصبي بشكل هائل.

 ولعل الأهم من ذلك، وما أكّد عليه لوسكين، إن التسامح مهارة قابلة للتعلم. وتحتاج فقط إلى القليل من الممارسة.

ويقول: "إنه أمر مهم. من الرائع معرفة أن هناك استراتيجيات وتمرينات وتقنيات بسيطة يمكن تعلمها للتغلب على ما يعكر صفو حياتهم إلى الأبد".

تحميل المزيد